دور لينين في ثورة اكتوبر العظمى عام/ 1917


فلاح أمين الرهيمي
2024 / 11 / 7 - 13:34     

إن أية فكر إذا كان مسطراً في بطون الكتب يعتبر من الطوباويات إذا لم يطبق على الواقع ... والنظرية الماركسية وضعت أفكاراً إلا أن ماركس قال بعد إنجازه النظرية الماركسية : (لقد انشغل الفلاسفة في تفسير العالم أما الآن فالمهم تغييره) ... فكان القائد الفذ فلاديمير ايليتش لينين حمل النظرية الماركسية وهبط بها وطبقها على الواقع حسب خصوصية الشعب الروسي حاملاً الفلسفة المادية من سماء العلوم الطبيعية والمعرفة العلمية المجردة والافتراضات الفلسفية الصرفة إلى أرض الواقع. فأصبحت المعركة معركة الجماهير الكادحة والمحرومة في عراك ليس فلسفياً وإنما تحولت الأفكار والقوانين من مجال الفكر والفلسفية إلى صراع طبقي من خلال المجتمع والظواهر والتطورات الاجتماعية وقاد أعظم ثورة في التاريخ الحديث هي ثورة اكتوبر العظمى عام/ 1917 ... وفتحت آفاقاً واسعة وأمل ورجاء لدى جميع الشعوب المظلومة والمقهورة نحو طريق التحرر والانعتاق نحو مجتمع تسوده المحبة والأخوة الإنسانية والعدالة الاجتماعية من خلال المرور من خلال ماركس وأنجلز ومن أجل أن أوضح ذلك بكل إصرار وصراحة لمن يتنكر للحقائق والتاريخ فأقول : (لولا لينين لبقيت النظرية الماركسية مجرد كلام مسطر في بطون الكتب على رفوف متاحف التاريخ) ... وإذا أزيحت أفكار لينين التي بلغت أربعة وخمسين مجلداً حول تطور النظرية الماركسية وتطبيقها على الواقع ... وقام لينين بتغيير اسم الحزب من (الحزب الاجتماعي الديمقراطي) إلى (الحزب الشيوعي الروسي) بعد ثورة اكتوبر/ 1917 في مؤتمر عقد في شهر آذار/ 1918 وأصبحت جميع الأحزاب الشيوعية في العالم إلى تغيير أسماء أحزابها وفي تلك الفترة انصهرت أفكار لينين بالنظرية الماركسية في بوتقة واحدة تقود نضال الأحزاب الشيوعية وفق أسس أفكار النظرية الماركسية عندما وضع على ضوئها الأسس الراسخة للبناء التنظيمي الذي يقوم على الضبط والالتزام والنقد والنقد الذاتي والمركزية الديمقراطية والتثقيف الذاتي وغيرها التي أدت إلى جذب وبناء قاعدة جماهيرية واسعة وصمود وإيمان قوي بالنظرية الماركسية وإلى وعي فكري وثقافي لدى أعضاء الحزب الشيوعي على ضوء أن التنظيم يخلق ويجسد الإرادة ووحدة العمل للطبقات الكادحة المناضلة ويحقق الأهداف التي يناضل من أجلها الحزب الشيوعي وبناء التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين ومشاركتهم في نضال الحزب الشيوعي وتحقيق الأهداف التي يناضل من أجلها وقد بلور القائد الفذ لينين هذه الأفكار من خلال طريق الاصطفاف وقوة التنظيم في صفوف الحزب الشيوعي من خلال تنظيمات منضبطة وملتزمة تسودها وحدة التنظيم والإرادة والتصميم والإصرار والتضحية وقد ثبت من خلال هذه العملية أن الأحزاب الشيوعية حققت كثيراً من المكاسب وحافظت على وحدة الحزب وصموده وديمومته واستمراريته في عمل ونضال الأحزاب الشيوعية لعدة عقود من الزمن بالرغم من الكوارث والهزات التي تعرضت لها الأحزاب الشيوعية وبقيت متخندقة في محراب النضال والعمل تعلو يمينها شمساً أفقها رحب وباليد الأخرى ترفرف الراية الحمراء مطرزاً عليها شعارات وأهداف الحزب.
لقد واصل لينين بكل همة وأمانة وبشكل رائع التعاليم الثورية لماركس وأنجلز وقائد أعظم ثورة سياسية واقتصادية واجتماعية ومهندس أول دولة اشتراكية في العالم وقائد الطبقة العاملة في العالم وكل الكادحين والمظلومين والمحرومين ... والآن لابد من سؤال فيه نداء حي واستدعاء صارخ للماضي والحاضر والمستقبل ... لماذا لم يعمر لينين طويلاً ؟ وإنما مات بعد ثورة اكتوبر عام/ 1917 بسبعة سنوات ولم يستطيع ما يترجم بأفكاره من إنجازات بعد مرحلة الثورة وإنما قضى هذه الفترة من حياته في الاجتماعات والندوات الجماهيرية في الخطابات والأحاديث مع جماهير الشعب الروسي حول التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فكان يقضي في هذه العملية اثنا وعشرين ساعة ولم يلجأ إلى الراحة والنوم سوى ساعتين في اليوم مما أدى إلى إصابته بثلاثة جلطات دماغية سببت وفاته ورحيله وتقول زوجته المخلصة (كروبسكايا) : لقد احترق لينين مبكراً لأن فكره كان يعمل طوال الوقت عملاً مجهداً ويقضي اثنان وعشرين ساعة بالخطابات والأحاديث مع جماهير الشعب مما أدى إلى ارهاقه وإصابته بثلاث جلطات دماغية أدت إلى موته عن عمر أربعة وخمسين عاماً ... وتحضرني الآن مقطع من حديث صديقه (فاناسيف) عندما سافر مع وفد إلى كوبا عام/ 1961 حيث سأله أحد الشيوعيين الكوبيين فقال له : رفيق فاناسيف كنت صديقاً للينين وماذا كان العالم والفكر الشيوعي لو كان لينين حياً ولم يعاجله الموت ؟ فقال له فاناسيف : لو كان لينين حياً وقائداً للاتحاد السوفيتي لرأيت العالم غير ما تراه الآن.
ماذا يحدث من تغييرات اقتصادية واجتماعية عندما حدثت للشعب بعد ثورة اكتوبر عام/ 1917 ؟ عندما تحدث الثورة في بلد ما تحدث تغييرات مادية ومعنوية ولكن تكون التغييرات المادية أسرع من التغييرات المعنوية فتتحول رواتب الموظفين والحياة المادية للشعب بصورة سريعة أما التقاليد المعنوية التي تمثل العادات والتقاليد والقيم في المجتمع الذي تعيش فيه بشكل لا تستجيب بسرعة للتغييرات التي تحدث في المجتمع بسرعة وسهولة لأن الآثار الاجتماعية من تقاليد وعادات وقيم تعتبر تراكم فكري من الحياة الاجتماعية السابقة مغروزة بالعقل الباطني للإنسان ولا يمكن نسخها ومحوها بسرعة وإنما تبقى مدة طويلة وتعالج من خلال الخطابات والأحاديث والحوارات لمدة طويلة وهو ما سعى إليها لينين حينما كان يقضي ساعات طوال في الخطابات والأحاديث والحوارات مع جماهير الشعب حتى يستطيع الشعب من التطبع والانسجام مع الواقع الجديد وفي بعض الأحيان تلعب دوراً رجعياً ضد حركة التغيير الجديد من مرحلة إلى مرحلة أخرى في البلد.