صرخة من غزة: عمال تحت سندان الحرب ومطرقة الحصار
سلامه ابو زعيتر
2025 / 4 / 22 - 17:44
في كل بقعة من هذا العالم، يقف العمال شامخين، سواعد تبني، وعقول تخترع، وقلوب تنبض بالحياة والأمل، لكن هنا، في غزة المحاصرة، يتحول العدوان واجواء الحرب هبذا المشهد المعتاد إلى حكاية أخرى، حكاية ترويها جروح ودماء تنزف، وأعين موجوعة وتائهة، وأرواح مثقلة بعبء البقاء فرضت على المجتمع وخاصة العمال، فقد أصبح العامل رمزًا للصمود وسط رماد الدمار، وقصة تروي كيف يمكن للإنسان أن يتمسك بفتات الأمل في وجه اليأس المستشري وضبابية المستقبل.
أن تكون عاملًا في غزة اليوم، يعني أن تحمل على كتفيك وزر الحرب والحصار، وقلة الحيلة، مما يعني أن تستيقظ كل صباح على صوت الأنقاض بدلًا من صفير المصانع، وأن تبحث عن قوت يومك بين الخيام المهترئة بدلًا من ورش العمل العامرة، يعني أن ترى أحلامك تتلاشى أمام عينيك، ومستقبلك يصبح سرابًا بعيد المنال.
أي انسان يمكنه ان يتخيل معي العامل الفلسطيني يقف عاجزًا أمام دموع أطفاله الجياع، ويداه اللتان اعتادتا على حمل أدوات العمل، لا تجدان اليوم سوى التقليب في الركام بحثًا عن قطعة خبز يابسة، تخيلوا أمًا كانت تغزل خيوط الأمل في معمل صغير، واليوم تحيك بثيابها الرثة حكايات الصبر لأطفالها النازحين المشردين بفعل الحرب، تخيلوا شابًا يافعًا تخرج من الجامعة طاقته تملأ الدنيا حيوية يقف اليوم على قارعة الطريق امام مخيمات النزوح ومركز الايواء ينتظر فرصة عمل عابرة بأجر زهيد يحفظ له ولأسرته رمق الحياة.
في غزة، لم تعد البطالة مجرد رقم اقتصادي، بل هي سكين حاد يذبح كرامة الإنسان، لم يعد فقدان العمل مجرد خسارة مادية، بل هو فقدان للهوية، وللإحساس بالقيمة، وللأمل في غد أفضل، لقد تحول العمال هنا إلى أشباح تسير على أرض مدمرة ومحروقة ومازالت تدمر، تحمل أجسادًا منهكة وقلوبًا دامية، تتساءل في صمت: إلى متى سيستمر هذا الكابوس؟ وإلى متى سيظل العالم صامتًا على هذا الظلم؟
وحتى تلك الفرص الشحيحة التي تلوح في الأفق، تأتي محفوفة بالمخاطر والاستغلال، أجور بخسة لا تكفي لسد الرمق، وظروف عمل قاسية تهدد الحياة، وسماسرة يقتطعون من تعب العاملين ليضيفوا إلى جراحهم جرحًا آخر، حتى المساعدات الإغاثية التي يفترض أن تكون طوق نجاة، يشعر العمال بأنهم مهمشون فيها، وكأن معاناتهم الفريدة لا تستحق التقدير والاهتمام.
أما حكايات عمال الداخل، فهي فصل آخر من فصول الألم، فقد تعرضوا للاعتقالات التعسفية، ومصادرة للحقوق والأموال، وتعذيب وإهانة، كل ذلك يضاف إلى قائمة طويلة من الخسائر التي تكبدوها لمجرد سعيهم لكسب لقمة العيش بكرامة.
مع اقتراب الأول من أيار لا نريد كلمات جوفاء ولا شعارات رنانة، نريد صرخة مدوية تهز الضمائر، نريد تحركًا إنسانيًا عاجلًا يرفع هذا الظلم الواقع على عمال غزة، نريد أن تعود إليهم فرص العمل اللائقة، وأن تُحفظ كرامتهم، وأن يُحموا من الاستغلال، وأن يحصلوا على حقوقهم كاملة غير منقوصة.
إلى سواعد غزة السمراء، التي ما زالت رغم كل شيء، تتشبث بالأرض وتزرع بذور الأمل في تربة قاحلة، إليكم مني ألف ألف تحية وتقدير، فأنتم وشعبنا قصة الصمود التي سترويها الأجيال القادمة، وأنتم شعلة الأمل التي لن تنطفئ مهما اشتدت الظلمات فالفجر أت لا محالة وحتما ستنتصر إرادة البناء، فكل عام وأنتم نبض الحياة في قلب غزة الجريحة، عاشت نضالات الحركة العمالية والنقابية، المجد للعمال وقضاياهم العادلة، أخيرا ستمضي الأيام ويذهب الزبد وتبقى السواعد مستمرة في بناء الأوطان مهما تعظمت المؤامرات واشتدت المحن ...
• عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين