ثلاث أكاذيب كبرى – و حقائق هامة – عن الإفتراق بين ترامب و القائد الأوكراني فلوديمير زلنسكي


شادي الشماوي
2025 / 3 / 4 - 20:47     

جريدة " الثورة " عدد 895 ، 3 مارس 2025
www.revcom.us

يوم الجمعة الفارط ، إستضاف دونالد ترامب و نائب الرئيس ج د فانس فلوديمير زلنسكي ، رئيس أوكرانيا ، لنقاش المفاوضات حول إنهاء الحرب بين روسيا و أوكرانيا . هاجمت روسيا أوكرانيا قبل حوالي الثلاث سنوات و نتيجة لذلك قُ#تل مئات الآلاف – جنود و مدنيّين على حدّ سواء . و قد دعّم تحالف الولايات المتّحدة / الناتو الجهود العسكريّة الأوكرانيّة إلاّ أنّه لم يُرسل جنودا . و إستغلّ أوكرانيا لخوض حرب بالوكالة ضد منافسه الإمبريالي الروسي . و جاء ترامب مصمّما على إنهاء الحرب و كان يعمل على تغيير العلاقات مع روسيا .
في مفاوضات البيت الأبيض ، وافق زلينسكى على السماح للولايات المتّحدة بقسم كبير من الموارد المنجميّة القيّمة في أوكرانيا – بما فيها معادن أرضيّة نادرة أساسيّة للرقاقات و تكنولوجيا عصريّة أخرى . و قد إرتئي ذلك كتعويض للولايات المتّحدة عن مساعداتها لأوكرانيا أثناء إدارة بايدن . لكن زلينسكي حاجج بأنّ المضيّ قدما في مفاوضات إيقاف إطلاق النار سيتطلّب " ضمانا امنيّا " من الولايات المتّحدة في حال هجوم روسيّ مستقبليّ – أي ، في الأدنى ، مساعدة عسكريّة من الولايات المتّحدة . و رفض ترامب الإلتزام بذلك ...
عند نهاية المفاوضات ، جلب ترامب زلينسكى إلى جلسة مع الهيئة الصحفيّة للبيت الأبيض . و خلال الجلسة ، شدّد زلينسكى بصفة متكرّرة على تأكيده على الضمانات الأمنيّة و حذّر بإستمرار من أنّ بوتن لا يمكن الثقة به . ( طبعا زلينسكى لم يتحدّث عن كون الولايات المتّحدة قد داست ضمانات قدّمتها لروسيا بأنّ الولايات المتّحدة لن تتدخّل في الشؤون الأوكرانيّة و أنّ الولايات المتّحدة لن تفكّر في القبول بالبلدان الشرقيّة القريبة من روسيا ضمن التحالف العسكري ، الناتو ، بقيادة الولايات المتّحدة – وعود معا جرى دوسها بشكل متكرّر ). و مع نهاية الندوة الصحفيّة ، تدخّل فانس و وبّخ زلينسكى على أنّه إقترف قلّة إحترام و لعدم فهمه للوضع السيّء لأوكرانيا في الحرب ، و لعدم شكره شكرا كافيا الولايات المتّحدة . و تاليا تدخّل ترامب ليوبّخ بدوره زلينسكى و يقلّل من شأنه . لقد قال لزلينسكي إنّه ليس في ومقع فرض شروطه ؛ و إنّه دون الولايات المتّحدة ، ليست لأوكرانيا " أيّ أوراق " ؛ و إنّ بوتن سيحترم أيّ إتّفاق يقيمه مع ترامب – لكن طالما أنّ زلينسكي لم يغيّر موقفه إلى موقف عرفان بالجميل ، لن تمضي الأشياء إلى أيّ مكان . بإختصار : إقبل الصفقة أو إبق في الحرب لوحدك .
