أساطير القوميون المستعربون في بلاد الامازيغ, تنهار أمام علوم الآثار


كوسلا ابشن
2025 / 3 / 23 - 22:18     

قبل أشهر نشرت مجلة العصور القديمة العلمية عن اكتشاف آثري لأقدم تجمع زراعي في بلاد الأمازيغ ( وادي بهت, لخميسات, مورك), خلال العصر الحجري الحديث يرجع الى ما يقارب 4000 سنة قبل الميلاد, و البحث من تقديم علماء الآثار من مختلف الجامعات و المعاهد المشهورة في العالم, مثل جامعة كامبريدج و المعهد الوطني لعلوم الآثار و التراث بمشاركة المعهد البريطاني للدراسات الليبية و شمال افريقيا, و غيرها الجامعات و المعاهد المشاركة في البحث الأثري. عثر فريق البحث على بقايا من النباتات و الحيوانات و على الحجريات و بقايا الفخار, مع وجود حفر كان يتم فيها التخزين, يرجع تاريخ المكتشفات الى العصر الحجري الحديث. الإكتشاف يؤرخ لفترة تاريخية كان الأمازيغ أنذاك مستقرون في تجمعات سكنية و يمارسون الزراعة و الفلاحة و يربون الحيوانات.
عن الأمازيغ و بلادهم, يقول إميل هوفمان في (معجم العصر الحجري) : "التحف الحجرية من مختلف المستويات الثقافية من العصر الحجري والفن الصخري يكشف ان المنطقة كانت دائما آهلة بالسكان".
أساطير الحكواتيون في عصور القرون الوسطى, كانت و ما زالت مرجعية أكاديمية لمزيفي تاريخ الأمازيغ, بنفي محليتهم و إستقلاليتهم في البناء الحضاري و ربطه بالجماعات الإستطانية (الفينيقية) و الأنظمة الإستعمارية ( الرومانية), لكن الأوهام و المغالطات لا تصمد مع الحقائق العلمية, خاصة الإكتشافات الآركيولوجية التي تتحطم على قوة علميتها أساطير و أوهام الميثالية المؤدلجة.
الحديث عن معرفة الأمازيغ بالزراعة منذ الإنتقال من عصر الصيد و جمع الثمار الى الإستقرار و ممارسة الزراعة, يرجع الى العصر الحجري الحديث, فعن جيهان ديزانج " البربر الأصليون " من (تاريخ افريقيا العام) (المجلد الثاني) المشرف على المجلد د. جمال مختار, يقول ديزانج:" أكد كامبس, أن البربر الليبيين لم يعرفوا الزراعة عن طريق الفينيقيين, ولكنهم مارسوها منذ نهاية العصر الحجري الحديث, و القول بأن الكنعانيين جلبوا الزراعة الى افريقيا الصغرى خلال الالفية الثانية ق. م., هو افتراض جزافي. ان النقوش والرسوم في عصر المعدن تصور محراثا دوارا بشكل بياني تخطيطي في "الشفية" ( منطقة شرق قسنطينة بدزاير), و جبال الأطلس العليا و الى الغرب من تبسة في اقليم دوار تازينت... و يبدو في بداية الأمر أن الليبيين غالبا ما كانوا يجرون المحراث بأنفسهم بواسطة حبال... لكنهم كانوا قد عرفوا منذ وقت طويل طريقة شد الثيران الى النير التي صورت في كل من الوحات الجصية المصرية, و في الصور المحفورة الخاصة بالاطلس الاعلى". ويضيف: "وقد بين العلماء النبات أن القمح الجاف و الشعير قد زرعا في شمال افريقيا قبل وصول الفينيقيين بكثير, وكذا الفول والحمص... إن البربر عرفوا تطعيم شجر الزيتون البري قبل أن ينشر القرطاجيون زراعة الزيتون " (ص.443). و يضيف:" ان البحث الآثري في الانصاب الجنائزية أثبت وجود جماعات كبيرة مستقرة كانت تمارس الزراعة في العصور القديمة بافريقيا الصغرى". و يضيف :" ويدل أثاث المقابر (كما أثبت كامبس بوضوح) على مدى قدم الثقافة الريفية البربرية. و يمكن أن نوافق هذا البحث في أن خريطة توزيع المدافن, في عصر ما قبيل التاريخ المشتملة على الفخار, تزودنا بمعلومات صحيحة عن الانتشار الجغرافي للزراعة. وقد مكنت دراسة أشكال الفخار كامبس من أن يلقي بعض الضوء على طريقة حياة بربر ليبيا في هذا الوقت, و تشتبه النماذج (المصنفة حسب الطراز) الفخار المعاصر شبها شديدا. فالسلطانيات و الطاسات والاقداح الخاصة بالسوائل والحساء و الاطباق المسطحة كثيرا او قليلا, والصحاف الكبيرة التي تشبه الى حد ما الصواني المستعملة في يومنا هذا في خبز الخبز غير المخمر, والكعك و الفطائر..." (ص. 444).
