العالم بانتظار التحولات والتطلع للتغيير


فالح الحمراني
2025 / 1 / 11 - 18:13     



إذا حاولنا أن نلخص جميع الأحداث والاتجاهات والميول المتنوعة والمتناقضة التي شهدها العام الماضي ‏في عبارة واحدة، يمكننا القول بكل تأكيد أن العالم يتطلع في العام الجديد إلى التغيير، بيد أن القليل من ‏الناس لديهم أي فكرة عما يجب أن تتكون منه هذه التغييرات بالضبط، وما يمكن أن تفضي إليه في نهاية ‏المطاف، ولكن من الواضح أن فكرة الحفاظ على الوضع الراهن في العام المنتهي لا يمكن أن تحظى ‏بتعاطف شعبي واسع.‏
ولم يكن عام 2024 استثناءً بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط التي تمر بمرحلة عدم استقرار غير مسبوقة. ‏فمن ناحية استمر الاتجاه نحو التصعيد، ومن ناحية أخرى، اتخذت العديد من الأحداث المأساوية في المنطقة ‏منحى جديدا. وكانت التغييرات سريعة جدًا لدرجة أن بعضها لم يكن متوقعًا على الإطلاق بالنسبة للمراقبين ‏الأجانب‎.‎‏ ويجمع اغلبيه المراقبين على إن ديناميكيات التطورات اللاحقة في المنطقة ستعتمد على آفاق حل ‏النزاع العربي - الإسرائيلي، فضلاً عن التطورات في سوريا. وغني عن القول إن كلتا الحالتين مرتبطتان ‏إلى حد ما‎.‎‏ وفي الوقت نفسه، يرى مراقبون أن "محور المقاومة" تكبد العام الماضي بخسائر فادحة. حيث ‏اغتالت إسرائيل في عمليات إجرامية قيادة كل من حزب الله وحماس. على الرغم من أن كلا المنظمتين لم ‏يتم تدميرهما (ولن يتم تدميرهما) بالكامل، إلا أن الضرر كان كبيرًا، وسوف يستغرق الأمر وقتًا لاستعادتهما ‏‏(القيادة في المقام الأول). وهذا لا يعني أن النزاع - سواء في لبنان أو في غزة - سينتهي بانتصار ‏إسرائيلي، لكن اعتبارا من نهاية عام 2024، يمكن القول إن ميزان القوى في المنطقة قد تغير بشكل كبير، ‏ولكن ليس في صالح إيران‎.‎
‏ وقد تجلى نفاد الصبر من أجل التغيير في العالم على وجه الخصوص من خلال نتائج الكثير من ‏الانتخابات التي أجريت على مدى الأشهر الـ 12 الماضية في أجزاء مختلفة من العالم. وإجمالا ذهب أكثر ‏من 1.6 مليار شخص إلى صناديق الاقتراع، وفي الغالبية العظمى من الحالات، فقد مؤيدو الوضع الراهن ‏مواقعهم. ففي الولايات المتحدة، منيَّ الديمقراطيون بفشل ذريع أمام الجمهوريين، وفي إنجلترا، الحق حزب ‏العمال هزيمة منكرة بالمحافظين. وفي فرنسا وقع "حزب السلطة" الذي يتزعمه إيمانويل ماكرون، والذي ‏فقد دعمه السابق، بين المعارضة اليمينية واليسارية، التي أغرقت الجمهورية الخامسة في أزمة سياسية ‏عميقة. واهتزت أسس الوسطية السياسية الراسخة في ألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان. حتى حزب رئيس ‏الوزراء الهندي الشهير ناريندرا مودي لم يتمكن من الحفاظ على الأغلبية البرلمانية بعد الانتخابات، وفي ‏جنوب إفريقيا ، خسرها المؤتمر الوطني الأفريقي لسيريل رامافوزا.‏
من المحتمل أن يقول المتشائمون إن رفض الوضع الراهن في حد ذاته لا يحل أي مشاكل، وأن التغييرات ‏التي يطول انتظارها، كما أظهرت تجربة العراق إذ لم تحقق تطلعات المجتمع بقيام نظام وطني يعتمد على ‏

