ترمب يرى غزة عقارا للاستثمار وليس ضحية إبادة جماعية
سعيد مضيه
2025 / 2 / 22 - 09:30
"ترامب لا يقرأ كثيرا. ربما لم يسمع قط عن جابوتنسكي أو عن ثيودور هرتزل. ربما لا يستطيع تعريف الصهيونية؛ لكنه يعرف الفرصة العقارية عندما يراها، وهذه هي الطريقة التي فهم بها الحل للمشاكل التي تواجه إسرائيل"، كتب فيجاي براشد، المناضل الأممي الهندي، رئيس منظمة القارات الثلاث للأبحاث. أحدث كتبه بالاشتراك مع نعوم تشومسكي: "الانسحاب: العراق وليبيا وأفغانستان وهشاشة القوة الأمريكية" (دار نيو بريس، أغسطس/آب 2022). جاء في مقالته المنشورة في 18 شباط الجاري بعنوان "فندق وبرج ترامب الدوليين":
تحدث دونالد ترامب إلى الصحفيين لأكثر من ثلاث ساعات على متن طائرة الرئاسة في 9 فبراير 2025، أثناء السفر لمشاهدة مباراة السوبر بول في نيو أورليانز. ولم يكن من الواضح للصحفيين الذين بثوا تعليقاته ما إذا كان ترامب يتحدث بصفته رئيسًا للولايات المتحدة، أو عضوًا في الأمم المتحدة، أو قطبًا عقاريًا. وقال إن غزة "موقع هدم" يحتاج إلى "تسوية" و"إصلاح". وقال ترامب إنه بما أن غزة تقع على البحر الأبيض المتوسط، فيمكن تطويرها إلى ريفييرا فرنسية جديدة. ووفقًا له، فهي ليست مسرح جريمة إبادة جماعية، ولكنها "موقع عقاري كبير". وقال بابتسامة رئاسية على وجهه، إن الولايات المتحدة "سوف نستولي على قطاع غزة، وسنقوم بعمل جيد مع القطاع كذلك ".
الفلسطينيون من غزة الذين استمعوا إلى هذه التعليقات تخيلوا أن الولايات المتحدة ستمول إعادة إعمار غزة، والتي قدرت الأمم المتحدة كلفتها ــ على الأقل ــ ب 53 مليار دولار (كانت التكلفة بعد سحق غزة عام 2014 على يد إسرائيل 2.4 مليار دولار). وفي عام 2023، بلغ إجمالي مساعدات التنمية الخارجية الأميركية 66 مليار دولار. ومع التخفيضات التي أعلنها الرئيس ترامب، فمن غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من جمع أي شيء قريب من فاتورة إعادة إعمار غزة. لم يكن هناك أي شيء إنساني في تعليقات ترامب حول إنشاء ريفييرا غزة (أو بما أن هذا يبدو وكأنه هدية لإسرائيل، فمن المرجح أن يتخيل ترامب أنها ريفييرا عزة، مستخدما الاسم الصهيوني لغزة، والذي يعني "المدينة القوية"). أعلنت المؤسسة الإسرائيلية منذ بداية حملة الإبادة الجماعية أنها تريد ضم غزة، وهو ما يبدو متوافقا مع رؤية ترامب لجعل غزة أميركية أو تطوير غزة كمنتجع ساحلي للسياح الأميركيين والمستوطنين الإسرائيليين. وبمعرفته لترامب، فمن المرجح أن يرغب في حجز جزء من الواجهة البحرية لنفسه وبناء فندق وبرج ترامب الدولي الذي يحتوي على كازينو ملحق به.
