‏ الخيار الأوحد لتسوية الملف النووي الايراني


فالح الحمراني
2025 / 4 / 17 - 23:51     

راقبت القوى الإقليمية في الشرق الأوسط باهتمام مشحون بالقلق الجولة الأولى من المفاوضات غير ‏المباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية بشأن رفع العقوبات والملف ‏النووي الإيراني في مسقط. ‏
واقتصرت المباحثات على تبادل الطرفين رؤيتهما لتسوية المشاكل العالقة، وربما نقلها الى مستويات اعلى ‏للنظر فيها. واتفق الطرفان على استمرار هذه المفاوضات‎.‎‏ ويشارك في المباحثات من الجانب الإيراني سيد ‏عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، وعن الجانب الأمريكي ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص ‏لرئيس الولايات المتحدة لشؤون الشرق الأوسط، وتبادل كل من سيد عباس عراقجي، وستيف ويتكوف في ‏الجولة الاولى، وجهات نظر ومواقف حكومتيهما بشأن البرنامج النووي السلمي الإيراني ورفع العقوبات ‏غير القانونية المفروضة على إيران، وذلك عبر وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي .‏
أن ثمة دلائل قائمة على إن آفاق التسوية الإيرانية الأمريكية بشأن الملف النووي ستبقى غامضة ومفتوحة، ‏وستكون هاجسا مشروعا للأمن الإقليمي برمته. والقضية تكمن في أن طرفا ثالثا وراء المفاوضات أي ‏إسرائيل لن تقبل بحلول وسطية مع إيران، التي تقول إنها تسعى لتدمير كيانها. لذلك فحتى تقديم إيران ‏براهين موثوقة على عدم وجود خطط عسكرية وراء برنامجها النووي، لن تغلق الملف، وسيكون مثار قلق ‏حقيقي أو مصطنع لتل أبيب وواشنطن والغرب عموما لتحريكه عند الضرورة، وسيغدو لغما قابلا للانفجار ‏في أية لحظة. وقد ظهر ذلك التحدي بصورة عملية إبان عملية الحرب العنصرية التي تشنها إسرائيل على ‏سكان قطاع غزة، إذ اعتبر وزير التراث الإسرائيلي ميحاي إلياهو ان إلقاء قنبلة نووية على غزة هو أحد ‏الخيارات الممكنة. ‏
وثمة أبعاد جيو سياسية وراء المفاوضات التي تخوضها واشنطن، فوفقا لتقرير معهد الشرق الأوسط في ‏موسكو فإنه وعلى الرغم من أن الذريعة الرسمية للتهديدات ضد إيران التي تطرحها إدارة ترامب تتمحور ‏حول الزعم بتطوير طهران برنامجها النووي، فإن خطط الحرب ضد إيران تشكل جزءاً من الاستراتيجية ‏الأمريكية-الإسرائيلية التي تم تطويرها على مدى عقود والتي تهدف إلى إقامة سيطرة غير مشروطة موالية ‏لأمريكا وموالية لإسرائيل على الشرق الأوسط. وتستخدم عملية طوفان الأقصى ضد إسرائيل في 7 ‏تشرين الاول 2023 كذريعة لبدء تنفيذها. في إطار هذه الاستراتيجية، تواصل إسرائيل تنفيذ عملية ‏عسكرية في قطاع غزة. ‏
فضلا عن إن تدمير القدرات النووية الإيرانية بالاعتماد فقط على الحل العسكري لن يحقق‎ ‎الأهداف ‏المنشودة، وذلك بسبب إن تلك المنشئات النووية متناثرة ومحصنة، مما قد‎ ‎يتطلب تنفيذ عملية كبيرة ‏لاختراق المواقع المحصنة و/أو إضعاف الدفاعات الجوية‎ ‎الإيرانية.‏
وكما أكدت مصادر مطلعة مرارًا إن تقدم البرنامج النووي الإيراني، وانتشار‎ ‎منشئاته، والخبرة الواسعة ‏للمجتمع العلمي الإيراني، تزيد الأمور تعقيدًا في جهود‎ ‎القضاء على البرنامج النووي بالوسائل العسكرية. ‏ولهذا السبب، فإن أي مقارنات‎ ‎مع الهجمات الإسرائيلية على المفاعل العراقي في أوزيراك عام 1981 ‏والهدف‎ ‎السوري في القبير عام 2007 تعتبر غير ملائمة للغاية. ففي كلا الحالتين كانت‎ ‎الأهداف التي ‏تعرضت للهجوم مركزة في مكان واحد، وكانت البرامج النووية في‎ ‎المراحل الأولى، وتعتمد إلى حد كبير ‏على المساعدة الأجنبية في تطويرها. أن‎ ‎إيران ازدادت خبرة ودوافع للتعافي بعد كل ضربة عسكرية على ‏منشآتها النووية،‎ ‎بالإضافة إلى بناء مواقع أعمق وأكثر تحصينًا.‏
وعلى خلفية المساعي الحثيثة لإجبار إيران على التخلي عن برامجها النووي السلمي الذي تمارسه في إطار ‏مبادئ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها، تغض واشنطن النظر وبإصرار على الترسانة ‏النووية الإسرائيلية، وتحبط أي محاولات لمناقشتها على المنصات الدولية. وتواصل الحكومات الأمريكية ‏المتعاقبة الدعم لإسرائيل في هذا المجال. وهذا الواقع يثير قلقا مشروعا لدى دول المنطقة ويحفزها على ‏تطوير مشاريع نووية لتكون عامل ردع لأي تطاول على امنها الوطني. ونظرا للسرية التامة التي تفرضها ‏إسرائيل فقد قدرت مختلف المعطيات إنها تمتلك الآن مخزونا مؤلفاً من تسعين رأسا نوويا إلى اعلى بكثير ‏من هذا الرقم.‏
إن الحل الناجع لتسوية الملف النووي الإيراني وإغلاقه بموثوقية وطمأنة الدول الإقليمية الأخرى على ‏امنها الوطني يمر عبر تجسيد مشروع " إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط ". ‏وهذا يقتضي انضمام إسرائيل الى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إسوة بدول المنطقة، وكف واشنطن ‏التعامل بازدواجية في المسالة. وأصرت وزارة مصادر الدفاع الإسرائيلية علنا على أنه لابد إن يكون ‏للجيش الإسرائيلي قوة ردع استراتيجي أقوى من الدولة العربية وإن الخيار النووي في رأي هذه المصادر ‏هو الذي سيحافظ على السلام. وبهذا أعلنت تل أبيب نفسها عاملا رئيسيا لزعزعة الاستقرار في المنطقة ‏وتأجيج الحروب من حين إلى آخر ودفع الدول الأخرى للخيار النووي. ‏
‏ أشار تقرير لمعهد الشرق في موسكو إن إيران في الوقت نفسه، تبذل الجهود لتأمين مجالها الجوي في حالة ‏وقوع هجوم عسكري من الولايات المتحدة أو إسرائيل. منوها بان طهران أبلغت العراق والكويت ‏والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وتركيا بأن أي دعم لهجوم أمريكي على إيران، بما في ذلك ‏استخدام مجالها الجوي أو أراضيها من قبل الجيش الأمريكي، سيعتبر عملا عدوانيا "ستكون له عواقب ‏وخيمة عليهم. وأضاف: " وبناء على أوامر آية الله علي خامنئي، وضعت القوات المسلحة الإيرانية في ‏الأيام الأخيرة، في حالة تأهب قصوى". ‏