مقارنات الحقبة النازية وإستمراريتها


حازم كويي
2025 / 4 / 6 - 15:23     

1/3

مقارنات الحقبة النازية وأستمراريتها
إعداد:حازم كويي

لا تزال الشركات التي استفادت من النظام النازي تشكّل الاقتصاد الألماني حتى اليوم. يجادل زاكاري غالانت في كتابه الجديد بأن ألمانيا لن تخضع لنزع النازية الحقيقي إلا عندما يعيد ورثة النازيين هذه الأرباح.
في الشهر الماضي، تصدّر بنك Credit Suisse (مصرف سويسري يقدم العديد من الخدمات المالية. أُسِست سنة 1856 مقرها في زيورخ). وبسبب تحقيقات أجرتها لجنة المالية في مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث يُتهم البنك بغسل الأموال بشكل منهجي لصالح المُستفيدين من النظام النازي وإخفاء الأدلة المتعلقة بتعاونه مع هؤلاء المستفيدين وورثة النازيين. لكن ليس فقط بنك Credit Suisse هو الذي استفاد من التعاون مع الرايخ الثالث حتى يومنا هذا.
في كتابه "إنزّعوا النازية عن أنفسكم. ضد أسطورة التغلب على الماضي"، يوضح زاكاري وكاثرينا ف.الدور الذي لا تزال تلعبه أرباح النازيين في ألمانيا الحديثة. لا تزال العديد من أكبر الشركات الألمانية تحتفظ بالثروة التي إكتسبتها من الأرباح التي حققتها لصالح النظام الفاشي.
فالشئ الوحيد الذي يجعل قضية بنك Credit Suisse مميزة هو مدى محاولتها التستر على مسؤوليتها. في ألمانيا، يمكنك أن تعيش حياتك دون أي قلق حتى لو كنت نازياً سابقاً أو متعاوناً مع النظام النازي، وأنت لا زلت تستفيد من الأرباح حتى اليوم. يمكنك أن تعيش حياةً سعيدة ومؤثرة، وأن تلعب دوراً في السياسة والاقتصاد والمجتمع. ينطبق ذلك على أبناء الجُناة وكذلك على مديري شركاتهم.
يجري الآن إهتمام إعلامي كبير حول بنك Credit Suisse ، لكن ما فعلوه مُتجذر بعمق في المجتمع الألماني لدرجة أن معظم المُستفيدين لا يشعرون حتى بالحاجة إلى إخفاء ماضيهم. فمجرد الصمت كافٍ لعدم التعرض لأي مُسائلة. وحتى لو وُجهت إليهم إتهامات، فإنهم ببساطة يوظفون مؤرخاً لفحص تاريخ الشركات أو العائلات أو المؤسسات التابعة لهم، ثم يتم تقديم النتائج في إحتفال كبير، يُظهرون فيه بفخر كيف أنهم "تغلبوا على ماضيهم". ثم يستمرون كما لو أن شيئاً لم يحدث.
من الصعب حصر هذا الأمر في شركة واحدة. هذه "عمليات المُعالجة التاريخية" تمت في كل الشركات الألمانية تقريباً. يتم دفع الأموال للأساتذة الجامعيين ليبحثوا في الأرشيف، ثم يتم تنظيم مؤتمر صحفي عند نشر النتائج في كتاب، حيث يجتمع ممثلو الشركة مع الأكاديميين للتأكيد على مدى أهمية "تحمل المسؤولية التاريخية". يتم تقديم بعض مشاهد الحُزن أمام الكاميرات، ثم يليها الإحتفاء بإنجازاتهم في "مواجهة الماضي". وهذا الذي حدث في جميع شركات صناعة السيارات الألمانية، وكذلك في كل شركة كيميائية أو صناعة الفولاذ تقريباً.
2/3
وفقاً لتحليلات خبير الـ CIA سيدني زابلودوف، لا تزال ثروات وأصول تقدر بين 300 مليار إلى تريليون يورو، نشأت من 250 مليار يورو نُهِبت خلال عمليات "أرينه" الممتلكات اليهودية، في أيدي الشركات الألمانية الكبرى.
ألمانيا تدّعي أنها واجهت ماضيها النازي، لكنها في الحقيقة لم تُرجع تلك الثروات أبداً. هذه الأموال تُموّل كل شئ اليوم: الرياضة، الفنون، الثقافة، المدارس، المجتمع المدني، المستشفيات، بل وحتى الأحزاب السياسية.
جوهر المشكلة هو غياب المحاسبة على مواجهة الفاشية في المانيا. يريد الناس التحدث عن أوجه التشابه مع الحقبة النازية، لكن الأمر لا يتعلق بمقارنات، بل باستمرارية مباشرة.
على سبيل المثال، الحزب الذي فاز في الانتخابات بعد الحرب، كان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، والذي كان مليئاً بالنازيين السابقين وسعى إلى وقف عمليات نزع النازية لحماية مجرمي الحرب. حتى الحزب الديمقراطيا الإجتماعي (SPD) ضمّ في الستينيات مسؤولين نازيين ساهموا في صياغة القوانين التي مَنحت العفو للنازيين داخل النظام القضائي الألماني.
كان من المفترض أن تستمر عملية نزع النازية 50 عاماً، لكنها بالكاد أستمرت ست سنوات فقط. لم تكن سوى ظلاً لما كان ينبغي أن تكون عليه، وكانت في الواقع مُجرد مهزلة. لم تُصادر أموال وثروات النازيين. والآن، بدأ ورثة النازيين في ضخ الأموال لدعم صعود حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف.
المفاجأة هي مدى سهولة قبولهم للفاشية الجديدة. ألمانيا لم تتعلم شيئاً من تجربة مناهضي الفاشية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، الذين كانوا يعلمون بوضوح أنه لا يمكن تحقيق شئ من خلال التعاون مع النازيين.
للنظر إلى المرشح المستشار لحزب CDU، فريدريش ميرتس، الذي يريد التعاون مع AfD عندما وصفه وزير الصحة من الديمقراطي الإجتماعي كارل لاوترباخ بـ"النازي"، تراجع الأخير وأعتذر بعد تعرضه للانتقادات، وبدلاً من التمسك بموقفه،وهذه هي المشكلة في ألمانيا، لا أحد لديه الشجاعة لمواجهة النازيين بشكل حقيقي.
إن حزب AfD يحاول منذ سنوات إستخدام اليهود كمبرر ضد الهجرة، خاصة ضد المسلمين. يتحدثون عن "معاداة السامية المُستوردة"، لكنه يرى أن معاداة السامية الألمانية أخطر بكثير من أي معاداة سامية قادمة من الخارج.
من الضروري التذكير بأن ألمانيا نفسها هي من نشرت الفكر المعادي للسامية في الشرق الأوسط. في عام 1941، دعم هتلر إستقلال العراق ضد الاستعمار البريطاني، مما أدى إلى ترجمة ونشر الدعاية النازية باللغة العربية، خاصة عبر الإخوان المسلمين. لأول مرة، دخلت فكرة "الإبادة الجماعية لليهود" إلى اللغة العربية عبر الدعاية الألمانية.
نحن لا نطالب بشئ، بل نقول ببساطة: إذا لم تعيدوا الأموال النازية، فلا يمكنكم الادعاء بأنكم قد تغلبتم على ماضيكم.
لكن ألمانيا لا تستطيع الاعتراف بذلك، لأن صورتها الدولية قائمة على أنها "تعاملت مع ماضيها". في الحقيقة، هذا ليس سوى نفاق مُعيق لأي تغيير حقيقي.