ذكرى إعلان تأسيس جمهورية أريف


كوسلا ابشن
2024 / 9 / 23 - 21:41     

"لا أرى في هذا الوجود إلا الحرية، وكل ما سواها باطل" محمد عبد الكريم الخطابي, رئيس جمهورية أريف.
قبل أيام من هذا الشهر, خلد الشعب أريفي في الداخل و في الشتات, ذكرى إعلان قيام جمهورية أريف المستقلة, التي أسسها الثوار أريف, يوم 18 سبتمبر 1921م, إثر الهزائم المتتالية للإستعمار الإسباني, و أشهرها ملحمة أنوال التي دفعت بالإستعمار الى الإنسحاب من أغلبية أراضي أريف. بفضل ملحمة أنوال أعلن الثوار تأسيس جمهورية أريف.
قاد محمد عبد الكريم الخطابي شعبه في حرب تحررية ضد التوسع الإستعماري بالمنطقة, و رغم التفاوت الهائل بين الجيش الإستعماري النظامي, و ما يملك من ترسانة من الأسلحة الثقيلة, و بين مقاومين قليل العدد و العدة, فإن المقاومة أريفية الأمازيغية أستطاعت هزم الإستعمار في كثير من المعارك, و أبرزها ملحمة أنوال الخالدة, التي حطمت الآلة العسكرية الإستعمارية, و ألحقت به أكبر هزيمة لجيش أوروبي في تاريخ الحروب الإستعمارية. لقد تمكنت البندقية الأمازيغية بقيادة قائد ثورة أريف محمد عبد الكريم الخطابي من تحطيم عجرفة الجنرال سيلفستر, و سحق جيشه المكون من 20 ألف مجند. لقد كبدت أنوال خسائر فادحة في صفوف جيش الإستعمار, فقد سقط في المعركة من جانب الجيش الاستعماري, حسب بعض الوثائق 13 الف قتيل, بينهم الجنرال سيلفستر المتغطرس, وأسر 700 جندي إسباني, وغنم الثوار ترسانة من الاسلحة الخفيفة والثقيلة, وأدوية وأجهزة طبية و مؤونة. نتيجة هذا الانتصار العظيم, تم الإعلان عن تأسيس "الجمهورية الاتحادية لقبائل أريف" والتي عرفت ب"جمهورية أريف".
بإعلان تأسيس دولة أريف, نودي بقائد المقاومة محمد عبد الكريم الخطابي رئيسا للجمهورية الفتية, دولة ريفية مستقلة, تملك كل مقومات الدولة العصرية بمؤسساتها الدمقراطية. إستطاعت حكومتها في وقت وجيز, صياغة دستور للبلاد و تشكيل مجلس وطني ( البرلمان), و إدارة مدنية موحدة. و قامت الحكومة أريفية بمجموعة من الإصلاحات في مجالات مختلفة مثل القضاء و التعليم و الصحة والإصلاح الجبائي, كما بدأت في بناء الطرق والجسور وخطوط الهاتف, و تشكيل جيش نظامي للجمهورية.
الجمهورية أريفية قامت على أسس حداثية و دمقراطية, حاولت القطع مع التشريعات التقليدية البالية, و تصدت لهيمنة الإديولوجية الدينية في الحقل السوسيو ثقافي و السياسي. منذ التأسيس و الحكومة جاهدة في البناء و التشييد و عصرنة التعليم و تحريره من ثقافة التجهيل و التخلف و الظلامية الفقهية. كان الخطابي معجب بسياسة مصطفى أتاتورك و بنظامه العلماني, في الحد من سيطرة شيوخ المساجد و الزوايا و تدخلاتهم في سياسة تسيير البلاد و التحكم في شؤون الشعب.
(التحالف الفرنكو-الإسباني والبيدق العروبي), شن حرب غير عادلة و اللاأخلاقية و اللاقانونية ضد جهمورية أريف الأبية, لكن المقاومة البسالة لجيش أريف, الصغير بعدده و عتاده, و الكبير و العظيم بإرادته في التحرر و الإستقلال, قد ألحق بالإستعمار الثلاثي هزائم نكراء في أكثر من موقع. أحست دولة الحماية بالتهديد لمصالحها في المنطقة و الخطر على إستمرار بيدقها آل علوي في التحكم بالسلطة الرمزية, ولهذا إتخذت فرنسا قرار تدمير جمهورية أريف بالتحالف مع إسبانيا و المخزن آل علوي. ولتنفيذ إستراتيجية القضاء على الجمهورية, دفعت بقواتها المسلحة نحو أريف, فقد جند الفرنسيون للحرب 325 الف جندي وجندت اسبانيا 140 الف عسكري و ألحق بهم جنود المخزن آل علوي العروبي, ب 40 الف جندي. أنفقت فرنسا وحدها 1.8 مليار فرنك على الحرب. كان لدى التحالف الإستعماري أكثر من 300 طائرة, بما في ذلك سرب من الولايات المتحدة, داعم لقوى التحالف, في حرب غير عادلة شنها التحالف الاستعماري الاوروبي و العروبي. لم تنجح القوة الإستعمارية في إضعاف مقاومة الشعب أريفي الأمازيغي, إلا بعد قصف الطيران الإستعماري فصائل الجيش و التجمعات البشرية بأريف بالسلاح الكيمياوي. لم تكون الجمهورية الفتية قادرة على التصدي للسلاح الدمار الشامل, و بفشل التوصل الى سلام عادل, إستسلم في الأخير الرئيس و أعضاء حكومته للمستعمر البربري الهمجي, تجنبا لآبادة الشعب أريفي بالسلاح المحرم دوليا. كانت حرب أريف أول حرب كيميائية جوية في التاريخ الإستعماري.
أخفقت دبلوماسية الجمهورية في إيقاف الحرب و منع حدوث السقوط, فالزمن كان عصر الغطرسة و البربرية الاستعمارية, و تحالفها المقدس شرعن لهذه الغطرسة و الآبادة الجماعية لشعب أريف, و رفض الإستجابة لرسائل رئيس جمهورية أريف الداعية للسلام و نبذ الحرب.
تخليد ذكرى تأسيس جمهورية أريف, رسالة للإستعمار العروبي, بأن إرادة الشعب أريفي لن تقهر, و مشروع الجمهورية, سيصبح في زمن الثورة التحررية حقيقة مادية. و ما الإنتفاضات المجيدة التي عرفها أريف في حقب مختلفة من تاريخه المعاصر, إلا تعبير عن النضال الدؤوب من أجل تحقيق مشروع رسبوبليكا.
المعانات و المأساة التي يعيشها الشعب أريفي نتيجة سياسة الإضطهاد القومي و الإجتماعي و الإستبداد الممنهج, و الإذلال اليومي و إهانة كرامة مواطني أريف من قبل أجهزة القمع آل علوية و الإدارات المخزنية, ستكون حتميا في الزمن المواجهة, خاتمة وجوده الإستعماري. هذه الأوضاع هي المقدمات الموضوعية لبروز وعي ذاتي تحرري, سيحدد الدرب النضالي للشباب أريفي ضد سياسة إنتهاكات حقوق الإنسان في أريف المغتصب, النضال الموجه من أجل تحرير أرض أريف من الإحتلال, و تقرير مصير الشعب أريفي في دولة مستقلة, تقدمية, دمقراطية و معادية للإستعمار و الإمبريالية.
المشروع التحرري أريفي جزء من ذاكرة أحرار و حرائر أريف, و شمس أريف ستشرق من جديد.
المجد و الخلود لشهداء جمهورية أريف