حلفاء الولايات المتّحدة من الناتو في أوروبا ، إلى جانب سياسيّين و معلّقين ليبراليّين داخل الولايات المتّحدة ، كان ردّهم الصدمة و الغضب على التسليح القويّ المفتوح لزلينسكي . غداة هذا ، وُجد الكثير من التضليل – التغطية و " التلفيق " – على الواقع من قبل سياسيّين و معلّقين إمبرياليّين ( و إصلاحيّين ) . و هذا وضع فيه رهانات عالية وهو معقّد ، و الأشياء فيه تتغيّر راديكاليّا ، تقريبا يوميّا . و من الحيويّ مقاربة هذا بمنهج علميّ يسمح لنا بالتعمّق لبلوغ الحقيقة تحت السطح . و هذا يقتضى كنس الأكاذيب و التوصّل إلى الديناميكيّات الحيّة الكامنة المحدّدة للإطار و المصالح الماديّة الواقعيّة وراء المواقف و الكلمات لدي مختلف القوى المتنازعة .
1- الكذبة : أنّ ترامب كان يقاتل من أجل السلم و يعمل للحيلولة دون حرب نوويّة في حين أنّ زلينسكي الناكر للجميل كان بلا هوادة لا يحترمه و يحاول تخريب هذه الفرص .
الحقيقة : رغم إستعراضه ، دونالد ترامب لم يكن يناضل من أجل السلم و حتّى أقلّ لم يكن رئيسيّا يحاول منع حدوث حرب عالميّة ثالثة .
غداة غزو روسيا ، تدخّل حلف الولايات المتّحدة / الناتو إلى جانب أوكرانسا بكمّيات هائلة من المساعدات العسكريّة و المساعدات المخابراتيّة و النصائح العسكريّة ، و كذلك خوض حرب إقتصاديّة شديدة ضد روسيا . و هكذا تحالف الولايات المتّحدة / الناتو حوّل ذلك النزاع الدمويّ إلى حرب بين القوى الإمبرياليّة بالوكالة بينه و بين روسيا . و قد فاقم هذا بقدر كبير خطر إندلاع الحرب النوويّة التي يمكن أن تقضي على الحضارة الإنسانيّة .
و لطالما عاضر ترامب هذه الحرب بإعتبارها إنحراف عن المصالح الإمبرياليّة الأكثر جوهريّة – خاصة النزاع مع الصين، القوّة الإمبرياليّة الصاعدة التي تتحدّى بشكل متنامي هيمنة الولايات المتّحدة . لكن مثلما رأينا دراماتيكيّا يوم الجمعة الفارط، هذه الحرب يجب بعدُ أن توضع لها نهاية . و إلى ذلك ، أي " نهاية " لن و ليس بوسعها أن تتحدّث عن جذور أسباب الحرب. و تكمن هذه الأسباب في النظام الرأسمالي – الإمبريالي و الطريقة التي يدفع بها منطق " التوسّع أو الموت " هذا النظام القوى الإمبرياليّة إلى القتال لتوسيع المجالات التي يهيمن عليها ... حتما على حساب إمبرياليّين آخرين .
و في الوقت نفسه ، تبعات صدام الجمعة بين زلينسكي و ترامب – فانس شدّدت أكثر نزاعا محتدما بعدُ بين الولايات المتّحدة و ما كان ل80 سنة ماضية أقرب حلفائها ، أمم أوروبا الغربيّة ( ألمانيا و فرنسا و بريطانيا و غيرها ) . طوال تلك العقود، هذه الأمم ربطت نفسها و دعّمت سياسات الولايات المتّحدة رئيسيّا سعيا بصورة أفضل وراء مصالحها الإمبرياليّة الخاصة في ظلّ مظلّة الناتو . و الآن ، كلّ هذا يوضع موضع سؤال و المحاججة العلنيّة مع زلينسكي كانت جزءا من ذلك .
في الأسبوع الماضي ، قدّمنا تقريرا عن الطرق التي دعّم بها ج د فانس و آلون ماسك الحزب النازي " الجديد " في ألمانيا؛ و تجدر بنا الإشارة إلى أنّ ترامب تحدّث في ندوة العمل السياسي " المحافظة " (1) التي كانت تزخر بالأحزاب السياسيّة الفاشيّة الأوروبيّة و فيها قدّم ستيف بانون تحيّته النازيّة .
