في خلفيات التغييرات الكبيرة على العقيدة النووية الروسية ‏


فالح الحمراني
2024 / 12 / 1 - 20:15     

‏ ‏

ترأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 25‏‎ ‎‏ أيلول 2024‏‎ ‎، اجتماعا " للجلسة الدائمة لمجلس الأمن ‏الروسي بشأن الردع النووي"، أعلن إبانها عن تغييرات مهمة في العقيدة النووية للبلاد. انطلاقا من ‏التغيرات المعلنة، ووضعت سيناريوهات متعددة تحتفظ فيها روسيا بالحق في استخدام الأسلحة النووية.‏
‎ ‎وشدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لدى إعلانه عن تغييرات في العقيدة النووية، على أن "الوضع ‏العسكري السياسي يتغير بشكل ديناميكي" ولا يمكن تجاهل ذلك. ‏
وتجدر الإشارة الى إعلان التغيرات على العقيدة النووية في روسيا يتزامن مع تفاقم الوضع الدولي عموما، ‏ومناقشة الغرب إمكانية تسليم أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي تدار من قبل ‏مستشاري الناتو، ومقاتلات أف 16 التي يمكن أن ترابط في احدى البلدان المجاورة، والتضييق على روسيا ‏في بحر البلطيق، المنفذ الاستراتيجي الحيوي للبلاد، ودعوة فنلدا حلف الناتو لنشر أسلحة نووية في ‏المناطق المتاخمة لروسيا، علاوة على تشكيل تحالفات جديدة على غرار" آوكوس" و مضى االاطلسي ‏بدفع بنيته التحتية نحو الحدود الروسية. وتواجه روسيا بالإضافة الى أمريكا 3 دول نووية في حلف الناتو، ‏هي بريطانيا وفرنسا، اللتان رفضتا الانضمام الى مباحثات الحد من الأسلحة النووية، وحظر التجارب. ‏وتربط روسيا دخولها في مباحثات الحد من الأسلحة النووية بوقف الغرب ممارساته التي تصفها روسيا ‏بالعدوانية، كما علقت موسكو العمل بحظر التجارب النووية، الذي لك تصادق عليه الولايات المتحدة. ‏
‎ ‎وأكد فلاديمير بوتين، في افتتاح الاجتماع الدائم لمجلس الأمن الروسي حول الردع النووي، من الواضح ‏أنه كان من المهم إرسال إشارة واضحة إلى خصوم روسيا. وبعد كلمة بوتين، صرح ممثلون روس آخرون ‏عن العقيدة، ولا سيما نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، المشرف على الملف موضحا "إن الوضع ‏العالمي يتجه نحو مزيد من التدهور، ولا شك أن التحديات التي تتضاعف نتيجة الممارسات التصعيدية غير ‏المقبولة للولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، التي تطرح أمامنا السؤال الكامل حول كيفية ‏استخدام الوثائق الأساسية في هذا المجال". وقال ريابكوف للصحفيين في وقت سابق إن سياسة الردع ‏النووي يمكن جعلها متوافقة بشكل أكبر مع الاحتياجات الحالية. ويمكن اعتبار دعوة الرئيس الروسي ‏فلاديمير بوتين لتغيير العقيدة النووية يمكن بمثابةا إشارة واضحة للدول الغربية. وأضاف: "هذه إشارة ‏تحذر هذه الدول من العواقب إذا شاركت في هجوم على بلادنا بوسائل مختلفة، وليس بالضرورة النووية" ‏وقال السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف للصحفيين ردا على سؤال مماثل، إن ‏المقترحات التي قدمها الرئيس بوتين إشارة للدول غير الصديقة. وأضاف بيسكوف: “إن العالم أجمع ‏والعقلاء يدركون جيدً إمكاناتنا النووية ودورها الرادع”.‏
وكان الموضوع الرئيسي لاجتماع مجلس الأمن الروسي للردع النووي هو تقديم توضيح بشأن "أساسيات ‏سياسة الدولة في مجال الردع النووي" – أي العقيدة النووية الروسية، التي تم تحديثها آخر مرة في عام ‏‏2020. وقبل الإعلان عن التغيرات الجديدة أكد فلاديمير بوتين أن السلطات الروسية "تعاملت دائما مع ‏القضايا المتعلقة بالأسلحة النووية بأعلى درجة من المسؤولية". وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن "الوضع ‏العسكري السياسي الدولي الحالي يتغير بشكل ديناميكي" وأن قيادة البلاد "ملزمة بأخذ ذلك في الاعتبار". ‏‏“بما في ذلك ظهور مصادر جديدة للتهديدات والمخاطر العسكرية لروسيا وحلفائنا. ومن المهم التنبؤ بتطور ‏الوضع وبالتالي تكييف أحكام وثيقة التخطيط الاستراتيجي مع الواقع الحالي".‏
