الشعبانية في الواقع والمآل


عبد الحسين شعبان
2025 / 3 / 21 - 14:09     

أ.د.احمد عبد المجيد
معهد العلمين للدراسات العليا / رئيس تحرير جريدة الزمان (العراقية)


وجدت نفسي في امتحان وانا ألبي طلب الكتابة عن المفكر والباحث الكبير الدكتور عبد الحسين شعبان، وهي المرة الثانية التي يستعصي عليّ هذا الطلب بعد مشاركة سابقة لي في تكريمه خلال احتفاليتين اقيمتا في أربيل مطلع العام الجاري.
وتساءلت، هذه المرة، عن اي فرع من فروع ابداعه اكتب، وعن اي نمط من انماط حياته العامة والخاصة بوسعي ان أصوغ كلماتي؟
لعلها مشقة لا يخفف عليّ وزر اثقالها سوى الاعتزاز الكبير الذي احمله ازاء الدكتور شعبان ومحبتي الاخوية المفعمة بالود والاكبار الى شخصه، بل شخصيته النادرة والجديرة بالاحتفاء على طول مدن العراق وعرضها.
ربما من المناسب ان اشارككم هذه الاحتفالية بالمفكر والصديق الدكتور عبد الحسين شعبان، اذا سجلت انطباعاً متواضعاً عن علاقاته بالرموز والشخصيات المثيرة للجدل وبالقامات السامقة. وقبل كل شيء اعترف ان هذه العلاقات من التميز والفرادة، ما ساعده على ان يكون عراقياً كونياً عابراً للهوية، بمعنى عابراً للقارات والأمم، متجلياً في الفضاء الكوني يستلهم ويُستلهم في الوقت ذاته. فهو يحترم الاختلافات والمعتقدات الدينية والسياسية وينأى بنفسه عن الوقوع في التضادات او القطيعة. بعبارة هو يرى في الاخر انسانيته واعماقه الصافية ولا ينظر الى مواقفه السابقة أو ارائه المضادة، فالاراء في فلسفة شعبان تتبدل والافكار تتطور والمواقف قابلة للمراجعة. ولهذا السبب وجدت في فكره استقلالية ناضجة ومتسامحة تستوعب الاخرين، سواء أكانوا من اليسار او اليمين أم كانوا من اصحاب التلاوين او التطرف ام كانوا من الرجال باللون الرمادي؟ إلا من كان منهم غارقاً في الفوضى او باعثاً على تهديد السلم المجتمعي أو فكر التسامح او كان احد الملاعين الذين تلوث انفاسهم روح المرحلة النقية، بحسب الاسباني كارلوس ثافون مؤلف رواية (مدينة من بخار).
ويصح القول ان المفكر شعبان يجمع باقة عطرة من الاصدقاء أصحاب الرأي ويحيط نفسه بمشاهير من النخب، لا ينظرون اليه إلا بوصفه عراقياً خالصاً وعربياً قحاً وانسانياً ينضح بمنهج الشراكة والعيش المشترك واتساع المساحة المتاحة للتفاهم، بمعنى انه من انقياء الروح. واذ اقول ذلك استحضر في ذاكرتي اسماء واسماء وعناوين ومحطات يندر على سواه ان يكتشف المشترك أو يرسم نقطة التلاقي والمطابقة أو المقاربة معها. لقد إإتمن هؤلاء الدكتور شعبان، مستلهمين القول المأثور (لا تأمنن احداً حتى تراه في ثلاث .. شدة تصيبك ونعمة تصيبه وجفوة بينكما).
ولعله ترجم قول الامام علي عليه السلام (نصف العافية بالتغافل). ورأيت المفكر شعبان متغافلاً وليس غافلاً، عن كثير من مواقف بعض الساسة واصحاب الاجندات، متعمداً مغادرتها دون منّة ولا عتاب، أي انه يراهن على المستقبل ولا يقف طويلاً امام اطلال الماضي. فهو يستهدي برغبته في رؤية الأرض تخلو من الكراهية والثأرية.
لعلها روح النجف في عقله وروحه، روح النجف التي تناجي فاطر السماوات والارض (اللهم انك عفو كريم تحب العفو). ولعلها التربية العائلية والسياسية، التي اشتق طريقه الى رحاب الأمل عبرها، ولعلها ارادته المطبوعة على الخير والصفاء وملامسة الاعماق، أو لعلها معالم جديدة وظفتها الطبيعة البشرية واختارت وضعها في سياقها الشعباني الذي نحتفي به اليوم وسط اجواء روحانية يشهدها المكان والزمان والبعد الثالث على مسرح الوجود، يقول حكيم (اذا لا تستطيع الابتسام لا تفتح دكاناً) .. وكان قلب شعبان مبتسماً دائماً.