تزايد المشاكل التي تواجه جورجيا ميلوني


حازم كويي
2025 / 3 / 3 - 12:35     


لطالما لقيت سياسة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي تركز على دمج شمال أفريقيا اقتصادياً وسياسياً، استحسان قاعدتها الشعبية. ومع ذلك، فإن سلسلة من الفضائح والتباطؤ الاقتصادي قد يغيران هذا الواقع الآن.
بداية صاخبة لعام 2025
بدأ العام بضجة كبيرة: سياسة هجرة عنصرية بحتة، اضطرابات اقتصادية، هجمات حكومية على القضاء، وقمع للنشطاء السياسيين. لا نتحدث هنا عن أمريكا بقيادة دونالد ترامب، بل عن إيطاليا تحت حكم جورجيا ميلوني.
بعد أكثر من عامين في السلطة، تُعد حكومة ميلوني اليمينية المُتطرفة أطول حكومة بقاءاً في إيطاليا خلال العقد الماضي. وعلى الرغم من صدمة اليسار، بدى أنها بالفعل الزعيمة القوية التي انتظرتها القوى اليمينية الرجعية. الاقتصاد مستقر، ويرجع الفضل في ذلك إلى حدٍ كبير إلى المساعدات الأوروبية بعد الجائحة. كما نجحت ميلوني في إعادة ترويج سياساتها المُتشددة ضد الهجرة وبيعها للمؤسسات الأوروبية كنهج "عقلاني"، في ظل بحث أوروبا المحموم عن الاستقرار.
"خطة ماتيي" والمقامرة الجيوسياسية
تعتمد أستراتيجية ميلوني الأساسية على ما يُعرف بـ"خطة ماتيي"، وهي مناورة جيوسياسية تهدف إلى تأمين مصادر طاقة جديدة في الدول الإفريقية، وإثراء رأس المال الإيطالي، وإغلاق طرق الهجرة. وسط تقلبات أسعار الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، بدت الخطة كاستراتيجية مثالية في الوقت المناسب. خلافاً لسلوك قادة اليمين السابقين، الذين تسببوا في تدهور سمعة إيطاليا على الساحة العالمية، مثل ماتيو سالفيني، الذي لجأ إلى أساليب التهديد والوعيد، وفضّلت ميلوني لعب دور الشريك المُتزن للمؤسسات الدولية.
حافظت على علاقات جيدة مع المحافظين الأوروبيين، وأقامت صلات دبلوماسية قوية مع زعماء الدول الإفريقية. ورغم أن الخطة تحمل اسم إنريكو ماتيي، الذي كان رجل أعمال في مجال النفط وسعى لعقد شراكات مع الدول الإفريقية المستقلة حديثاً في الستينيات، إلا أن أستراتيجية ميلوني تبدو أقرب إلى الصفقات المشبوهة التي ميّزت عهدي بيتينو كراكسي وسيلفيو برلسكوني، حيث كان الفساد هو العنوان الأبرز.
فضيحة الطائرة الخاصة لأحد مجرمي الحرب
رغم أن ليبيا لم تكن جزءاً صريحاً من خطة ماتيي، إلا أن علاقتها مع إيطاليا باتت نقطة محورية. فمنذ سقوط القذافي في 2011، دعمت الحكومات الإيطالية المتعاقبة حكومة الوحدة الوطنية الليبية، ورأت فيها شريكاص أمنياً مهماً.
إلا أن هذه العلاقة أصبحت محل جدل كبير بعد أن تورطت الحكومة الإيطالية في قضية مرتبطة بأسامة المصري، أحد قادة ميليشيا "قوات الردع الخاصة" في ليبيا، والذي يُتهم بجرائم حرب وتعذيب وإتجار بالبشر.