وأجرى متخصصون من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية وموظفو مجلس الأمن والإدارات الأخرى تحليلا ‏عميقا وشاملا وتوصلوا الى ضرورة تعديل نهج الاستعمال المحتمل للقوات النووية. " وبناء على نتائج هذا ‏العمل، تابع فلاديمير بوتين، أنه تم اقتراح تقديم عدد من التوضيحات بشأن تحديد شروط استخدام الأسلحة ‏النووية".‏
‎‏ فكيف تغيرت العقيدة النووية لروسيا الاتحادية؟ أولاً، ستوسع وفقا لمسودة "الأساسيات..." فئة الدول ‏والتحالفات العسكرية التي يتم استعمال الردع النووي ضدها، كما ستوسع قائمة التهديدات العسكرية لاحتواء ‏إجراءات الردع النووي. يذكر أن وثيقة 2020 تنص على أن روسيا تمارس الردع النووي ضد الدول ‏والتحالفات العسكرية التي تعتبرها خصماً محتملاً وتمتلك أسلحة نووية و(أو) أنواعً أخرى من أسلحة الدمار ‏الشامل أو إمكانات قتالية كبيرة للقوات ذات الأغراض العامة. كما تسرد "الأساسيات" الحالية ستة أنواع من ‏التهديدات العسكرية، وتهدف العقيدة النووية إلى تحييدها. وإذا حكمنا من خلال بيان الرئيس، فإنه سيتم ‏توسيع هذه الأحكام. ثانيا، في النسخة المحدثة من الوثيقة، يُقترح اعتبار العدوان على روسيا من قبل أي ‏دولة غير نووية، ولكن بمشاركة أو دعم دولة نووية، بمثابة هجوم مشترك على الاتحاد الروسي. واحتفظت ‏روسيا، من حيث المبدأ، بحق استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية إذا هاجمتها بمساعدة أي قوة ‏نووية. ‏
ووفقا لعدد من الخبراء، ينطبق هذا الحكم على غزو القوات المسلحة الأوكرانية لبعض بلدات منطقة ‏كورسك والهجمات التي تشنها القوات المسلحة الأوكرانية على أهداف استراتيجية على أراضي الاتحاد ‏الروسي، حيث يتم تنفيذ هذه الإجراءات بدعم القوى النووية - الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ‏العظمى. ثالثا، ووفقا لفلاديمير بوتين، تم توضيح شروط التجاء روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية. ومن ‏الآن فصاعدا، ستنظر السلطات الروسية في هذا الاحتمال بمجرد حصولها على معلومات موثوقة ليس فقط ‏حول إطلاق الصواريخ الباليستية، ولكن أيضا "حول الإطلاق الضخم للأسلحة الهجومية الجوية وعبورها ‏حدود الدولة". واستناد إلى توضيحات الرئيس بوتين، فإن الحديث يدور عن الطائرات الاستراتيجية ‏والتكتيكية وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار والطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وغيرها ‏من الطائرات. رابعا، تحتفظ السلطات الروسية بالحق في استخدام الأسلحة النووية في حالة العدوان على ‏روسيا وبيلاروسيا باعتبارها عضوا في الدولة الاتحادية.‏
وتنص النسخة الحالية من "الأساسيات" على أن يمكن لروسيا الرد بضربة نووية في حالة إطلاق صواريخ ‏باليستية تهاجم أراضي الاتحاد الروسي و (أو) حلفائه، وكذلك في حالة استخدام العدو الأسلحة النووية أو ‏غيرها من أنواع أسلحة الدمار الشامل على أراضي الاتحاد الروسي و(أو) حلفائها، ولكن لم يتم ذكر أي من ‏هؤلاء الحلفاء. وربما هذا يتعلق باستخدام الولايات المتحدة الأسلحة الاستراتيجية غير النووية ( التي تعادل ‏قوتها الأسلحة النووية) التي تساور روسيا الهواجس منها، لكي لا تعطي واشنطن المبرر للرد على أمريكا ‏بالأسلحة النووية ضدها.‏