قراءة الكسندر دوغين للتطورات في المنطقة


فالح الحمراني
2024 / 11 / 24 - 14:05     

‏ فالح الحمــراني


يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي‎ ‎وعالم السياسة والاجتماع‎ ‎والشخصية ‏الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى عن طريق اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في ‏كيان أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من دول القارات الاسيوية والافريقية وحتى الشرق ‏أوروبية. ويرى أن هذا سيكون الطريق الرابع في السياسة الدولية بعد انهيار السبل الثلاثة الأولى‎: ‎الليبرالية‎ ‎والاشتراكية‎ ‎والفاشية‎. ‎‏ ودوغين من المتحمسين لإقامة نظام عالمي متعدد الأطراف، ووضع حد ‏لهيمنة الغرب وحضارته على العالم، وتسيَره وفق قيمه، فضلا عن مناهضته لتيارات ونخب العولمة ‏المنفلتة، التي يرى أن هدفها يكمن في محو أصوليات وهويات الأمم وخلق حضارة " لقيط" بدون ملامح ‏ولا إصالة. ويتردد إن دوغين مقرب من إدارة الرئيس الروسي ويشاطره الكثير من مواقفه وأحيانا يوصف ‏بمنظر الكرملين. وتُرجمت في السنوات الأخيرة أعماله إلى مختلف اللغات الأجنبية، بما ذلك إلى العربية. ‏
ويتابع دوغين باهتمام شديد التطورات المأساوية في الشرق الأوسط، ويساهم في تحليلها ووضع تصورات ‏مستقبلية عنها، ويدعم بلا حدود حق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشرعة وإقامة دولته المستقلة. وفي ‏هذا السياق تابع دوغين أعمال القمة العربية/ الإسلامية الطارئة التي انعقدت في الرياض في 11 تشرين ‏الثاني/نوفمبر وكرست أعمالها للقضية الفلسطينية. ووصفها ب "الحدث الهام للغاية". لأناها وضعت ‏الأساس لظهور العالم الإسلامي / العربي كقطب دولي.‏
ولفت في مقالاته إلى مشاركة كل من الرئيس السوري بشار الأسد والتركي طيب رجب أردوغان فيها في ‏إشارة على ما يبدو الى جمع القمة لهما رغم الخلافات والتناقضات العميقة في مواقفهما. وكما قال " في ‏الآونة الأخيرة، كان مثل هذا التقاطع بين الشخصيتين مستحيل". ولاحظ أن ولي العهد السعودي محمد بن ‏سلمان لم يتحدث عن فلسطين فحسب، بل عن ضرورة دعم القوى التي تقف في مواجهة إسرائيل، "وهو ‏أمر مثير مرة أخرى"، لأن السعودية وإيران حتى وقت قريب كانت تعتبران عدوتين. وينطبق الشيء نفسه ‏على حزب الله‎.‎‏ وأضاف: إن ولي العهد محمد بن سلمان قال في خطابه بصورة مباشرة: ليس وجود فلسطين ‏بات موضع تساؤل الآن فحسب، بل أصبح أيضا مصير المسجد الأقصى، ثاني أقدس موقع في الإسلام بعد ‏مكة. ‏
وضمن هذا السياق أعاد الأذهان إلى أن عملية حماس في 7 في تشري الأول/ أكتوبر 2023 سميت ‏‏"بطوفان الأقصى" وجرى تبريرها بالتهديد الذي يتعرض له هذا الحرم. وقال: من الواضح أن زعماء ‏حماس كانوا يأملون بلا ريب أن مثل هذه القمة العربية / الإسلامية الطارئة سوف تنعقد في وقت أبكر ‏كثيراً، على سبيل المثال، مباشرة بعد بدء العملية البرية الإسرائيلية في غزة. وانعقدت القمة مؤخرا فقط بعد ‏أن دمرت إسرائيل غزة وصفت أعضاء من قيادات حماس وحزب الله‎.‎
وتساءل دوغين: لماذا القمة الآن؟ وبرأيه: من الواضح بسبب عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض. ‏وحسب تقديراته: إن ترامب يتعاطف مع الصهيونية اليمينية - نتنياهو والمتطرفين مثل سموتريش وبن ‏جفير والحاخام دوف ليئور‎. ‎‏ وأوضح: إنهم يعلنون بصراحةً بوجوب تفجير المسجد الأقصى في أسرع وقت ‏ممكن، بعد انتخاب ترامب، وأعلن سموتريتش صراحة أنه يجب علينا الآن أن نبدأ أيضًا في القضاء على ‏الفلسطينيين في الضفة الغربية. وبالطبع تفجير الأقصى. "ومهما حاول الرئيس الفلسطيني محمود عباس ‏الحفاظ على موقف معتدل، ومراقبة الإبادة الجماعية لشعبه في غزة، فإن الإرادة الحديدية للصهاينة تهدف ‏للتوصل إلى إنهاء المشكلة الفلسطينية وفق مخططها. ويعقدون الأمل على أن ترامب سيساعد على تسريع ‏هذه العمليات". ‏