‏ ‏


القانون والعدالة وبناء دولة المواطنة، وكذلك السنوات الأخيرة للاتحاد السوفييتي، لا تتحول بالضرورة إلى
‏ تغييرات أحسن. إن استبدال التكنوقراط الحذرين بشعبويين غير مسؤولين، غالبا ما يرتد سلبا على وجه ‏ ‏التحديد على أولئك الذين انتقدوا الوضع المنهار المثير للاشمئزاز. وسوف يجادل المتفائلون بأن الهياكل ‏ ‏الصدئة تمامًا للأجهزة الحكومية تحتاج في كل مكان إلى تحديث جذري، وسيضيفون حتماً أن الخسائر ‏الناجمة عن الحفاظ على الوضع الحالي بأي ثمن، ستكون أكبر بكثير من تغييره.‏
إن الأحداث الدولية التي وقعت في عام 2024 تتيح للمرء تقديم تفسيرات مختلفة لها. وبلا ريب سيلاحظ ‏المتشائمون عدم إيجاد في عام 2024 حلول ناجعة لأي من النزاعات المسلحة الكبرى الموروثة من عام ‏‏2023. بل على العكس من ذلك، اتجه أكبرها نحو التصعيد. على سبيل المثال، امتدت العملية الإسرائيلية ‏في قطاع غزة، التي انطلقت في خريف 2023، تدريجياً إلى الضفة الغربية، ثم إلى جنوب لبنان، وفي ‏نهاية 2024 إلى الأراضي السورية المتاخمة لمرتفعات الجولان، وقصف اليمن، وتهديد العراق، وإيران ‏وفي أواخر الصيف جرى صعدت التطورات في العملية الخاصة التي تنفذها روسيا في أوكرانيا، حيث ‏غزت قوات أوكرانيا أراضي منطقة كورسك الروسية، وفي منتصف تشرين الثاني، منحت الولايات ‏المتحدة كييف الإذن باستخدام صواريخ ‏ATACMS‏ بعيدة المدى ضد أهداف في عمق الأراضي الروسية. ‏ومن وجهة نظر المتفائلين، أظهر العام الماضي أن النظام الدولي القديم لم ينهار تماما ونال التفكك بعض ‏أركانه. ولم تنشب مواجهة مسلحة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، ولم تندلع حرب إقليمية كبرى في ‏الشرق الأوسط، أو في مضيق تايوان، أو في شبه الجزيرة الكورية.‏
ولم يتمكن مجلس الأمن الدولي في عام 2024 من اعتماد سوى 12 قرارًا في الغالب ذات طبيعة إنسانية ‏مما يشير بوضوح إلى انخفاض فعالية هيئة الإدارة العالمية هذه (للمقارنة، في عام 2000، وافق مجلس ‏الأمن الدولي على 29 قرارًا، بما في ذلك أهم القرارات المتعلقة بحل النزاعات في البلقان وأفريقيا). وفي ‏الوقت نفسه، في عام 2024، استمر البحث المستمر عن أشكال جديدة للتعاون المتعدد الأطراف، بما في ‏ذلك آليات مجموعة البريكس، التي اجتمعت لأول مرة في قمتها السادسة عشرة في قازان في تشكيلة موسعة ‏جديدة.‏
وظلت النتائج الاقتصادية لعام 2024 غامضة بنفس القدر. فمن ناحية، خضع الاقتصاد العالمي خلال العام ‏تمامًا للجغرافيا السياسية. واستمرت عمليات الفصل التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، وتحولت ‏العقوبات الأحادية الجانب نهائيا إلى إحدى الأدوات الرئيسية للسياسة الخارجية للغرب. ومن ناحية أخرى، ‏لم ينزلق العالم إلى ركود اقتصادي عميق، على الرغم من جميع القيود التي جرى فرضها على التجارة ‏والاستثمارات. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بحوالي 3 في المئة لعام 2024، وهي نسبة لا بأس ‏بها في الزمن المضطرب للغاية الذي يمر به العالم، وعلى خلفية عدم التغلب بصورة كاملة على الآثار ‏طويلة الأجل التي نجمت عن وباء كوفيد-19.‏
وفي مجال تطورات المناخ العالمي الذي بات يشكل خطر حقيقي على مستقبل البشرية والكوكب الأرضي، ‏تدلل المؤشرات على أن عام في عام 2024، شهد تجاوز المتوسط السنوي لدرجات الحرارة العالمية ‏المستويات التي كانت قبل الثورة الصناعية بأكثر من 1.5 درجة مئوية للمرة الأولى – وبهذا جرى تجاوز ‏خط أحمر آخر مهم للغاية، ولم يحقق مؤتمر الأمم المتحدة القادم لتغير المناخ الذي عقد في باكو في تشرين ‏الثاني الكثير من الأمل التي عقدت عليه. وفي الوقت نفسه، وبحلول نهاية العام، بلغت انبعاث الكربون في ‏الصين حده الأقصى، متجاوزا خمس سنوات كاملة لخطط بكين المعلنة سابقًا في حبس الانبعاثات.‏
‏ ‏