ذكرى وفاة كارل ماركس ( وُلد يوم الخامس من أيار 1818 وتوفي يوم 14 آذار/مارس 1883 )


الطاهر المعز
2025 / 3 / 16 - 12:03     

اهتم كارل ماركس في شبابه – ضمن دراسة الفلسفة – بهيمنة الإيديولوجيا، واستنتج إن توفُّر الإحتياجات الضّرورية ( كالغذاء والمأوى) شرط أساسي للتّفكير وللإهتمام بالثقافة والفَنّ والسياسة، ولذلك بدأ الإنسان بإنتاج أدوات الصّيْد والزراعة لمساعدته على توفير مُقوّمات الحياة، قبل أن يُصبح العَمل أو الجُهْد الذي يبذله العامل – في عصر الرأسمالية - سِلْعَةً تُمكّن الرأسمالي ( المُستثمِر) من تحقيق الرّبح ( فائض القيمة ) وقاده تحليله لما يحدث حوله إلى نبذ الإستغلال، وكان من مُؤسِّسِي "الجمعية العالمية للشّغيلة"...
كانت ثورة 1848 والقمع الوحشي الذي تعرض له العُمال الثّائرون ضد الإستغلال الفاحش وظروف العمل في فرنسا ( مجازر باريس - حزيران/يونيو 1848) دليلاً على درجة التّناحر الطّبقي في المجتمع الرّأسمالي الصّاعد، وساهمت دراسته لهذه الثورة التي تجاوزت فرنسا لتعم أوروبا الصناعية، في مضاعفة جهوده، مع رفيقه فريدريك إنغلس ( 1820 - 1895 )
في تأسيس "الجمعية العالمية للشّغيلة" سنة 1864، قبل أحداث "كميونة باريس" ( آذار/مارس – أيار/مايو 1871) التي كانت أول تجربة لحكم البروليتاريا، لكنها اقتصرت على باريس ولم تدم سوى شهْرَيْن غير إنها بقيت راسخة في تاريخ فرنسا والحركات الثورية والإجتماعية العالمية، وكانت "كميونة باريس" دافعًا لتأسيس الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية والنقابات والتّعاونيات والصّحُف العُمّالية...
كانت مُساهمات مركس وإنغلس كبيرة في تحليل الرأسمالية – التي كانت مُهَيْمِنَة في أوروبا وأمريكا الشمالية - وإبْراز طبيعتها الإستغلالية (استغلال جُهْد العاملين – البروليتاريا) واكتساح الأسواق المحلية، قبل أن تستخدم القُوّة العسكرية لغزو واحتلال مناطق أخرى من العالم ( آسيا وإفريقيا)، حيث كان أغلبية السُّكّان من العاملين في القطاع الفلاحي، واستحوذ الرأسماليون الأوروبيون على أراضي السّكّان الأصليين وطردوهم منها ليتحول العديد منهم إلى عُمّال أو مُهمّشين في المراكز الحَضَرِيّة ليبيعوا قوة عملهم مقابل أجر...
أفضت تحليلات كارل ماركس وفريدريك إنغلس ثم فلاديمير لينين ( 1870 - 1924 ) إلى ضرورة الثّورة ضد الرأسماليين الذين لا يمثلون سوى أقَلِّيّة عدَدِية، لكنهم يمتلكون السّلطة وأدواتها القَمْعِيّة، ويُقرِّرُون مصير الأغلبية، ولذلك فإن الثورة عنيفة بطبيعتها، لأن الرأسماليين لن يُفرّطوا في امتيازاتهم التي حصلوا عليها بواسطة الإستغلال والنّهب، وكان كارل ماركس يُرَكِّزُ على مكانة العُمال في عملية الإنتاج، فالعُمّال يُشكّلون أغلبية عدَدِيّة ويُشكّل عملهم مَوْرِدًا لتراكم أرباح الرّأسماليين، ولذا فإن امتناعهم عن العمل يَحُدّ من أرباح أرباب العمل، ويؤدّي اسْتِيلاؤُهُم على أدوات الإنتاج إلى إعادة توزيع ثمرة العمل...