في 6 يناير 2025، سافر المصري من طرابلس إلى لندن عبر ألمانيا وبروكسل، ثم وصل إلى تورينو لحضور مباراة كرة قدم. وبعد تفتيش روتيني على الحدود، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه في 18 يناير بتُهم تشمل القتل والعبودية وجرائم ضد الإنسانية.
ألقت الشرطة الإيطالية القبض عليه في اليوم التالي، لكن لم يدم ذلك طويلاً. فبعد ثلاثة أيام فقط، أُطلق سراحه بحجة وجود خطأ إجرائي، حيث زُعم أن الإنتربول لم يُخطر وزارة العدل الإيطالية رسمياً. ولم يقتصر الأمر على الإفراج عنه، بل قامت الحكومة الإيطالية بترتيب رحلة خاصة له على متن طائرة تابعة للمخابرات، ليعود إلى طرابلس حيث استُقبل إستقبال الأبطال.
أثار الحادث غضباً واسعاً، حيث أتهم الناجون من مراكز الاحتجاز الليبية حكومة ميلوني بالتواطؤ في تهريب مجرم حرب. كما انتقدت المحكمة الجنائية الدولية تصرفات الحكومة الإيطالية، وفتحت تحقيقاً قد يؤدي إلى عواقب قانونية لميلوني وإدارتها.
التجسس والقمع السياسي
لم تكن هذه الفضيحة الوحيدة التي طالت حكومة ميلوني. وتزامناً مع قضية المصري، كشفت تقارير أن العشرات من الصحفيين والنشطاء تعرضوا للتجسس باستخدام برنامج تجسس متطور طورته شركة "باراغون" الإسرائيلية-الأمريكية.
كان من بين المُستهدفين حسام الغماتي، الناشط الليبي المقيم في السويد، الذي ينتقد الدور الإيطالي في ليبيا. كما تم التجسس على الصحفي فرانشيسكو كانشيلاتو، رئيس تحرير موقع "Fanpage.it"، الذي كشف العام الماضي عن تورط شبان من حزب ميلوني في أنشطة فاشية. كذلك تعرض ناشطون في منظمة "ميديترانيا" الإنسانية للمراقبة، وهي المنظمة التي وثقت الانتهاكات ضد المهاجرين في ليبيا.
وعندما كُشف الأمر، أنكرت أجهزة الاستخبارات الإيطالية تورطها، لكنها أعترفت باستخدام البرنامج التجسسي. وفي خطوة تصعيدية، زعم أحد قادة حزب ميلوني أن الاتفاق مع "باراغون" لا يزال سارياً، وهدد بمقاضاة كل من يروج لغير ذلك، في محاولة واضحة لترهيب الصحفيين.
التحديات الاقتصادية وتهديد الاستقرار السياسي
تأتي هذه الأزمات في وقت يشهد فيه الاقتصاد الإيطالي تباطؤاً ملحوظاً. فبعد فترة نمو قصيرة، تراجع معدل النمو إلى 0.5% بحلول نهاية عام 2024، مع توقعات ضعيفة لعام 2025 (0.9%). وبالرغم من تحسن معدلات التوظيف وارتفاع متوسط الدخل، فإن ذلك لم يكن كافياً لتعويض تأثير التضخم، حيث إنخفضت الأجور الحقيقية بنسبة 5% منذ وصول ميلوني إلى السلطة.
كذلك، لم تحقق أموال الإنعاش الأوروبية التأثير المرجو في تعزيز الاستهلاك والاستثمار الداخلي. ومع إرتفاع أسعار الطاقة بدلاً من انخفاضها، أزداد الضغط على قطاع الصناعة، خاصةً في مجال السيارات.

ميلوني بين أوروبا وترامب
في ظل هذه الأزمات، تحاول ميلوني الحفاظ على توازن دقيق بين أوروبا واليمين الشعبوي بقيادة ترامب. فقدمت نفسها كوسيط بين التيارات المحافظة الأوروبية والجناح الراديكالي لليمين الأمريكي. ولكن إذا دخلت أوروبا في حرب تجارية مع الولايات المتحدة، فإن خيارات ميلوني ستكون محدودة للغاية.
في النهاية، إذا لم تستطع حكومة ميلوني تحقيق نمو أقتصادي ملموس، فقد تتفاقم الخلافات داخل معسكرها، مما قد يهدد بقاءها السياسي. فبين فضائح دعم مجرمي الحرب والتجسس على الصحفيين والتباطؤ الاقتصادي، قد تجد ميلوني نفسها أمام إختبار حقيقي لمدى قدرتها على الصمود في وجه العاصفة.