الكوجيطو الديكارتي كما يراه بول ريكور
محمد الهلالي
2024 / 10 / 6 - 22:22
["إن السؤال الذي يطرحه ديكارت هو: من هي الذات المفكرة التي توجد في مواجهة الأشياء (العالم)؟ لقد تم تحويل الموضوع المحوري في الفلسفة من الوجود (وجود الأشياء) إلى الذات المفكرة، نحو الإنسان المفكر.
وفيما يخص عقلانية ديكارت، نحن أمام مشكل الاستمرارية والقطيعة في نفس الوقت. فديكارت يبدو، فيما يتعلق بصيغ الفكر اللاعقلانية (المكتشفة في العصر الحديث مثل الرومانسية وفكر نيتشه وفكر التفكيك)، أكثر ارتباطا ودفاعا عن العقل الكلاسيكي، العقل اليوناني. لكنه لم يتصور نفسه كمجرد متمم أو مكمل. لقد أدرك الاختلاف مع القرون الوسطى من خلال استعمال مغاير للعقل، أي استعمال للعقل يقوم على المعرفة العلمية. وهذه العلاقة الجديدة ما بين العقل والعلم الرياضي والفيزيائي منحت وجها جديدا للعقل.
يمكن القول أن الفلسفات قبل ديكارت كانت فلسفات للعقل، ولكنه قدم تعريفا جديدا للعقل استنادا على العلوم.
إن الرهان الأساسي الذي تعبر عنه عبارة ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود" هو معرفة هل هذه هي الحقيقة الأولى؟ وتبدو عبارة ديكارت هذه (أنا افكر إذن أنا موجود) عادية جدا. لكن ما ليس عاديا فيها هو القول إن الفلسفة تبدأ معها باعتبارها إثباتا. أي مكانة هذا الإثبات كأول حقيقة وكحقيقة أولى.
وما يجعلها أيضا عبارة غير عادية هو كونها نتجت وتم الحصول عليها مقابل ثمن كبير هو الصراع الداخلي الذي يمر عبر الشك. يتعلق الأمر بشك شمل كل شيء، شمل ظاهر الأشياء (لنفترض أن هذا العالم كله ليس إلا حلما) والرياضيات (لنفترض أن الرياضيات خاطئة) والحقائق الميتافيزيقية التقليدية (لنفترض أنها خاطئة)، فماذا تبقى؟ ما تبقى هو أنه بالرغم من أن كل هذا خاطئ ووهم فأنا أفكر: بما أن الإنسان يشك، فمعناه أنه يفكر. لذلك، قبل أن اقول: "أنا افكر إذن أنا موجود"، ينبغي أن اقول "أنا أشك إذن أنا افكر"، وهذه الصيغة تمنح قوة هائلة لهذه العبارة.
تمت نقاشات وحدثت نزاعات حول هذا الاكتشاف الديكارتي (أنا أفكر إذن أنا موجود) بسبب الحرف الذي يتوسط العبارة وهو "إذن". فالمنطق في عهد ديكارت كان أرسطيا، وتمثلَ في القياس. لو كانت عبارة ديكارت هذه قياسا لكان ينبغي أن تصاغ بالشكل التالي:
كل الذين يفكرون موجودون
أنا أفكر
إذن أنا موجود
لكن من أين سنأتي بالجملة الأولى (كل الذين يفكرون موجودون)؟ لم يرد ديكارت بالتعبير بهذه الكيفية ولا قول ما تضمنته. فالحرف "إذن" له معنى فريد. أي أنه متورط ومتضمن في فعل التفكير والوجود. والتعبير الحقيقي قد يكون هو: "أوجدُ مُفكرا"، وبهذه الصيغة سيختفي الحرف "إذن"، وبالتالي لن يتعلق الأمر بقياس وإنما بحدس حقيقي..."]
..................................................................
♦ [تعليق دونيس مورو (Denis Moreau) على موقف بول ريكور:
"لست متفقا مع بول ريكور فيما قاله عن الكوجيطو. هناك صيغتان للكوجيطو:
أ) صيغة على شكل استنتاج (أنا افكر إذن أنا موجود)
ب) صيغة أخرى توجد فيها القصيتان جنبا إلى جنب بدون "إذن" (أنا افكر، أنتا موجود)
والسبب في اللجوء إلى الصيغة الثانية هو افتراض انعدام قوانين المنطق، ففي هذه الحالة لن أتمكن من استعمال "إذن"،. وهنا سيتعلق الأمر بحدس"].
................................................................
♦ المرجع:
من حوار أجراه معه المعهد الإيطالي للدراسات الفلسفية (1987)
- Naples, Institut Italien d Études Philosophiques, Palais Serra di Cassano. 1987.