و عن التطور الإقتصادي و الإجتماعي والثقافي لبلاد الأمازيغ في العصور القديمة تشير دراسة جماعية الى: "انخرطت شمال إفريقيا في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لبلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط. لم يقتصر الأمر على المناطق الساحلية, ولكن أيضا في مناطق واسعة من المنطقة الشمالية من الصحراء, التي كانت الظروف المناخية و النباتية مقبولة في ذلك الوقت, مما جعل الزراعة وتربية الماشية أمرا ممكنا. و كذا ما أظهرته المنحوتات الصخرية دليل على ثقافة مادية من العصر الحجري الحديث, مثل السيراميك والفؤوس الحجرية المقطوعة والحجارة المشقوقة والمطاحن الحجرية. إتخذ التحول إلى منطقة شمال إفريقيا مسارا مختلفا. في الشمال, كان السيراميك قيد الاستخدام يتوافق مع بصمة الخزاف من العصر الحجري الحديث في منطقة البحر الأبيض المتوسط. إنتشر على طول الساحل بين برقة و البلاد المغاربية في أواخر الألفية السادسة" (التاريخ العالمي حتى ظهور الإقطاع ) (ص 97-98), تأليف جماعي.
تخرصات المتعصبون للعروبة الإستعمارية, لا تعدو أن تكون إلا أوهام و هرطقات ميتافيزيقية, و قد آن الأوان لإختفائها من مسرح تاريخ بلاد الأمازيغ, (أحفاد السلالة الإيغودية ). كل الدلائل العلمية تكذب أساطير الحكواتيون و تفكك إدعاءات منظري القومية العربية في بلاد الأمازيغ.
تشكلت الهوية الإثنو-ثقافية و اللغوية (الأمازيغية), في مسار عملية التفاعل بين الظروف المعيشية الطبيعية و الإجتماعية, بالتكيف مع الطبيعة, وتطوير أساليب الحياة المعيشية و الإنتقال الى عهد الإستقرار و بناء التجمعات السكنية مع بداية الزراعة و الفلاحة و تدجين الحيوانات و تربية المواشي. هذا التطور حصل في شمال افريقيا موطن الامازيغ الأصلي في عصر الحجري الحديث, و هذا ما أثبتته الإكتشافات الأركيولوجية الجديدة.
علم الآثار, العنصر الأساسي في كتابة تاريخ تمازغا, قد حاربته المدرسة الكولونيالية العروبية و همشته لأكثر من نصف قرن, خوفا من كشف حقيقة ما تقدمه لطلبة العلم من أوهام و أكاذيب. لكن الحقائق العلمية لا تختفي بجرة قلم و لا تخفيها الميتافيزقيات و لا الهرطقات الخيالية و الإقصاء و التهميش. و ها هي الأبحاث الأركيولوجية النزيهة تفكك المحرمات و تقدم دليل بعد دليل عن التاريخ الحقيقي لتمازغا و شعبها من الأزال الإيغودي الى عصر إستباحة سيادته و إنتهاك حقوقه في أرضه و أرض أجداده.
Nature قبل أيام بفضل الإكتشاف الآثري سقطت أوراق الفينق و كنعان, ففي 25 مارس 2025, نشرت المجلة العلمية ( الطبيعة), دراسة علمية حول التحليل الجيني (الحمض النووي) لقدماء الأمازيغ في تمازغا. بينت الدراسة أن جينات الأمازيغ حافظت على إستمراريتها و إستقرارها لنحو 24 ألف سنة قبل الميلاد. الدراسة العلمية تفند أكاذيب المدرسة العروبية حول الأصل العربي, و تأكد محلية الشعب الأمازيغي و نقاوة جيناته رغم الموجة الاستطانية العابرة لزمكان.
العلم هو من أكد أمازيغية شمال افريقيا منذ الأزل, و هويته القومية التي تشكلت عبر السيرورة التاريخية الممتدة لعشرات الآلف من السنين, ضمن وحدة جغرافيته و تاريخه و روابطه الإجتماعية و عناصره الثقافية و اللغوية و خصائصه السيكولوجية. و الأكتشاف الجيني يثبت محلية الشعب الأمازيغي و يفند الهرطقات الإستعمارية حول الأصل المشرقي أو الأجنبي.
الهويات الزائفة صناعة إستعمارية مآلها الزوال عاجلا أو أجلا, فهي لا تصمد أمام الحقائق العلمية, و إستمراريتها في الإستلاب و الإغتراب أو إختفاءها الأبدي مرتبط بعملية حسم الصراع بين الشعب الأمازيغي المحلي و النظام الكولونيالي العروبي, و بدايته أنطلقت بنمو الوعي الذاتي الأمازيغي و المجاهرة بأفكاره التحررية و إقتحام النضال الميداني, و المستقبل سيكون للحرية للشعب الأمازيغي بإنهيار النظام الإستعماري.