الدين كسياسة باسم المقدس


عزالدين مبارك
2025 / 3 / 20 - 13:39     

الدين هو أصل السياسة والسلطة والأيديولوجيا بلبوس المقدس وله آليات للتحكم في الناس وحكم فئوي نافي للآخر المختلف عضوض وقاهر للإرادة الحرة وضابط للمجتمع ولا ينتج إلا مجتمعا عبوديا ثنائيا للحاكم والمقدس والرعية قطيع يعبد الحاكم كإله ينوب إله السماء ليفعل ما يشاء في ملكه طبقا للتفويض الإلاهي.فالحكم السلطوي على أساس الدين عن طريق حكم الفقهاء وشيوخ الشريعة ولو من خلف الستار كخدم لسلاطين القبائل المهتمين حصريا بدنيا المال والثروة ومتع الحريم وتدوير الرجال في المناصب للقيام بالأعمال التنفيذية ضمن توازنات عشائرية دقيقة والتصرف في شؤون العائلة الممتدة. فالسلاطين والأمراء والرؤساء يحكمون من خلال الأوامر وأغلبها شفاهية وغير مكتوبة وليس لها ضوابط قانونية أما السلطة الدينية الخارجة من جلباب السلطة القائمة التنفيذية ذات الشرعية العائلية الوراثية أو الآتية عن طريق الغلبة والإنقلابات العسكرية أو عن طريق المخابرات والتدخل الخارجي أو الإنتخابات الصورية المفبركة فهي تتحكم في عقول الناس وجوارحهم وأفئدتهم من خلال منظومة العصف الذهني بالمساجد والكتاتيب المدعومة بسخاء من جيوب المواطنين ودافعي الضرائب دون حسيب ورقيب ولهم وسيلة الإفتاء وتأويل النصوص كقوانين ربانية مقدسة تسري على الجميع وكل ذلك بأمر من السلطان والرئيس. فالسلطة في العالم العربي هي سلطة تفاعلية بين السياسي والديني حسب تبادل المصالح والمنافع وكل ذلك هدفه التحكم والسيطرة والضبط الإجتماعي واستتباب الأمن وهذا يؤسس لنظام هجين غير ديمقراطي يتحكم في دواليبه فرد واحد دكتاتوري أو جماعة أروستقراطية أو جماعة مصالح ضيقة من أصحاب الثروات والجاه والنفوذ ولذلك تجد طبقة عليا مرفهة تتحكم في كامل الثروة والبقية الأكثرية رعية تعيش البؤس وقلة ذات اليد والحرمان كخدم وحشم وأجراء على الكفاف وبجانب ذلك جيش عرمرم من شيوخ تجار الدين كل عملهم بيع وهم المقدس وتجديده وتطويره للأغبياء والجهلة كأيديولو جيا للتحكم والسيطرة على الناس ليبقوا قانعين وصابرين وحامدين لما هم فيه من تعاسة و ظلم لأن الخالق أراد ذلك وهو قدر مكتوب في لوح محفوظ. وهذا النظام الثنائي الأبعاد كان سائدا في القرون الوسطى وتطور حسب تفاعل القوى الإجتماعية الموجودة على الأرض من نظام ديني غالب في فترة الرسل والأنبياء بحيث كل شيء يأتي من السماء إلى فترة ظهور الثورات الإجتماعية والفكرية خاصة بأوروبا حيث أصبح النظام السياسى هو المسيطر والتدين شأن خاص بالفرد بعد سقوط سلطة الكنيسة ونهاية عصر الكهنوت مرورا بفترة الملوك وتحالفها بالكنيسة واضطهاد العلماء والمفكرين والفلاسفة. وهذا الصراع بين الفكر العلمي والفلسفي الحر والفكر الديني الغيبي أنتج أنظمة سياسية متنورة وتقدمية جعلت من الإنسان والحرية والحقوق والمدنية محور أولوياتها وغادرت نهائيا منطق الدولة الدينية حتى وصلت إلى تخوم العلمانية والديمقراطية كأرقى نظام وصلت له البشرية في العصر الحديث. لكن مع الأسف الشديد وبحكم سطوة الدين والتراث الفقهي على المجمتع بقي العالم العربي غارقا في وحل الأفكار الرجعية والتي سادت في القرون الوسطى ولم تتأثر كثيرا بما وقع من تحديث فكري وسياسي في الغرب إلا على مستوى السطح والمظاهر والطقوس والكلام أما العقول فمازالت تحت سلطة الشيوخ والمقبورين والغوغائيين والجهلة.