ما وراء سقوط الأسد؟


أليكس كالينيكوس
2025 / 1 / 2 - 17:44     


انهيار نظام الاستبداد يمنح الجماهير السورية مساحة للتنظيم والتناظر

كان هناك ردود فعل مختلفة من اليسار تجاه السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا. رد الفعل السائد عبر عنه بوضوح الكاتب والناشط طارق علي: “ما نشاهده اليوم في سوريا هو هزيمة كبيرة… جيوستراتيجياً، هذا انتصار لواشنطن وإسرائيل”.

في المقابل، موقف الأقلية الذي عبر عنه الاشتراكي السوري جوزيف ضاهر: “لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل لهما يد في هذه الأحداث”. كلاهما مخطئ.

نعيش في فترة تتسم بتنافس متزايد بين القوى الإمبريالية الكبرى، وفي الشرق الأوسط بين القوى الإقليمية أيضًا. ولذلك، تتضمن الأزمات السياسية عادة أبعاداً داخلية وجيوسياسية.

في بعض الأحيان، تدفع هذه الأبعاد في نفس الاتجاه. على سبيل المثال، عزل رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول تحت ضغط الجماهير يُعدّ انتصاراً للحركة الشعبية واليسار، وهزيمة للولايات المتحدة في مساعيها لتطويق الصين.

وفي أحيان أخرى، تطغى أحد الأبعاد على الآخر. الجيوسياسيات الخاصة باستخدام الولايات المتحدة لأوكرانيا لشن حرب وكالة ضد روسيا طغت على النضال الوطني الأوكراني.

في حالة سوريا، العلاقة بين الجيوسياسيات والوضع الداخلي معقدة للغاية. وفقاً لبيان التيار الاشتراكي الدولي، فإن سقوط الأسد كان نتيجة لـ “تقاطع عوامل داخلية وخارجية”. محلياً، كان النظام منهاراً بسبب القمع والفساد، وكان يحتاج إلى دفعة واحدة من قبل حركة هيئة تحرير الشام لتهشيمه.

“إنها دولة منهارة. أنقاض، أنقاض، أنقاض”، كما قال محمد غزال، المحافظ الجديد لدمشق من هيئة تحرير الشام لوكالة رويترز الأسبوع الماضي. بدلاً من أن تطيح به الثورة في عام 2011، كان الأسد وزمرته مستعدين لتدمير سوريا، ففي العشر السنوات منذ 2011، انخفض حجم الاقتصاد إلى النصف.

وانخفضت رواتب المسؤولين الى [ما يعادل] 20 جنيهاً استرلينيًا شهريًا، مما شجع على الفساد المتفشي. وبدلاً من المخاطرة بالموت من أجل النظام، هرب الجنود من مواقعهم أمام تقدم هيئة تحرير الشام. وفي الوقت نفسه، هرب الأسد وتركهم بدون أن يخبر رئيس وزرائه، وفر مع عائلته إلى موسكو. وكان قد خبأ 200 مليون جنيه استرليني من أموال الدولة السورية في البنوك الروسية.

كان الأسد دائماً يعتمد على الجيوسياسيات للتمسك بالسلطة. فقد فاز بالحرب الأهلية بفضل الدعم العسكري من روسيا وإيران وحزب الله، الحركة الإسلامية الشيعية اللبنانية. ولكن الآن تموضعت الجيوسياسيات ضده. روسيا منشغلة بالحرب في أوكرانيا. وعندما طار إلى موسكو للتوسل بالمساعدة، رفض فلاديمير بوتين مساعدته.

هنا يظهر دور الولايات المتحدة وإسرائيل في المشهد. قد يكون صحيحاً أنهما فضلا الاحتفاظ بالأسد مضعف في مكانه. فهذا من شأنه أن يحافظ على عنصر من القدرة على التنبؤ في خضم الاضطرابات الإقليمية.

لكن الهجوم الإسرائيلي في لبنان والهجمات المرتبطة به على إيران ــ والتي دعمتها إدارة جو بايدن ــ ساعدوا في إسقاط الأسد. فقد ضعف حزب الله بشدة، ورُدعت إيران عن المزيد من المواجهة. ومن الواضح أنه لم يحاول حتى أن يطلب منهم المساعدة.

وعلى الرغم من ذلك، تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل الآن استغلال سقوط الأسد. فقد أمر بنيامين نتنياهو بسرعة الجيش الإسرائيلي بتأكيد السيطرة على هضبة الجولان، والاستيلاء على مزيد من الأراضي السورية وتدمير البنية العسكرية لنظام الأسد. في الوقت نفسه، يعقد وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن محادثات لدفع خطط الولايات المتحدة لـ“إعادة ترتيب” الشرق الأوسط.

اللاعب الإقليمي الرئيسي المتورط من الخارج غير إسرائيل هو تركيا، التي سمحت لهيئة تحرير الشام بشن هجومها. كان رؤساء الاستخبارات التركية وحليفها قطر من أوائل الزوار إلى دمشق بعد سقوط الأسد.

ومع ذلك، في وسط كل هؤلاء المفترسين، يوجد فراغ يمكن فيه للجماهير السورية أن تفرض ذاتها. هيئة تحرير الشام، التي نشأت من داعش والقاعدة، تحاول تصوير نفسها كقوة وطنية. لكن ليس لها قاعدة اجتماعية كبيرة، وسوف تواجه صعوبات في تحقيق التوازن مع جميع القوى السياسية الأخرى.

الحركات الكردية التي تسيطر على معظم شمال سوريا لاعبون مهمون. سيحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استخدام نفوذه المتزايد لسحقهم.

ولذلك، فإن النضال من أجل سوريا مستمر. لكن انهيار الديكتاتورية يمنح الجماهير السورية مساحة للتنظيم.
—-