المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (الحلقة السابعة عشرة)
مسعد عربيد
2025 / 3 / 30 - 00:14
التسلسل الزمني (كرونولوجيا) للفكرة والمخططات
القرن التاسع عشر: مرحلة ما قبل تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية
أبرز الأفكار والتيارات الاستيطانية الصهيونية
الحاخام تسفي هيرش كاليشر
(1795-1874)
Zevi Hirsch Kalischer
▪ أحد رواد الصهيونية الكبار ويُنظر إليه بصفته أحد المؤسسين الأوائل لفكرة ومشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين.
▪ ولد في بروسيا لعائلة من الحاخامات وقضى معظم حياته في بولندا.
▪ سُمي باسمه كيبوتس "تيرات تسفي".
أبرز أفكاره الأساسية
استندت أفكار كاليشر إلى الدعوة إلى إعادة توطين اليهود في "أرض إسرائيل" من منطلق ديني، مستمدًا فكره من التعاليم اليهودية التقليدية؛ ولكنه استخدم الوسائل السياسية لتنفيذ دعوته، مازجًا بين الدين والسياسة لتحقيق ما رآه "فرائض" وتعاليم دينية يهودية.
المسألة اليهودية وحلُّها
من اللافت في تطور أطروحات كاليشر بشأن المسألة اليهودية وحلِّها أنه بدأ مسيرته الفكرية والسياسية بالقول إن الله أمر اليهود بألاّ يقوموا بإنشاء دولتهم بأنفسهم وجهودهم الخاصة (عام 1837)، ولكنه ما فتئ أن انقلب في العام 1842 على هذا الرأي، وأخذ ينادي بأنَّ على اليهود أنفسهم أن يبدؤوا "باسترداد صهيون" وبناء المجتمع اليهودي في فلسطين، مؤكدًا أن قدوم "المسيح المنتظر" سيتبع ذلك.
رأى كاليشر أن حلَّ المسألة اليهودية والمشكلات التي يواجهها اليهود في أوروبا، يكمن في إنعاش "القومية اليهودية" واستيطان فلسطين. وقد طرح أفكاره هذه في كتابه الذي نشره سنة 1862 بالعبرية تحت عنوان "البحث عن صهيون" (يُسمى أيضًا "السعي لصهيون")، الذي تضمن أُطروحتيْن أساسيتيْن:
1 - إن خلاص اليهود الذي وعد به الأنبياء، لا يمكن أن يتحقق إلا “بالمساعدة الذاتية"، أي بعمل وجهد "الشعب اليهودي" نفسه، دون انتظار "المعجزة المسيحانية" وقدوم المسيح المنتظر الذي سيأتي لاحقًا.
2 - إن الاستيطان في فلسطين يجب أن يسير دون تأخير. وفي هذا المسعى دعا كاليشر اليهود للانضمام إلى الجمعيات الاستعمارية التي تعمل على استيطان فلسطين، وجمع الأموال من اليهود في جميع البلدان لتنفيذ هذا المشروع. زاعمًا أنَّ على اليهود أن يجتمعوا للعمل على شراء الأراضي في "أرض إسرائيل"، وبناء المدارس لتعليم الزراعة وإدارة الأراضي، وإنشاء قوة حراسة عسكرية يهودية لحماية "يهود الأرض المقدسة" وأمن مستوطناتهم.
المعارضة اليهودية لأفكاره
واجهت أفكار كاليشر معارضة بين اليهود في بلدان اوروبا الشرقية والغربية، خصوصًا من معاصريه الحاخامات. وقد تمحورت هذه المعارضة في قضيتيْن:
الأولى، إصرار كثيرين من الحاخامات على أن "الشعب اليهودي" يجب أن ينتظر مجيء المسيح دون اتخاذ أي إجراء لتسريع خلاص اليهود.
والثانية، أن الظروف في البلدان الأوروبية لم تكن مواتية لدعوة استيطان فلسطين وبناء دولة يهودية على أرضها.
أمّا كاليشر، فقد زعمَ، في رده على هذه الحجة، أن مشروعه قابل للتنفيذ وأن توقيته مواتٍ، إذا ما لقي دعم اليهود الأثرياء، مثل مونتفيوري وروتشيلد، لإنشاء مستوطنات زراعية في فلسطين.
أبرز نشاطاته
أوْلى كاليشر اهتمامًا خاصّا لدعم مشاريع الزراعة في "أرض إسرائيل"، فأسَّسَ عام 1864 "جمعية استثمار أرض إسرائيل"، التي أسَّسَت بالتعاون مع "جمعية التحالف الإسرائيلي العام" (المعروفة بجمعية الأليانس الفرنسية)، أول مدرسة زراعية يهودية في فلسطين عام 1870، هي "ميكفا إسرائيل" (أمل إسرائيل)، على مساحة 640 فدانًا من أراضي يافا، وذلك بغرض دراسة التربة الفلسطينية وتدريب المهاجرين اليهود على أنواع الزراعة.
وقد كان نجاح هذه المشاريع تجسيدًا لإسهام الرأسمالية اليهودية في تمويل الاستيطان اليهودي المبكر في فلسطين. فقد موّلها البارون اليهودي الفرنسي الثري إدموند روتشيلد، أغنى يهود القرن التاسع عشر. ويُقال إن كاليشر تبرع أيضًا بمدخراته الخاصة لشراء المزيد من الأراضي في فلسطين.
