![]() |
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
![]() |
خيارات وادوات |
|
البيئة الفكرية والثقافية والتراثية وسلوك السلطة والمجتمع
البيئة الفكرية والثقافية المتخلفة والمحتلة بالتراث الديني القروسطي مازالت تهيمن على المجتمع العربي ولم تغادر بعد زمن القرون الوسطى بحيث لم تقع قطيعة معرفية فالأنظمة الوافدة مثل تلك الآفلة تحكم بنفس المنظق والأسلوب والمنهجية فقط تتغير التحالفات والأشكال والشخوص والطقوس لكن طريقة الحكم هي نفسها حاكم مؤله بيده رقاب الناس متحكم في مصائرهم ومعاشهم ومستقبلهم يحيي ويميت وشعب ذليل ينال رزقه ووجوده بالإنتماء لقطيع الموالين المداحين ويستعمل البعد الديني التراثي المتجذر في عقول الأغلبية الساحقة لضبط المجتمع وتدجينه لفائدة بقائه أطول مدة في السلطة. فالبيئة المجتمعية بما تحمله من تراث ثقافي وفكري وبعد ديني والسائدة في المجتمع تنتج قيودا للسلطة وتؤثر على سلوكها وعملها ولا تترك لها إلا مجالا ضيقا للتصرف بحرية. فالمنظومة الدينية الراسخة والمتجذرة في عقول الناس والمتحكمة في تصرفاتهم وسلوكهم وهي المرتبطة في أذهان العامة بالمقدس يصعب تغيير محتواها وتحديثها حتى تواكب العصر والتطور وهي المتجمدة في الزمن وتعود للعصور الوسطى وقد تجاوزتها الأحداث وأصبحت عبئا ثقيلا على المجتمع. فالتواكل ونبذ العمل والعلم والفكر الحداثي وحقوق الإنسان وجعل المرأة نصف المجتمع آلة للجنس وإنجاب الأطفال وتقديس الحاكم وطاعته مثل القطيع كمتطلبات مقدسة و أوامر آتية من السماء تنتج مجتمعا مسلوب الإرادة والمبادرة والتفكير العقلاني لا محاسبة فيه ولا تحمل للمسؤولية لأن كل شيء مرتبط بما قرره الإله وما وجد في النصوص وما يقوم به الشيوخ من تفسير وتأويل وفتوات فحتى الأرزاق توزع على الناس حسب معرفته وتقديرة "إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ " و"لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا" ولا حاجة للبحث والتنقيب فكل العلوم موجودة في الكتاب المقدس "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" ولهذا نفر الناس من دراسة العلوم الحديثة والفلسفة واعتبروها هرطقة حتى وصل الأمر إلى حرق كتب المفكرين وقتلهم والتضييق عليهم.فالبيئة الفكرية السائدة في العالم العربي بيئة صحراوية قاحلة لا تنتج إبداعا فكريا خلاقا ولا علما عصريا حديثا ولا فكرا عقليا حرا ناقدا متجاوزا ومخلخلا للمتعارف عليه بل تنتج الماضي وتعيده بلباس وبهرجة عصرية دون المساس بأصل المحتوى وتجتر بصفة ببغائية ما كان سائدا في العصور الوسطى مما يخلق ركودا فكريا متوارثا وفجوة معرفية مع مرور الزمن مع ماهو معاصر وحديث. وهذه البيئة الغارقة في وحل التراث البالي المنغمس في طقوس الدين حتى النخاع والناقل للفقه والكلام والأساطير والبدائية التاريخية تقيد الفكر والعقلانية وتحدد مجال التدخل الإصلاحي والتغيير نحو مجتمع حديث ومتطور منتج للمعرفة والعلم والتكنولوجيا يقدس الإنسان والعقل لا النصوص والنقل والخرافة.
|
|