وحسب تقديرات دوغين فإن أنصار الموقف المعتدل (من العرب والمسلمين) في العلاقات مع الغرب عموماً ‏فقدوا حججهم، موضحا: فإسرائيل عازمة إبادة الفلسطينيين أو ترحيلهم إلى خارج دولتهم، وهدم المسجد ‏الأقصى والبدء في بناء الهيكل الثالث. معيدا للأذهان أن كتاب "توراة الملك" الذي ألفه الصهيوني اليميني ‏إسحق شابيرا، والذي نُشر في عام 2009 وأقره دوف ليئور، مُنظِّر المسيحية اليهودية، يدعو صراحةً إلى ‏التدمير الجسدي لكل "أعداء إسرائيل"، بما في ذلك النساء والأطفال والمسنين. وهذا بالضبط ما يقوم به ‏الإسرائيليون في غزة ويستهدفون الآن السلطة الفلسطينية (وهي دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة) في ‏الضفة الغربية‎.‎
ولاحظ: كل هذه العوامل دفعت زعماء العالم الإسلامي إلى تجاوز التناقضات والخلافات الداخلية والاجتماع ‏في الرياض. ودعا أردوغان إلى مقاطعة إسرائيل. وطالب بن سلمان بالاعتراف بفلسطين وتوحيد كافة ‏الدول الإسلامية لصد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين ولبنان وإيران. وفي الوقت نفسه، تهاجم ‏إسرائيل أيضًا سوريا‎.‎
وخلص دوغين إلى انه: في مثل هذه الظروف، لم تصبح قمة الرياض مجرد منصة لمناقشة التسوية ‏الفلسطينية، بل غدت أيضاً مؤشراً لحدوث تغير في الأولويات الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وإن كلمات ‏محمد بن سلمان بشأن إيران والاتصالات الدولية الأخيرة تُظهر مستوى جديد من التحرك الدبلوماسي في ‏المنطقة، حيث يمكن إعادة النظر في التحالفات التقليدية. ومع استمرار اشتعال الصراع ومواجهة جهود ‏الوساطة الدولية للصعوبات، فإن السؤال حول كيف ستتطور العلاقات بين العالم العربي والغرب والجهات ‏الفاعلة الأخرى يظل سؤالاً مفتوحًا. وستكون هناك تحديات كثيرة في المستقبل، وقد أثبتت القمة نظريا أن ‏الدول العربية مستعدة للعمل كجبهة موحدة في مواجهة التغيرات العالمية والواقع الجديد في الشرق الأوسط، ‏ولكن من الناحية العملية لا يوجد لحد الآن فهم للخطوات العملية‎.‎‏ التي ينبغي القيام بها
وخرج باستنتاج مفاده إن "القطب الإسلامي" في العالم المتعدد الأقطاب أخيرا ـ وبتأخر كبير ـ بدأ في ‏اكتساب ملامح مرئية وواضحة، ووفق رأيه: "ربما يفضل القادة أنفسهم الاستمرار في تجنب التوحد، ‏واللجوء إلى التسوية مع الغرب". "لكن هذا الأمر بات بالفعل يهددهم: فشعوب البلدان الإسلامية ترى أن ‏قادتهم تحرك بطيء، على خلفية ما يشاهدونه في كل دقيقة مواصلة إسرائيل الإبادة الجماعية للفلسطينيين ‏والتخطيط لتدمير صرحهم المقدس، ولا تنوي التسامح مع هذا لمدة طويلة‎.‎‏ ووفقا لرأيه الذي يحتاج إلى ‏مناقشة ومراجعة: "لا يمكن للمسلمين أن يتحدوا إلا بشن حرب مشتركة مع عدو مشترك. وإن مثل هذه ‏الحرب على عتبة الباب"‏‎.‎‏ وأضاف: فالغرب كما هي العادة يدعم الأمم في الانفصال وتقرير المصير عندما ‏يكون ذلك مفيداً له. ولا يعترف به عندما لا يكون كذلك. ويتعامل مع كافة الأزمات بهذا المنطق. لا توجد ‏قواعد.‏
وأشار الى أن العالم الإسلامي، متنوع ومتناقض للغاية، لكن وحدته ضرورية في مواجهة التهديد ‏الإسرائيلي، وقد توصلت الدول الإسلامية إلى هذا الاستنتاج. وقال الفيلسوف: و"حتى لو أرادت تجنب ‏المواجهة، فإن للمجتمعات رأي آخر". حسب ما يرى دوجين.‏