الانتخابات التونسية في مهب الريح - براني سموم-
محمد نجيب وهيبي
2024 / 8 / 28 - 07:51
انتخابات في مهب الريح " برّاني سموم " ...
الجلسة العامة للمحكمة الادارية تصرّح اليوم 27 أوت ( وهي عبارة على محكمة تعقيب ) بإعادة عبد اللطيف المكي ( حركة النهضة ) الى سباق رئاسية 2024 طاعنة بذلك في القرارات السياسية بإسقاط ترشّحه في طورها الابتدائي من قبل هيئة الانتخابات وفي طورها الثاني في الاستئناف من قبل قاضي اداري .
ولئن كان في هذا القرار تمسّك بالقانون و أعلاء من شأن سلطة القضاء الاداري ( الذي عوّدنا عموما منذ عهد الديكتاتورية البنعلية على مواقفه الاستثنائية الساندة لدولة القانون فإنّه يحمل رسالتين متحملتين هامّتين :
- 1 - أن الجلسة العامة للمحكمة الادارية ( الدوائر المجتمعة ) تطعن في استقلالية وحيادية " الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" وتُقيّد أسطورة ولايتها المطلقة على الانتخابات .
- 2 - أن مؤسسات الدولة( وخاصة مؤسسات إنفاذ القانون ) لم تعد واثقة من استدامة الامر الحالي على ما هو ولم تعد قادرة على المغامرة بمواقعها في ظل مستقبل سياسي غير واضح المعالم وهي بهذه الخطوة تسعى للنأي بنفسها و الحفاظ على خط عودة أخير .
وهذا يفتح على أربع او خمس سيناريوهات ممكنة في الأمتار الاخيرة لسباق هذه الانتخابات الرئاسية غير المسبوقة وغير مفهومة الافق .
● 1 إمّا أن تخضع هيئة "بوعسكر" لقرارات الجلسة العامة للمحكمة الادارية وتنهي بذلك حيادها واستقلاليتها " المزعومة" وتقبل بانتقاص ولايتها المطلقة على الانتخابات وتفتح بابا واسعا على إمكانية إنهاء مسار الفوضى والتخبّط و الشعبوية السياسية الحالي بما فيه وجودها نفسها بتركيبتها الحالية .
● 2 أن تتعنّت هيئة الانتخابات وتتمترس خلف أوامر شق من السلطة التنفيذية وترفض انتقاص "ولايتها الاسطورية المطلقة " على كل المسار الانتخابي وتدخُلَ وتُدخِلنا في صراع سلطوي-سلطوي و سلطوي-مدني-مواطني ، ينسف كل العملية الانتخابية ومسار السلم الاجتماعي الهش من أساساته كلها دفعة واحدة .
● 3 أن يكون اغلب الامر مجرد ترتيب سُلطوي-سلطوي في إطار قرصات أذن متبادلة في اطار التفاوض الداخلي ( ماكينة دولة في بعضها ) خاصة بعد رجّة التحوير الوزاري الاخير و التهديد بتحوير ولاة بالجملة
● 4 إرجاع " إخوانجي" الى السّباق لاستعماله فزّاعة من أجل استنفار الناخب واستنهاض همم العداء الهووي ضد " تيار الإسلام السياسي " و خطر أخونة المجتمع والدولة مع ما يحمله من خطايا عشرية الحكم السابق " السوداء " ، خاصّة وانّ مشروع الرئيس الحالي يتعرّض لهجمات عدّة مما انتج رجّات ظاهرة في شعبيته نتيجة الفشل الكلي لجماعته في خلق اي نجاحات اقتصاديا ، اجتماعيا ، سياسيا ، دبلوماسيا وخطابيا .
على كل حال لا يزال كل المسار ضبابيا مع ارتفاع وتيرة المطاردة على خلفية الرأي و التضييق على النشاط السياسي والحقوقي والنقابي والتعسّف على تعددية الترشّح للانتخابات الرئاسية ، مع تصاعد وتيرة " ابتذال مؤسسات الدولة والقانون " و تنامي نزعة التفرّد بالحكم .
ننتظر مصير بقية الطعونات التي ستنظر فيها الجلسة العامة للمحكمة الادارية الخميس 29 أوت 2024 ( واهمها الزنايدي " تجمّع نظام بن علي" و الدايمي " هجين قوى الثورة و بقايا ترويكا ما بعد 2011 " ) خاصّة وكونها كلها طعون تتعلّق بحقوق اساسية وتطعن في تعسّف هيئة الانتخابات وارتكازها على شكليات ادارية لاسقاط حقوق اساسية وقانونية دون وجه حق ، وبعدها سنحكم على بقية السيناريوهات الممكنة في مثل وضع إقليمي ودولي متحرّك وخطير ( تصاعد التوتر المسلح في ليبيا ، انتخابات جزائرية سابقة لاوانها وسابقة لنا في ظل توتر حاد في العلاقات الفرنسية-الجزائرية ، والجزائرية-المغربية ، بوادر عودة التوتر المسلّح في مالي ، ارتباك في الدبلوماسية التونسية وخاصة مع الشركاء الاقتصاديين الاستراتيجيين و التغيير الفجئي في سياسة عدم الاصطفاف و الانحياز دون تخطيط مسبق .... الخ ) .
☆☆☆ 5 - ويبقى السيناريو الأصعب المحاججة بكل ما سبق في إطار صفقة للمرور بالفصل 90 من الدستور ( خطر داهم ، استحالة إجراء الانتخابات، فوضى ...الخ ) لإلغاء كل المسار الحالي وتمديد فترة الرئاسة حتى يتم تهيئة الفضاء التونسي لتسويات داخلية دولاتية-دولاتية و خارجية اقليمية-دولية وضمان خروج آمن لاصحاب السلطة الحالية