الحوار الغائب : الحكومة المغربية ، ومأزق الانغلاق السياسي
محمد أمين وشن
2025 / 3 / 19 - 19:32
" لا يمكن الحديث عن حرية سياسية حقيقية دون ديمقراطية فعلية ، ولا ديمقراطية فعلية دون مشاركة حقيقية ".
فلاديمير لينين
في المغرب ، و في سياق يتسم بأزمات متعددة ، من تدهور القدرة الشرائية إلى تفاقم البطالة وتزايد الاحتقان الاجتماعي ، يبقى أحد أبرز مظاهر الأزمة السياسية في المغرب هو غياب الحوار الحكومي الجاد مع مختلف الفاعلين ، سواء تعلق الأمر بالمعارضة ، النقابات ، أو حتى المجتمع المدني ..... حيث يبدو أن هذه المشاركة الغائبة، بفعل حكومة تنحو بشكل متزايد نحو الانغلاق بل إلى نزوع واضح نحوه ، ورفض الاستماع للرأي الآخر ، والاكتفاء بسياسة التوجيه من الأعلى دون مراعاة لنبض الشارع أو آراء ممثلي الأمة و المعارضة السياسية على حد سواء ، ورفض كل أشكال الحوار هذا الأخير الذي لطالما شكل ركيزة من ركائز التعاقد السياسي بين الحكومة و باقي الفرقاء السياسيين و الاجتماعيين ، خاصة في ظل* دستور 2011 كرس مبادئ الديمقراطية التشاركية وفتح المجال أمام آليات تشاركية بين الدولة والمجتمع .
المعارضة ، التي ينهجها حزب التقدم والاشتراكية، وعلى رأسه أمينه العام، الذي يعد من أبرز الأصوات التي دقت ناقوس الخطر مبكراً، ودعت الحكومة إلى الانفتاح على المعارضة، و تقديم الأجوبة المقنعة، والانخراط في حوار مسؤول حول قضايا الشعب. و حول القضايا الكبرى، من العدالة الاجتماعية إلى الإصلاح الاقتصادي ، و هو الذي لم يكتف بالخطاب عبر مختلف المنابر الإعلامية المستقلة ، و لقاءاته الحزبية المفتوحة ، بل وجه رسالتين رسميتين إلى رئيس الحكومة ، حملتا مقترحات ملموسة لما تعيشه البلاد على أكثر من واجهة ، لكن الرد لم يأت، أو بالأحرى أتى في إطار ردود شكلية أو حاول إدراجها في أبرز تجليات التردي السياسي الذي أصبحنا نعيشه اليوم في شكل صراع تغلب عليه الذاتية ، بل لا يرقى بشكل أو بآخر إلى مستوى التحديات المطروحة ، و في أغلب الأحيان ووجه بصمت متعمَّد من قبلها ، مما يعكس تعاطياً فوقياً مع المؤسسات ومع متطلبات المرحلة ، وكأن الحكومة تعتبر أن امتلاك الأغلبية البرلمانية يكفي لتسيير البلاد، متناسية أن الديمقراطية الحقة ليست مجرد أرقام بل تفاعل مستمر مع مختلف الأصوات خصوصا المعارضة لسياساتها .
الصمت عينه يتكرر تحت قبة البرلمان ، حيث أضحى فريق التقدم والاشتراكية يُواجَه بتجاهل شبه ممنهج من طرف الحكومة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعديلات جوهرية على مشاريع قوانين حيث التعديلات المقترحة، التي تعكس هموم المواطنين وتستهدف تحسين النصوص التشريعية و تجويدها ، تُقابل بالرفض أو الإقصاء دون مناقشة جدية، مما يجعل من العمل البرلماني مجرد تمرين شكلي ، يفتقد إلى جوهر التشاركية التي ينص عليها الدستور. ولا أدل على قَولِنا ما صرح به رئيس الحكومة اتجاه نواب الأمة ممثلي الشعب متحدثا كون أنه لا يهتم لرأي المعارضة فيه ، وفي سياسات حكومته، ولا يهمه ما يقولون ... مما يلخص رؤيته للسياسة ولدولة المؤسسات ولضرورة التواصل مع الرأي العام الوطني ومدى احترام حكومته للشعب المغربي وممثليه .
قائمة الملفات المسكوت عنها لا تتوقف عند حدود المؤسسات. فقضية مصفاة "لاسامير" مثال صارخ على غياب الإرادة السياسية لحل واحد من أكثر الملفات تأثيراً على السيادة الطاقية للبلاد ، حيث لا إجابة حكومية واضحة حول مصيرها، رغم الأسئلة المتكررة. ، تضارب المصالح داخل الحكومة، بدوره، موضوع يُطرح علناً، دون أن تخرج الحكومة بموقف حازم يبدد الشكوك أو يعيد الثقة. أما قرار إعفاء 16 مديراً إقليمياً بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فقد تم دون أي توضيح للرأي العام، وكأن الشفافية ليست من أبجديات التدبير العمومي.
إن هذا النمط من السلوك السياسي، القائم على تجاهل المعارضة والمؤسسات والمجتمع المدني، لن يؤدي إلا إلى تعميق الهوة بين الدولة والمجتمع كون أن تجاهل الأصوات المعارضة ورفض الحوار هو وصفة لفشل أي تجربة سياسية مهما بدا غلافها ديمقراطياً .إذ أن الحوار ليس ترفاً سياسياً، ولا تفضلاً من الحكومة على الفاعلين، بل هو ضرورة حيوية تضمن استقرار البلاد وثقة المواطن في الفعل السياسي .
إن الحكومة التي تكتفي بإصدار القرارات من فوق، وتغلق الأبواب في وجه الأصوات المخالفة، إنما تراكم أسباب فقدان الثقة، وتخلق الشروط الموضوعية لتصاعد الاحتقان الاجتماعي والسياسي و عليها أن تعي أن الانفتاح على المعارضة، النقابات والمجتمع المدني ليس ضعفاً أو تنازلاً، بل هو جوهر العمل السياسي الناضج. حيث وحده الحوار السياسي يمكن أن يفرز حلولاً توافقية ويضمن استقراراً سياسياً واجتماعياً مستداماً. والحال أن التاريخ علمنا، كما قال لينين: " أن الديمقراطية ليست كلمات تُرفع في المناسبات، بل مشاركة حقيقية على الأرض" .