دعاء الصوفي في قصيدة -مولاي- مأمون حسن
رائد الحواري
2024 / 4 / 22 - 18:48
دعاء الصوفي في قصيدة
"مولاي"
مأمون حسن
"مولاي
هل يبصر آلام الروح سواكْ!!
هل تترك أزهارَ الأرضِ تضيعُ سدى!!!
فامنحنا حُبًا فوق الحبّ،
ورفقًا فوقَ الرفقِِ،
وصبرًا وهدى
وامسح ارواحَ عبادِك -أهل الصفّة- بالنورْ
واحشر عُبّادَ السحرةِ في ضيقِ الذلّ وشتتهم بدَدَا
مولاي
هب للعاشقِ رشدا".
هناك خط/لغة شعرية خاصة بالشاعر "مأمون حسن" حيث نجد البعد الصوفي واضحا فيما يقدمه من قصائد، فهناك لغة خطاب صوفية، وهناك الاختزال والابتعاد عن الشرح والخوض في التفاصيل، بحيث تصل الفكرة إلى الله، وإلى المتلقي بطريقة مختصرة وواضحة، كما أن شكل تقديم القصيدة وما فيها من ألفاظ تؤكد البعد الصوفي عند الشاعر.
سنحاول التوقف عند قصيدة "مولاي" لنعطي المتلقي صورة عن هذا الصوفي المتعمق/المتوحد/المتماهي مع الله، وقت الشد نلجأ إلى الله، ليس لأنه مخلصنا وراحمنا فحسب، بل لأنه مُوجدنا بهذا النبل والمقدرة على الصبر والجلد، وأبقانا مؤمنين رغم هول ما نمر به، إن كان ترهيبا أو ترغيبا، "الشاعر "مأمون حسن" قدم نموج لهذا الأمر من خلال قصيدة "مولاي" التي يفتتحها بتمجيد لله:
"هل يبصر آلام الروح سواك"
فالشاعر يتجاوز/يبتعد عن تناول آلم الجسد رغم شدتها، وهذا يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلا إنسانية الشاعر الذي ابتعد/تجاوز آلم الجسد، فخاطب الله بألمه كإنسان يشعر/يحس بالوجع النفسي أكثر من الوجع الجسدي، بمعنى أنه يتحاوز المادي/الملموس إلى النفسي/الروحي.
وهذا الخطاب بالألم الروحي له علاقة بطريقة تفكير/خطاب الشاعر الذي يتعامل/يفكر بما هو روحي/إيماني، لكن الشاعر لا يخاطب خالقه فحسب، بل يريد أن يقوم بدوره كنبي/كشاعر يحيى في مجتمع وعليه التزامات تجاه شعبه/أمته/قومه من هنا استخدم صيغة السؤال: "هل" يقدم (المتشككين/الضعفاء/العاديين) من الإيمان بالله وبالنصر القادم، من هنا كرر صيغة السؤال:
"هل تترك أزهار الأرض تضيع سدى!!"
فرغم أن السؤال موجه لله، إلا أن المقصود به هو المتلقي/القارئ، فهو بهذه الصيغة يؤكد أن هناك رب/خالق لن يترك عبادة وسيكون معهم، عاجلا أم آجالا.
قلنا أن علاقة الشاعر بالله علاقة روحية وليس مادية، لهذا يطلب من اله مساعدة/دعم روحي "الحب":
"فامنحنا حبا فوق حب"
اللافت في هذا الطلب ليس الفكرة فحسب، بل الألفاظ التي جاءت به، فتكرار "حبا/حب" له علاقة بالبعد الصوفي عند الشاعر، وما (تجاوز) الشاعر لذكر الله المخاطب مباشرة، إلا من باب الحضور الكلي والشامل لله، فهو حاضر وموجود في كل مكان وزمان، لهذا لم يتم مخاطبه مباشر: يا الله/يا رب.
الذروة تأتي في المنتصف/الوسط "وقال أوسطهم" في هذه القصيدة نجد ذروة توحد/تماهي الشاعر مع الله في هذا المقطع:
"ورفقا فوق رفق"
حيث نلاحظ تكرار حرفي الفاء والقاف في "ورفقا، فوق، رفق" وإذا ما توقفنا عند طريقة لفظ حرف الفاء وما فيه من مد، حيث يشير إلى الألم، وطريقة لفظ حرف القاف ما فيه من (قسوة) نصل إلى حجم الألم الكامن في الشاعر، والطريقة الهادئة/الناعمة التي يخاطب بها الله.
فهذا التوازن/التناغم بين الألم الداخلي وطريقة إخراجه/إظهاره هي ما يميز الصوفي المتماهي مع الله، فهو لا يريد أن يظهر ألمه أمام خالقه لأنه يعلم أن خلقه عليم، فكان هذا الخطاب (المبطن) هو الذي يليق بالله/المخاطب.
بعد أن وصل الشاعر إلى الذروة، (يتخلى) عن مخاطبة الله بصيغة نحن/"فامنحنا" ويأخذ دوره كنبي ـ (الوسيط) بين الناس وخالقهم ـ من هنا نجد يخاطب الله نيابة عن الناس/عن شعبه/أمته:
"وامسح أرواح عبادك ـ أهل الصفة ـ بالنور
وحشر عاد السحر في ضيق الذل وشتتهم بددا"
إذا ما توقفنا عند هذا المقطع سنجده (خارج) السياق السابق، فنجده مباشر/عادي، (لا يوجد) في عمق كحال من سبقه، وهذا يعود إلى العامة، الفئة المستهدفة من هذا الخطاب، فرغم أن الخطاب/الدعاء موجه إلى الله، إلا أن الشاعر أراد به إيصال/تأكيد فكرة الإيمان بالله ودورها في تحقيق الهدوء/السكينة للمتلقين المتلهفين للخروج من هذا البؤس/الشدة والوصول إلى الفرج والتخلص من الواقع القاسي.
يختم الشاعر القصيدة بطريقة التي افتتحها:
"مولاي
هب للعاشقين رشدا"
فمن خلال الخاتمة نجد أن الشاعر (أنهى) دوره كوسيط/كنبي بين أمته والله، وها هو (يعود) إلى اتصاله بالله، جاعلا هذا الوداع مثلا/نموذجا على التوازن بين مخاطبة الله ومخاطبة الناس، فالدعوة متعلقة بالعاشقين/بالناس، وعندما دعا الله لمد عبادة/العاشقين ب"رشدا" وليس بالسلاح أو العتاد أو الجنود، أكد العلاقة الروحية/الإيمانية التي تربطه بالله.
هذا على صعيد ما جاء خلف ما تحمله الألفاظ من معنى، لكن إذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة سنجد لغة صوفية بامتياز: "مولاي (مكرر) يبصر، الروح/أرواح، تترك، ورفقا، فوق، الرفق، صبرا، هدى، وأمسح، عبادك، أهل الصفة، بالنور، عباد، للعاشقين" كما أن تكرار بعض الألفاظ: "مولاي، فرقا/ الرفق، حبا/حب، عبادك/عباد" تخدم حالة التوحد/الحلول بين الشاعر والقصيدةـ فبدا وكأنه أسير لألفاظ بعينها، وهذا يخدم حالة الحاول/التماهي بين الشاعر وبين الله، وإذا علمنا أن الصوفي قارئ للقرآن الكريم ويستحضره في كلامه/قوله، سنجد هذا شواهد على هذا الحضور مصورة مباشرة من خلال: "رشدا" وغير مباشرة من خلال "فمنحنا، صبرا وهدى، عباد، ومسح، عبادك، واحشر"
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر
.