▪️▪️▪️
إسرائيل (يسرائيل) زانغويل
Israel Zangwill
(1864-1926)
فلسطين أرض خالية
▪ كاتب إنكليزي - يهودي
▪ يُعدُّ واحدًا من روّاد الصهيونية الأوائل وأحد مساعدي ثيودور هرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية.
▪ اتسمت مواقفه بالوضوح في تجسيد العنصرية والتفوق الأوروبي.
▪ من أهم أعماله كتاب ""صوت أورشليم" The Voice of Jerusalem الصادر عام 1920، وتضمن أبرز أفكاره وأُطروحاته بشأن المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.
▪ نُسبت إليه مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
أبرز أفكاره الأساسية
"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" .. ما المقصود؟
روّج زانغويل لمقولة فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وقد تكرَّرت هذه المقولة مرارًا في مسيرة المشروع الاستيطاني الصهيوني. وكرَّرها حاييم فايتسمان في خطاب له سنة 1914، قبل أن يصبح رئيس المؤتمر الصهيوني العالمي، حين أشار إلى "البلد الخالي".
زار زانغويل فلسطين عام 1897 وعاين أوضاعها، وكان يدرك تمامًا وجود الشعب العربي الفلسطيني وتمسكه بأرضه. وقد أقرً أن لفلسطين أهلها وسكّانها، وأشار في عدد من خطاباته وكتاباته إلى ما لحظه أثناء زيارته هذه من الكثافة السكانية للعرب في القدس، على سبيل المثال، في حين لم يكن اليهود سوى أقلية.
قد يبدو في الظاهر أن مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" أو "البلد الخالي" تتناقض مع إدراك زانغويل لوجود الشعب الفلسطيني، واطِّلاعه على أوضاعه في زيارته لفلسطين. غير أن المقصود من هذه المقولة ليس بالضرورة "غياب السكّان"، بل بالمعاني والأبعاد الاجتماعية والتاريخية والحضارية للفلسطينيين، أي إنهم ليسوا شعبًا؛ وهي حجةٌ تُستخدم لتبرير استيطان أرضهم واقتلاعهم من وطنهم.
من هنا تنبع أهمية هذه المقولة التي غَرست في العقل الصهيوني فكرة "الأرض الخالية". لذا لم يتوانَ زانغويل عن الدعوة إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم بحجة أنهم ليسوا شعبًا، وهو ما قصده بعبارة "ارض بلا شعب". ولم يحل إدراكه لوجود الشعب الفلسطيني دون دعوته لاقتلاعه. فمنذ كتاباته المبكرة دعا إلى طرد الفلسطينيين بالقوة، مشيرًا إلى أن "أرض - إسرائيل نفسها يسكنها العرب"، وأن فلسطين وجوارها يجب أن تكون وطنًا لليهود، ولليهود فقط.
ورأى زانغويل أنه ينبغي طرد الفلسطينيين العرب، مضيفًا، في إشارة إلى الخرافات التوراتية عن قتل الكنعانيين وطردهم من فلسطين، أنَّ "علينا أن نستعد لطردهم من البلاد بقوة السلاح، تمامًا كما فعل آباؤنا بالقبائل التي سكنتها؛ وإلَّا فعلينا مواجهة مشكلة وجود سكان غرباء كثيري العدد، غالبيتهم مسلمة، وقد اعتادوا احتقارنا منذ أجيال. إننا، اليوم، لا نؤلف سوى 12 بالمئة من مجموع السكان، ونملك اثنين بالمئة فقط من الأرض".
الموقف من السكًان الأصلانيين
تشير مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" بوضوح إلى تجاهل السكان الأصلانيين، والاستهتار بمصيرهم، وضرورة طردهم واقتلاعهم من أرضهم و/أو إبادتهم. وهنا يتماثل المشروع الاستيطاني الصهيوني مع المشاريع الاستيطانية البيضاء.
وفي هذا الصدد، يقول زانغويل في كتابه "صوت أورشليم": "لا يمكننا أن نسمح للعرب بأن يحولوا دون إتمام قطعة نفيسة وتاريخية كهذه من إعادة البناء... ولذلك لا بد من أن نترفق في إقناعهم بـ (الهجرة الجماعية) [إلى بلاد العرب]. أليست لهم بلاد العرب كلها، بما فيها مليون ميل مربع... ليس ثمة من سبب خاص يحمل العرب على التشبث بهذه الكيلومترات القليلة. (طيُّ الخيام) و (الانسلال بصمت) هما دأبهم الذي سارت به الأمثال: فليؤكدوه الآن."
الوسائل: الاستيطان
نادى زانغويل إلى استيطان فلسطين بكل الوسائل دون أن يأبه بأي اعتبارات أخلاقية أو إنسانية أو حتى سياسية، ما دامت تحقق الهدف في السيطرة على الأرض وإنشاء المستوطنات الزراعية التي تؤسِّس بدورها لاقتصاد يهودي واستيطان أرض فلسطين تمهيدًا لبناء "الدولة اليهودية". ومن هذه الوسائل:
- شراء الأراضي الفلسطينية ولا سيَّما من الملاًك الرأسماليين العرب غير المقيمين في فلسطين؛
- سرقة الأراضي والاستيلاء عليها؛ ولم يتردد زانغويل في هذا المسعى بالتحايل على القانون وتزييف الوثائق؛
- الاستيلاء على الأراضي الوقفية؛
- التحايل على قانون تملك الأجانب وغيره من القوانين العثمانية؛
- هذا بالطبع، دون إغفال الدور الذي اضطلعت به القنصليات الأجنبية في فلسطين في شراء الأراضي وإحالتها إلى اليهود.