لماذا فشل مشروع العلمانية في الوطن العربي ؟


عزالدين مبارك
2025 / 3 / 12 - 00:44     

لا يمكن في العالم العربي المتأسلم أن يصل فيه للسلطة الثوريون العلمانيون الإنسانيون والتقدميون والذين يحملون أفكارا خلاقة ومبدعة على المدى المنظور لعدة أسباب أهمها البيئة الداخلية المحكومة بأغلبية جاهلة ومغيبة يعيشون حاضرهم بغرائز أجسادهم وعقولهم تتحكم فيها أفكار الموتى والمقبورين وقد عشش في عقولهم الفكر الديني الغيبي القدري التواكلي بحيث شيوخ الدين والفقهاء أهم بكثير من علماء الإجتماع والفلسفة والفيزياء الذرية لدى السلطة الحاكمة وعامة الناس وفيها المساجد والكتاتيب القرآنية يفوق عددهم أضعاف مضاعفة عدد المعاهد والجامعات والمختبرات البحثية والأغلبية لم تقرأ ولو صفحة من كتاب ومدرسو الكليات العليا وطلبتها يجلسون خاشعين أمام إمام الجامع ليسمعوا منه خرافات وأساطير العصور الوسطى.ومن غرائب الصدف ومكر التاريخ أن الأراضي الخالية الصحراوية ومربع القبائل والصعاليك حيث ولد وترعرع الإسلام المبكر تدفقت ذهبا أسودا مما جعل امبراطوريات العصر تتكالب على المنطقة وقد سال لعابها على الأموال الطائلة من عائدات النفط. وللتحكم فيه اصطنعوا كيانا في قلبها كقاعدة عسكرية متقدمة على حساب شعب أصيل. فغدت المنطقة العربية بؤرة للتجاذبات والصراعات ولعبة للمصالح المتناقضة وكل من لا يراعي هذه المصالح أو يصطدم بها تحاك ضده المكائد والمؤامرات والدسائس والإنقلابات بكل أنواعها. فالبيئة الداخلية الهشة والمسكونة بالتخلف وانتشار الخرافة والبؤس والفقر حتى في دول الخليج الغنية لأن القلة الأروستقراطية الحاكمة فقط تتحكم وتستحوذ على الثروة أنتجت بيئة خارجية باحثة على الثروة الآتية من استخراج النفط مقابل الحماية من تغول دول الجوار ومن احتمال ظهور ثورات وتصدعات اجتماعية في محيط من الدول كبيرة في عدد السكان وضعيفة الموارد والمداخيل. وللتحكم في هذه الدول حتى لا يحكمها الثوار الحقيقيون والتقدميون العلمانية فأستثمرت هذه الدول المفرطة في الثروة وذات النظم الدائمة والكلاسيكية وقليلة في عدد السكان في الأفكار الدينية الرجعية حتى تتحكم في عقول الشباب والناشئة من خلال نشر الفكر الديني الطقوسي لدى العوام ومولت الجمعيات الدينية وبناء المساجد في جميع أركان الدول المعنية وتأليف الكتب الفقهية ونشرها على أوسع نظاق وهكذا تم إنتاج أجيال ومجتمعات مؤدلجة دينيا حتى النخاع تردد تراثا باليا ومرجعيتها الأساسية أفكار وتعاليم التكفيريين محمد عبد الوهاب و ابن تيمية والسيد قطب. فتكون في جل البلدان العربية التي عانت من شح الموارد وضعف في المداخيل جيش من مجانين الدين والمتطرفين تحت رحمة التفكير التكفيري والرجعي الذي سوقت له منظمات وجمعيات وأحزاب الإسلام السياسي يدفع لها بسخاء كبير بعد الطفرة النفطية. فكان هؤلاء المغيبون البائسون الفقراء والمعطلون لقمة سائغة في فم شيوخ الفقه والولائم والعلاقات مع السلطة والدول المتنفذة فحولوهم معول تهديم وتحطيم لأوطانهم ووظفوهم في حملات لغزو البلدان المارقة والمتنطعة عن طاعتهم والولاء لهم وتفتيتها من أجل جلب سلطة متحكم فيها عن بعد تخدم مصالحهم ومشاريعهم وأجنداتهم الإستراتيجية. ولهذه الأسباب فكلما قامت ثورة علمانية تقدمية في بلد عربي إلا وتم إجهاضها بقطع طريق الوصول للسلطة بإدخال المؤسسة العسكرية أو جلب الإسلام السياسي لتسلم مقاليد الحكم لأن حكومة ثورية علمانية لا تساوم في استقلالية قرارها ولا تخدم إلا مواطنيها ولا تكون تابعة للغير ولا تؤسس لدولة دينية ولا تجعل من الشريعة قوانينا لها وبذلك لا يمكن توظيفها وتدجينها لخدمة مصالحهم الضيقة مما يجعلهم يحاربون وجودها بشتى الطرق ويمولون المعارضات ويحيكون المؤامرات للقضاء عليها حتى قبل الشروع في قيامها على أرض الواقع ولا تزال مجرد فكرة في رأس أصحابها.