مفهوم الأرهاب في سوريا!
عادل احمد
2024 / 12 / 8 - 17:28
ان ما يحدث في سوريا اليوم من سقوط مدن بعد مدن خلال الأيام الماضية من قبل جبهة النصرة الإسلامية والمتحالفين معها، يعكس التغيرات والتوازنات السياسية في منطقة الشرق الاوسط بعد الإبادة والدمار في غزة ولبنان واضعاف إيران من قبل إسرائيل وامريكا. وان هذه التغيرات قد تعكس التغير في كل المفاهيم والمواقف السياسية السابقة المعتادة. الحكم السيادي يصبح الدولة الإرهابية والمعارضة الإرهابية تصبح المقاومة المشروعة، وحتى التقدمية من قبل أمريكا والليبرالية الغربية. ان مفهوم الجماعات الإرهابية يتم تعريفها حسب استخدمها، إذا تحقق مطالب الغرب فإنها يتم تعريفها بالمعارضة وإذا وقفت بالضد من مطالب الغرب فإنها إرهابية ويجب سحقها وما الى ذلك... ان القاعدة وجبهة النصرة واحرار الشام كانت في قائمة الجماعات الإرهابية وبين الليلة وضحاها اصبحت هي المعارضة المعتدلة ويتم مقابلة زعيمها أبو محمد الجولاني في أكبر القنوات الإعلامية الامريكية CNN وتسميه باسمه الحقيقي..
وهذا صحيح أيضا بالنسبة لروسيا والمتحالفين معه، فان حركة طالبان الأفغانية كانت حركة إرهابية عندما كانت تحقق المصالح الغربية بالضد من المصالح الروسية ولكن بعد استلامها السلطة مرة أخرى في عام 2021 أصبحت هي السلطة الشرعية ويتم التعامل معها كحكومة شرعية لأفغانستان من قبل الدولة الروسية. وحكومة بشار الأسد بعد كل المجازر والقمع الوحشي للمواطنين في سورية أصبحت الحكومة الشرعية لسوريا من قبل روسيا وبعض البلدان العربية والصين.. وكذلك المسلحين في قسد في شرق سوريا يعتبرون مقاتلين في سبيل الحرية من قبل أمريكا والغرب ولكن يعتبرون إرهابيين من قبل تركيا ويتم تعريفهم من قبل سوريا وروسيا بشكل اخر أي ان القسد ليس عدوا ولا صديقا ويمكن التعامل معه بحذر..
ان تعريف الإرهاب والجماعات الإرهابية من قبل جميع الطبقة البرجوازية العالمية يتم تعريفها كلاً من حسب مصالحه وليس حسب الاعمال الإرهابية التي يقومون به ضد المواطنين الأبرياء او اعمال القتل والتنكيل الوحشي امام انظار العالم لترهيب الجماهير.. وهذا يدل على أي مستوى وصل به انحطاط الطبقة البرجوازية العالمية بحضاراتها وليبراليتها وتقدمها التكنولوجي والى أي طريق مسدود وصل تقدم البشرية في ظل النظام الرأسمالي الحالي..
وبناءً على ما سبق من القول عن ازدواجية المعاير واستخدام المفاهيم والمصطلحات والمواقف السياسية لجميع اطراف الطبقة البرجوازية، يتوجب علينا فضح كل ما في جعبة الغرب وامريكا وروسيا من تضليل للأمور والحقائق انطلاقاً من مصلحتها السياسية.. وان الحقائق تظهر لدى الجماهير نفسها عندما تتم مشاهدتها على ارض الواقع، وعن المأساة والمعاناة بشواهد واثباتات ويتم تداولها فيما بينهم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعية. ان انشاء المنصات لكشف الحقائق لا يمكن الا ان تكون متنفساً عن الطبقات المسحوقة والمحرومة في المجتمع، والتي تكون النصيب الأكبر من كل تلك المعاناة التي تكابدها والمصائب التي تطبع مستقبلها بطابع لا يسر .. ان رؤية العالم بشكله الحقيقي والواقعي والصراعات السياسية والاقتصادية المتصاعدة برعبها وشؤمها لا يمكن رؤيتها إلا بمنظار النضال الطبقي في المجتمع، ومن خلال هذا المنظار يمكن ان رؤية الدقائق المجهرية التي توصلنا الى كل الخيوط في الصراعات المجتمع بكل تفاصيلها. ان منظار النضال الطبقي ولأثبات الحقائق بين الجماهير لإزالة الغبار والتضليل الإعلامي عن كل تحركات الدول والمنظمات والاعلام والمؤسسات المالية والمؤسسات التربوية والمنظمات الجماهيرية الصفراء والتي تخدم مصالح الدول البرجوازية.
ان ما يحدث في سوريا يمكن رؤية جميع اللاعبين السياسيين ببشار اسدها ونصرتها واسلاميتها ودور روسيا وامريكا والغرب ودور تركيا وإيران وإسرائيل والدول العربية والجماعات والقسد.. يمكن رؤيتها بصورتها الحقيقية والواقعية عن طريق الاعمال والتوافقات والتحالفات السياسية فيما بينهم.. ان جميع هؤلاء اللاعبين يمكن تتبع خيوط مصالحها وأهدافها بسهولة.
ويمكن رؤية قربها وبعدها عن مصالح جماهير الطبقة العاملة والجماهير الكادحة في المجتمع. أي يمكن عن طريق سياساتهم قياس التعبير عن مصالح الجماهير المحرومة.. اليوم وحسب هذا المعيار فان جميع اللاعبين لا تعير أي اهتمام بمصير الطبقات المحرومة ولا تعير او تهتم بمعاناة ولا بمأساة الجماهير وانما جميعهم هم اجزاء مشتركة من تفاقم الأوضاع وبعيدا عن تلبي أدنى حاجة من حاجات الجماهير في سوريا. يجب ان لا نندهش ويجب ان ننزع جميع الأقنعة بإسلاميتها وقومتيها وديمقراطيتها وليبراليتها حتى يتسنى لنا ان نرى الأوضاع بشكلها الطبيعي والواقعي.. علينا ان لا نكون تجريبيين حتى يتسنى التعرف الى الوقائع وانما باستخدام الرؤية الطبقية يمكن ان توضح الصورة الحقيقية.. ان حل الاوضاع الحالية لا يتم الا عن طريق ثورة الجياع ثورة الطبقة العملة..