السلاسة والانسيابية في نصوص راوية الشاعر
داود السلمان
2024 / 3 / 30 - 00:15
تُعد السّلاسة سمة طاغية لكثير من شعراء قصيدة النثر، فضلا عن سواها، من الوان الابداع، وخصوصّا لدى شاعرات هذا اللون من الابداع الادبي، المسمى بـ "النثر". أما لماذا يلتجأنّ إليه أغلب الشاعرات؟، فنرى ، معتقدين، هو لكون المرأة أكثر من يحمل بذرة الإحساس، والعواطف الجياشة، من الرجل، وقد يعود ذلك، أي الاحساس والعاطفة، إلى للتركيبة البيولوجية للمرأة. وعليه نلتمس حنوّها على طفلها يفوق حنو الأب، لا سيما حين تعتني به وتُداريه، وتقوم بواجباته جميعها على أتم حال، ما يعجز أو يتضايق منه الأب أشدّ التضايق، سيما من بعض احتياجات الطفل المهمّة، وهو في عمر لا يتجاوز بعض الشهور، بعكس الأم تمامّا، فهي تكون مسرورة واكثر شغفا وحنانا، حينما تُلبي احتياجات طفلها، فتفعلها بدون كلل أو ملل وهي في غمرة السعادة.
هذا من باب، وأما من باب ثان، نلاحظ أيضًا، العديد من الشاعرات، وفي معظم نصوصهنّ، تمتاز بالانسيابية، وعدم إرهاق النص بالكلمات الرنانة، الفضفاضة، التي دائمًا ما نجدها لدى الشعراء منهم، كذلك، بالتالي فأنّ الانسيابية لا تقل أهمية عن السلاسة، كون الأولى لا ينفر منها القارئ مهما كانت ثقافته، ومعرفته بمختلف صنوف المعارف والثقافات، ومن ثمة امتلاكها، خصوصًا المعرفة الأدبية، فهذه المعرفة تمتاز بالشفافية، أكثر من سواها، أعني النصوص الفلسفية، أو ما يخص العلوم الأخرى، مثل العلوم الاجتماعية، وعلوم النفسية والتحليل النفسي، وما شابه ذلك.
المبدعة راوية الشاعر، وخصوصًا في هذا النص، الذي تحت أيدينا الآن، فهو نص غارق بالسلاسة، وعاج بالانسيابية، بل أن لغته المبسطة تجعل النفس الخفاقة بالبوح تهفو اليه، لاسيما النفس الذواقة للبوح الهادف للمحبة، والشغف، والتطلّع الى وجه الحبيب الغائب، الذي نرى محياه مرسومة على لوحة ذلك الغياب، و يتجلى خياله على مرآة الذاكرة وهو يصدح بالأماني المتعلقة بأجنحة الاياب، وهي سمة صادحة عند المحبين.
وإذا كانتا السلاسة والانسيابية، ممدوحة لكثير ممن يتعلق بذينك الصفة الخالية من التعقيدات، والفلسفات التي يضيق فيها الأفق المعرفي، بكل تجلياته. فهذا لا يعني بأنّ النص، الخاضع للسلاسة والانسيابية، نصًا غير باذخ ويرزح تحت اعباء التقوقع، كلا، فأن كثيرا من النصوص يسودها طابع الجمال، ويشعر القارئ، للوهلة الأولى، أنه يلتمس الانسيابية والمرونة، أعم واكثر مما يضيع وقته في كلمات رنانة، قليل ما ينسجم وايقاعها.
رواية الشاعر بهذا النص، أثبتت القابلية على الامساد بخيوط القصيدة السلسة، المُعبرة عن فيوضات المشاعر الجياشة، فتسكبها في اناء الابداع الشعري.
*النص:
استعنتُ بـ نبضكَ
كي أحرر الشريان
من رتابة قلب
يقرعُ بإيقاع أخرس
استنجدتُ بـ رمشكَ
لعلي أقبلُ فتيان الضوء
في سر النوافذ
لجأتٌ الى خندقكَ
لأحمي حدساً مؤجلاً
من حراب الكهوف
أجرتُكَ للعتق من خيمة اليقين
كي أشعلَ ناراً للشك
يؤمنُ بها تنورُ عقلي
سألتكَ الإشراكَ بـ الكسل
لقيامة تشوي الروائح
في زجاجة صدري
استحلفتكَ بـ هدنة أصابعكَ
أن تُصالحَ هدوء الدفاتر
على فوضى التواقيع
لبيتكَ شعاراً
يكنسُ البردَ
عن ثورة تحتضرُ في توابيت القصائد
هتفتُ بكَ زغاريد نجوى
تضربُ الطبول
في احتلال وعيي
ابتكرتُكَ طقساً
ينحرُ الأقفال بـ مفاتيح أفكار
تُطلقُ سراح الفراشات
من سراديب الوصايا
طلبتك بساطا
يعلم السحب افتراض النجوم
سير الكواكب
على عشب أخضر.