في بدايات الأسبوع الفارط ، فريديريش مارز ، المستشار المنتخب حديثا في ألمانيا - أقوى بلد أوروبي – قال إنّ أولويّته الآن هي " تعزيز أوروبا في أقرب وقت ممكن كي نبلغ الإستقلال عن الولايات المتّحدة ، خطوة ، خطوة . " و مضى مارز ليقول إنّ " تدخّلات واشنطن [ في الانتخابات الألمانيّة ] لم تكن أقل صرامة و دراماتيكيّة و في النهاية لم تكن أقلّ وقاحة ، من التدخّلات التي رأيناها من موسكو ". و تحدّث فريد زكريّا مثل معلّقين ليبراليّين آخرين قائلا إنّه يصف كلّ هذه النزعة بالتحوّل " الزلزاليّ " . و الحدث الذى جرى مع زلينسكي شدّد من ذلك .
ليس هناك من " أناس جيّدين "في أيّ من هذا ، و لا " قوّة جيّدة "يتمّ الوقوف معها . إنّها قوى رأسماليّة - إمبرياليّة يحرّكها منطق " التوسّع أو الموت " – و يقوم الكلّ بهذا على حساب تحطيم أجساد و أرواح مليارات البشر و بيئة الكوكب بأكمله . و هذا المنطق يقودهم إلى الحرب – حرب ضد الجماهير عندما تنهض ، و حرب ضد بعضها البعض من أجل من سيهيمن.
و إليكم سخرية الأقدار : ضمن تشويهاته و أكاذيبه العديدة ، تكلّم ترامب مصرّحا بحقيقة عميقة – النزاع في أوكرانيا حمل و لا يزال يحمل إمكانيّة التصعيد إلى حرب عالميّة ثالثة . إلاّ أنّ هدف ترامب في دفع هذه المفاوضات ليس تحرّكه رغبة في السلم و إنّما توافق تكون فيه الولايات المتّحدة في وضع أقوى للنزاع مع منافسها الرئيسي ، الصين . و من غير الممكن في هذه اللحظة قول إلى أين ستسير الأمور .
2- الكذبة : أن ترامب وضع في خطر أحد " أكبر المكاسب التاريخيّة " ، ( ما يسمّى ب ) " النظام العالمي القائم على القوانين " ، الذى شكّلته و تراّسته الولايات المتّحدة .
و الحقيقة : الهيمنة الرأسماليّة – الإمبرياليّة للولايات المتّحدة على العالم طوال الثمانين سنة الفارطة تميّزت بالجوع و الرعب و الإضطهاد العنيف بلا هوادة على نطاق هائل – و غير ضروري كلّيا .
بالرغم من التعليق المستمرّ و بصراحة ، التعليق الأعمى أخلاقيّا لتقريبا كلّ صاحب رأي و سياسي ليبرالي ، هذا لا يميّز نهاية نظام عالمي " تقوده " الولايات المتّحدة " في خدمة الحرّية و الديمقراطيّة " . لقد كانت الثمانين سنة الأخيرة عصر الهيمنة العالميّة للولايات المتّحدة خدمة لتوسيع إمبراطوريّتها الإستغلاليّة ، و رفع تحدّيات الحفاظ على قبضتها على هذه الهيمنة . خرجت الولايات المتّحدة من الحرب العالميّة الثانية في القمّة ، و مذّاك شهد العالم أكثر من 500 مليون طفل يموتون جوعا أو من أمراض يمكن معالجتها . و كان المليارات و لا زالوا ينشؤون كلّ يوم في إستغلال لا رحمة فيه لخلق ثروة كبيرة للرأسماليّن – الإمبرياليّين ، بمن فيهم 150 مليون طفل يعملون في المناجم و المزارع و المعامل الهشّة عبر العالم . و قد مات تقريبا 10 ملايين إنسان بفعل الحروب المباشرة للولايات المتّحدة و التدخّلات العسكريّة الموجّهة من الولايات المتّحدة في عدّة بلدان منذ نهاية تلك الحرب . و " القوانين " التي يرفعها هذا النظام هي في خدمة فرض هذا .(2)
كلّ هذا كثّفه بوب أفاكيان في رسالته بمناسبة السنة الجديدة 2025 ، " 2025 : سنة جديدة – تحدّيات عميقة جديدة – و طريقة إيجابيّة بعمق للتقدّم في وجه فظائع واقعيّة جدّا "، و بوسعكم قراءته و الإستماع إليه على موقع revcom.us .
