متوازنة قوانين الوجود والحياة بين مفهومي العبثية والضرورة ( 3 ) الأخيرة


أمين أحمد ثابت
2025 / 2 / 10 - 15:22     

( أصل الحياة منتج قيمي بفعل الضرورة عن وجود قيمي لجوهر وجود الكون
، أو أصل الحياة عبث منتج عن وجود عبثي مسبق للكون ) .

إذا ، من أين جاء الاعتقاد التصوري بعبثية وجود كل من الكون والحياة ؟ .
ويظهر الأمر ببساطة في منطق وجود الأشياء ظاهريا ، فالكون في كثرة حدوث التصادمات بين الاجرام السماوية وانتهاء نجوم وكواكب وميلاد غيرها وظاهرة الثقوب السوداء الخارجة عن قوانين توازن الوجود حيث توجد لتبتلع كل ما يقع في قوة جذبها المركزي ، حتى لكواكب او أقمار او مكونات نجم اكبر من حجمها بمرات عدة . وهذا ما أوصل الاعتقاد بأن الكون وجوده عبثيا ، فلا تحكمه قوانين التوازن للوجود والاستمرار بل يحكمه منطق العبث في فوضى الوجود القائم على التصادمات بين الاجرام السماوية والانفجارات ، وتخضع الحياة اصلها لذات الافتراض السابق ولكن بخصوصية موضوعة الحياة فصدفيا تخلقت المادة الحية من مادة الطبيعة غير الحية وكذلك تخلقات أنواع المادة الحية – أي الكائنات الحية ، ووجود الطبيعة في منتج ضديها المادي الحي وغير الحي في كامل أنواع صورهما ، ووجود مضاه متقابل بين ذات أنواع صور المادة – الحية وغير الحية – القائم على قاعدة نفي الآخر تنافسا في البقاء . وعليه هنا فإن منطق الوجود لأصل الحياة مبني على العبث لكونه يقوم على نفي صور المادة لبعضها البعض ، ويبنى وجود كل نوع من صور جوهري مادة الكوكب الحي وغير الحي . . يبنى على زمنية عمرية محدودة للوجود ثم بعدها الفناء – هذا إذا لم يتم الفناء بزمنية لحظية قصيرة عبر ضد مادي لنوع آخر من المادة – وهنا يظهر الاعتقاد بعبثية اصل الحياة لوجودها الزمني المحدود في كل الأنواع الموسومة بالفناء .

ومن خلال معرض ما تقدم ، فهل يعد الفهم السابق أعلاه هو أصل حقيقة الكون والحياة من حيث وجودهما أم أنه ليس اكثر من ترائي تصوري اعتقادي توهمي منخدع بظاهر وجود الأشياء وحركيتها وعلائقها ببعضها البعض ، حيث الوجود الكوني والحياتي معلمان وجودهما في ظل قوانين توازن يبنى عليها ذلك الوجود واستمراره .
ولنعطي بعض الأجوبة المختصرة عن ذلك الطرح الأخير :
1 – ضمن قوانين حقائق الفيزياء أن الحركة العبثية – بين مواد مختلفة أو بين مكونات المادة الواحدة ذاتها – تحتوي أولا على أنماط من الحركة بما فيها الحركة المنتظمة ( غير العبثية ) ، أما ثانيا فإن الحركة العبثية بكونها تبنى على أنماط متعددة من أنواع الحركة ، فإن هذا التنميط الوجودي هو تعبير عن انتظام توازني القانونية .

2 – والتعبير الاخر عن السابق (1) ، يمكن القول بأن الحركة العبثية بكونها معلمة باحتوائها على اشكال الحركة المتعددة كأنماط ، يقود بالتالي الى استخلاص منطقي مفاده :
( أن العبث معبر بذاته من خلال توازنيه نظامية بين متعددة القانونيات الحاكمة لتلك الأنماط المتعددة من الحركة )
3 – بقدر ما كان الوجود القبلي الأزلي للكون يحمل ضمنيا صفة اللاقيمة ، وذلك حتى وإن كان ويظل يحمل الكون سمة توازنيه القوانين الحاكمة لذلك الوجود ، وحتى أصل منتجاته عبر التاريخ الطبيعي الطويل – أكان بفعل الصدفة أم الضرورة – إلا أن متغير التفاعلات الكيميائية بين المواد انتجت متغيرات فيزيائية طاقية – منها الكهربائية والحرارية - وعضوية مغايرة ، والتي قادت الى نشوء متحولات نوعية مغايرة لصور المادة الحية كأنواع ، وكانت آخر صور تطورها العضوي نوع الانسان البشري ، الذي علمت مادة تطوره المعقد تركيبا ونشاطا وبنية للدماغ بمتوسمه ب ( الغائية والنشاط الهادف التخطيطي ) ، وبتعلم ظهور الغائية عند الانسان كتخطيطية مستقبلية للسلوك المترجم عبر توجيه دماغي مركزي موسوم بالتفكير الحر المستقل ، القابل لتعديل أوامره بناء على متراكم الخبرات المعرفية والمعارف القبلية المنتجة بمعرفات تدعى ب ( المفاهيم ) – هنا نشأ تعبير تصوري جديد للوجود الكوني القديم الذي كان يعد وجوده عبثا في ذاته ليكون وجوده قائما لفعل ضرورة وليس عبثا ، كون أن آخر صور منتجات اصل وجوده المعلم بأصل الحياة في نوعية الانسان الموسوم بالغائية ، والتي طبعت أصل الحياة بالقيمة عند نوع الانسان وفاضت لتحتوي كل طبيعة الكوكب بمحتوياتها من المادة الحية وغير الحياة . . وحتى طبيعة الكون في محتواه خارج حدود كوكب الأرض – ليخلص التصور بقول مثل هروبا لكل من اللاهوتيين والوثنيين والعلمانيين : أنه كانت توجد ضرورة قيمة لنشوء وظهور الكون والحياة وإلا لما وجدا بالأصــــــــل .