تطوير عقاري صهيوني
لا شيء من هذا مفاجئ ولا هذه الأفكار أصلية لترامب؛ فالمشروع الصهيوني بأكمله يتخيل أرض إسرائيل تمتد من حدود مصر إلى حدود إيران. صك الملكية العقاري لهذا مسطر في الكتاب المقدس، "لذريتك أعطيت هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، الفرات" (سفر التكوين 15:18). ليس من الواضح أي نهر في مصر يشير إليه هذا السطر، سواء كان نهر النيل أو وادي العريش (في شبه جزيرة سيناء). ولكن إذا تم اعتبار الفرات حدوداً لها، فإن الأرض التي يدعيها الصهاينة تشمل الضفة الغربية والقدس بالكامل، ولبنان وسوريا والنصف الغربي للعراق. توجد خرائط من هذا النوع يمكن رؤيتها في مكاتب السياسيين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين (في 19 مارس/آذار، تحدث وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في باريس من على منصة عرضت خريطة إسرائيلية شملت الأردن). وهذا أمر طبيعي تماما في عالم المستوطنات غير القانونية بالضفة الغربية (جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة بقرار من الأمم المتحدة)، والتي يطلق عليها المستوطنون اسم يهودا والسامرة. اختلفت جغرافيتهم، على أقل تقدير، منذ ان كتب مرشدهم الروحي زئيف جابوتنسكي في كتابه "الجدار الحديدي" (1923) أن الصهاينة يجب أن يشيدوا أرض إسرائيل خلف "جدار حديدي يستعصي على أي ضغط عربي تمارسه قوة عتية في فلسطين".
ترامب لا يقرأ كثيرا. ربما لم يسمع قط عن جابوتنسكي أو عن ثيودور هرتزل. ربما لا يستطيع تعريف الصهيونية؛ لكنه يعرف الفرصة العقارية عندما يراها، وهذه هي الطريقة التي فهم بها الحل للمشاكل التي تواجه إسرائيل. في ولايته الأولى، طرح ترامب "صفقة القرن" واتفاقيات إبراهيم، التي جلبت سلسلة من الدول لتطبيع العلاقات مع إسرائيل: البحرين ودولة الإمارات العربية (أيلول / سبتمبر 2020) السودان (اكتوبر / تشرين اول) 2020والمغرب (ديسمبر 2020)؛ وأبرمت مصر (ايلول / سبتمبر 1979) والأردن (1994) صفقتي سلام مع إسرائيل، بدأت الخارطة تنتقل من ايدي الفلسطينيين باتجاه الإسرائيليين. ليست حكومتا لبنان وسوريا بعيدتين من عقد كل منهما اتفاقية مستقلة؛ اما السعودية فقالت انها سوف تطبع العلاقات مع تل ابيب.
لا يفهم بالقانون الدولي
ترامب سياسي بازاري (سوقي)؛ سياسي يقذف اتفاقا غريبا بالهواء (للمغرب، قبول احتلالها غير الشرعي للصحراء الغربية) باستخفاف تام للقانون الدولي؛ والآن يقوم بنفس الشيء مع غزة. "أعتقد أن السماح للناس - الفلسطينيين، أو الناس الذين يعيشون في غزة - بالعودة مرة أخرى هو خطأ كبير"، قال ترامب على متن الطائرة الرئاسية. "نحن لا نريد عودة حماس"، قال ترامب. "الولايات المتحدة ستتحمل ذلك". لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى وقع جميع المقررين الخاصين بالأمم المتحدة على رسالة قوية تدين تعليقات ترامب. قدموا الحجة الصحيحة بأن فكرته، إذا تم تنفيذها، هي جريمة حرب. ترامب لا يفهم بالقانون الدولي؛ يفكر مثل مطوري العقارات. هذا ما كان يفعله في أرجاء الولايات المتحدة: إخلاء الناس العاديين وتشييد المباني البشعة نٌصُبا للقلة ذوي الثروات الخرافية. ترامب، شأن المستوطنين غير الشرعيين، يقوم بتطوير العقارات للصهاينة.
صمت
مروان البردويل مهندس في سلطة المياه الفلسطينية. في مؤتمر صحفي لم يحظ باهتمام كبير في رام الله، فلسطين، قال البردويل إن 85٪ من مرافق المياه والصرف الصحي في قطاع غزة دمرتها الإبادة الجماعية الإسرائيلية. سيكلف إصلاح واستبدال مرافق المياه والصرف الصحي في غزة مليار دولار. شلل الأطفال، الذي تم القضاء عليه في غزة قبل ربع قرن، عاد بسبب تدمير نظام المياه.
يتطور النقاش حول غزة، ويفرض الصمت على الشعب الفلسطيني؛ يعود الأمر إليهم إن هم يريدون فندق وبرج ترامب الدولي، ولا يعود لترامب ونتنياهو. لكن الفلسطينيين لا يطالبون ببرج ذهبي. ما يريدونه هو منازلهم، وجامعاتهم. ومستشفياتهم. وصور أفراد أسرهم الذين يستلقون تحت التراب.