مَثَّلَ شعار "ياعُمّال العالم اتَّحِدُوا" دعوة لِتَحَدِّي الرأسمالية من قِبَل كافة العُمّال ( رجالاً ونساءً، سودًا وبيضًا...) بهدف الإستيلاء على وسائل الإنتاج وتحويلها إلى ملكِيّة جماعية لتلبية احتياجات المواطنين ( المُجتمع)، بدل احتكار وسائل الإنتاج من قِبَل الأقَلِّيّة الرأسمالية، وبدل التّقسيم الذي نجحت الرأسمالية في إنجازه، وتمثّل في المنافسة بين العمال – المحلِّيِّين والمهاجرين، النساء والرّجال... - للحصول على شُغل أو مَسْكن، ومَثّل هذا الشّعار دعوة إلى العمل الجماعي ضمن منظمات ديمقراطية، سياسية ونقابية وثقافية ديمقراطية، محلّيّة (وطنية) ودَوْلِيّة ( أُمَمِيّة)...
لم يكن ماركس مُفكِّرًا ومُنظِّرًا فحسْب بل كان مناضلاً ساهم في تأسيس المُنظّمات العُمّالية، وهو القائل ما معناه: "يحاول الفلاسفة تفسير العالم، لكن الأهم هو تَغْيِيرُهُ"، وساهم في إظْهار أهمّيّة "القوة الإجتماعية" للعُمّال عندما يخوضون، مُوَحَّدِينَ، إضرابًا ويُعطّلون عملية الإنتاج، أو عندما يثورون ضدّ سُلطة تمتلك السّلاح والإعلام كما حصل سنة 1848 أو 1871، قبل الثورة البلشفية سنة 1917، وساهم بأدوار قيادية في "الْعُصْبَة الشيوعية" و الإتحاد العالمي للشغيلة"
كتبت ماري أوجيه سنة 1842: "تجيء النُّقُود إلى الدنيا وعلى خدها لطخة دم بالولادة"، فرَدّ ماركس: "إن رأس المال يولد وهو ينزف دماً وقذارة، من جميع مسامه، من رأسه وحتى أخمص قدميه"، وكتب النقابي البريطاني "توماس جوزيف تونينغ" (Thomas Joseph Dunning 1799 –1873 ): "ان رأس المال يرعبه انعدام الربح، أو الربح الضئيل جداً... إن ربحاً مناسباً يجعل رأس المال جريئاً، و10% تدفعه لأن يعمل في أي مجال، و20% تزيد اندفاعه وتوقه، و50% تجعله طائشاً متهوراً، و100% تجعله يدوس بالاقدام كل القوانين البشرية، وعند 300% لن يتورع عن ارتكاب أية جريمة، أو خوض أية مخاطرة، حتى لو عرضت مالكه إلى حبل المشنقة، واذا كانت الضجة والمنازعات تأتيه بالربح، سوف يشجعها جميعاً، وقد قدم التهريب وتجارة العبيد البرهان على كل ذلك..."
يمتلك الرأسماليون حاليًّا أكبر قَدْرٍ من الثّرْوة الاجتماعية في أي بلد، بفضل سُلطة الدّولة التي تخدم الرّأسماليين والأثرياء، بواسطة منظومة الضّرائب والرّسوم الجمركية على السّلع المنافِسَة القادمة من بلدان أخرى، وبفضل نظام الإقراض الحكومي بفائدة ضعيفة أو بدون فائدة أحيانًا ( كما حصل سنة 2008 أو 2020 ) وبفضل استغلال ثروات وسُكّان المُستعمرات، وتستخدم الدّولة العُنف الشّديد ضدّ كل من يُحاول عرقلة تراكم ثروات وأَرْباح الرّأسمالِيِّين، ويكمن الحل في تحويل مِلْكِيّة وسائل الإنتاج من ملكية خاصة للأقلّيّة إلى ملكية جماعية للأغلبية...