3 – الكذبة 3 : فلودمير زلينسكي يمثّل الطبقة الحاكمة لقوّة رأسماليّة أصغر ، يصارع من أجل أفضل صفقة لبلده ضمن، و كجزء من ،الكتلة الرأسمالية – الإمبرياليّة للولايات المتّحدة .
ما قام به ترامب مع متملّقه الحقير فانس لزلينسكى كان عرضا مقزّزا للإرهاب . يمكن كتابة المجلّدات حول ما كشفه هذا عن طبيعة و أخلاق هؤلاء الفاشيّين .
و الواقع هو أنّ بوتن جزّار إرتكب جرائم حرب شنيعة ضد الشعب الأوكراني – مرّة أخرى ، خدمة للمصالح الإمبرياليّة . لكن هذه الجرائم لم تكن بالتأكيد أكبر من الفظائع التي إقترفتها إسرائيل بتمويل من الولايات المتّحدة ضد السكّان غزّة – كذلك في خدمة الهيمنة الرأسماليّة – الإمبرياليّة . و هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يتطلّب حاجيات وحشيّة و يحوّل إلى وحوش أولئك الذين يصدرون هذه الأوامر و ينفّذونها . لقد جرى إستخدام الأوكرانيّين إستخداما سيّئا و منافقا في كلّ هذا و قد عانوا معاناة كبيرة . لكنّهم لم يذرفوا دموعا على زلينسكي – لقد إختار موقعه بالوقوف لبعض الوقت مع أخبث إمبراطوريّة في التاريخ ، الولايات المتّحدة . و من المفترض أنّه قام بذلك آملا في التقدّم بما رأى أنّه مصالح بلده في الحصول على بقايا غنائم الإمبراطوريّة المجرمة . لم يكن قتاله ليقلب طاولة المآدب الإمبرياليّة ، و إنّما للحصول على مقعد أكثر أمانا بها . و الآن ، شأنه شأن الكثيرين قبله ، يكتشف أنّه عندما يحتدم الصراع ، ذات منطق النظام الذى يخدمه هو يجده و الناس الذين يقودهم " يمكن التضحية بهم " إلى درجة كبيرة .
ما جدّ في الأسبوعين الأخيرين ليس لا تحرّك جريء من ترامب يهدف إلى التخفيف من تهديد حرب إمبرياليّة و ليس كذلك حال ما يُفترض أنّه مكسب كبير ( تحالف الولايات المتّحدة / الناتو ) الآن يتهدّده خطر التخلّى عنه تراجيديّا . و قد بيّن هذان الأسبوعان ، بدلا من ذلك ، أنّ النظام الإمبريالي عامة يسرّع من نسقه نحو وضع متنامي عدم الاستقرار و الخطورة بالنسبة إلى الإنسانيّة – وضع لا يمكن التعاطى معه ضمن إطار هذا النظام .
هوامش المقال :
1 تسمية هذه الندوة ب " المحافظة " لا يمكن إلاّ أن يذكّرنا بهذه الملاحظة من بوب أفاكيان قبل حوالي 20 سنة من الآن : " مثلما قلت في عدد من المناسبات : هؤلاء الرجعيّين لا يتعيّن أن يسمح لهم حتّى بإستعمال " محافظة " لوصف أنفسهم . يجب أن نقول ، " محافظين ، أبدا – هؤلاء أناس نازيّون " . ( " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " 1:26 ؛ باللغة العربيّة ، مكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ) .
2- من أجل المزيد ، أنظروا موقع revcom.us :
The Republican Party Is Fascist.
The Democratic Party Is Also a Machine of Massive War Crimes and Crimes Against Humanity.
This System CANNOT Be Reformed—It MUST Be Overthrown!
Republicans, Democrats and U.S. Crimes Against Humanity: A Chart