عن كتاب الإمبراطورية - أنطونيو نيغري ومايكل هاردت


محمد الهلالي
2024 / 10 / 22 - 04:50     

الأطروحة الأساسية التي يحللها ويناقشها كتاب "الإمبراطورية" (Empire) لأنطونيو نيغري (1933-2023) ومايكل هاردت (ازداد سنة 1960) (Michael Hardt et Toni Negri) هي أنه لا ينبغي شيطنة العولمة ولا تأويلها على أنها إعصار شنّته الرأسمالية المنتصرة، لأن العولمة مرتبطة بحدوث طفرة عميقة وشاملة مسّت كل أشكال التفكير والسلطة والإنتاج، وهي عبارة عن رد فعل على تصاعد احتجاجات الحركات الاحتجاجية الراغبة في التحرر.
فالتخلي الرأسمالي عن أشكال السيادة الحديثة لصالح شكل ما بعد حداثي للسيادة جاء كرد فعل قوي على النضالات المعادية للإمبريالية والعنصرية والسلطوية في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. وتمثل هذا الرد العنيف من طرف الرأسمالية في دمج شامل لكل الاختلافات في فضاء مفتوح بدون حدود، وقابل للتوسع، فضاء مقترن بعملية ضبط ذاتي دائمة وديناميكية، ومقترن أيضا بإكراهات تنتج عن ذلك الدمج وتتميز بالمرونة والملاءمة.
وكجواب على تلك النضالات المعادية للإمبريالية تم وضع حد لنمط الإنتاج الصناعي وتعويضه بنمط آخر يقوم على مجتمع المعلومات والتواصل والخدمات. إن تغير أنظمة السلطة والإنتاج أدى إلى ميلاد نظام سياسي واجتماعي واقتصادي وقانوني وتقافي جديد هو: الإمبراطورية.
ويختلف نظام الإمبراطورية الجديد عن الإمبريالية الحديثة. يتميز نظام الإمبراطورية الجديد بفسحه المجال للرغبة في الحرية والإبداع والتعاون وتشكل الحشد كفاعل أساسي، وسياسة إخضاع الأجساد، عبر تدبير المعلومة والأجساد والمشاعر، وتفكيك جماعات وبنيات وتشكيل جماعات وبنيات أخرى. ويتميز أيضا بإعادة النظر في أسس القانون الدولي منذ نهاية حرب الخليج (نهاية العمل بالمعاهدات والتعاقدات، واللجوء لقانون التدخل في شؤون الدول، واعتماد مبدأ "الحرب العادلة"...
كما يتميز بنشر فكرة انحطاط أمريكا على أوسع نطاق (أمريكا التي ستندمج في "الهيئة العالمية الجديدة للسلطة" التي تضم المنظمات الدولية والشركات العملاقة العابرة للقارات والمنظمات غير الحكومية). كما يتميز بأزمة المؤسسات التي ستستمر في ممارسة عملها مع تغيير أنماط تأثيرها واشتغالها.
واعتمد المؤلفان (أنطونيو نيغري ومايكل هاردت) على مرجعيات متنوعة وغنية (تحليلات ماركس ومختلف المدارس الماركسية، تحليلات ميشال فوكو وجيل دولوز وفليكس غاتاري). ولقد أوضح المؤلفان كيف انتشرت السيادة الحديثة (خلافا للسيادة القروسطية) عبر مراحل مختلفة (من بيروقراطية الدولة إلى مرحلة الأمة والشعب)، في ارتباط وثيق بالانتقال من التراكم الرأسمالي البدائي (أي تراكم الرأسمال عبر الزمن لتمكين الرأسماليين من الاستثمار) إلى النظام الإمبريالي الكولونيالي، ثم الانتقال إلى التقسيم الجديد للعمل، والتقسيم العالمي ما بعد النظام الكولونيالي.
وما يُعتبر أساسيا في هذا الكتاب هو ربط تطورات الرأسمالية بشكل مباشر بتطور قوى ورغبات ونضالات الحشد. وتمثل ذلك في اللحظات التاريخية التي جسدتها مؤلفات مكيافيلي وسبينوزا وماركس، والنهوض الكبير للحركات العمالية والطلابية والمدنية على الصعيد العالمي، وتطوير استراتيجيات جديدة في مجال النضال الثقافي...
تناول الكتاب المسارين معا في علاقتهما الوثيقة بينهما: مسار تطور الرأسمالية، ومسار الاحتجاجات ضدها. ويحتل مفهوم الحشد مكانة مركزية في هذا التحليل. فالحشد يملك مقومات كثيرة أكثر مما نستطيع عدّها، فالحشد يزخر بالمقومات أكثر مما نتصور. كما أن كينونته تقتضي منه تدمير كل سيادة كيفما كانت وتحقيق الديمقراطية.
يختلف مفهوم الحشد عن مفاهيم الشعب والجماهير والطبقة العاملة. كما أن الحشد لا يحيل على "كيان سياسي جديد". الحشد يُحيل على تشكل شبكة تخترق الأمم والقارات وتسمح بالعمل والعيش المشترك والحفاظ على الاختلافات. الحشد هو عبارة عن طبقة شاملة، طبقة على الصعيد العالمي. تشكلَ الحشدُ في ظل السيادة الإمبراطورية الحالية، لذلك يعمل على الإطاحة بها، وعلى التخلص من كل سيادة. وما يميز الحشد عن الطبقة العاملة هو علاقته الوطيدة بمفهوم السيادة التي يرفضها. فالحشد يرفضُ أن يكون في وضعية سيادة لأنه يرفض كل أنواع السيادة.