تمرد المرأة في مجموعة -امرأة اللوحة- جميلة عمايرة


رائد الحواري
2024 / 3 / 26 - 00:50     

تمرد المرأة في مجموعة
"امرأة اللوحة"
جميلة عمايرة
أهمية أي إصدار أدبي تكمن في المتعة التي يقدمها للمتلقي، ثم الموضوع/الفكرة التي يحملها، قلة من الكاتبات تناولن مسألة حرية المرأة، أعتقد أن "منى الجبور وعالية ممدوح" من أوائل الأديبات في المنطقة العربية اللواتي تناولن مسألة حرية المرأة، والمقصود هنا الحديث عن حاجة المرأة الجسدية والعاطفية للرجل، ففي المنطقة العربية نعيش المرأة حالة من الاضطهاد والقمع، تمنع حتى الرجال من الحديث بهذه الأمر، فكيف بالنساء!
مجموعة "امرأة اللوحة" مكونة من عشرة قصص، بغالبيتها تتحدث عن هموم وحاجات المرأة العاطفية والجسدية، وبما أن الحديث عن المرأة من المواضيع الجاذبة للمتلقي، وبما أن صوتها محفز ومثير، فإن المجموعة تعد من القصص المتميز على مستوى الموضوع.
أما فيما هو متعلق بالشكل وطريقة التقديم، فقد جاءت القصص بطريقة سلسة وبلغة جميلة، وبشكل بعيد عن المباشرة، وهذا أعطاها السمية الأدبية والفنية، بحيث يعجب القارئ بالطريقة والشكل الذي قدم به، كما يعجب الأفكار التي تتناولها.
القصص جاءت من خلال القص الخارجي، ومن خلال أنا القاصة، وهذا التنوع يحسب للمجموعة، بحيث لا يشعر القارئ أن هناك (جبن/خوف) في تناولها للمواضيع الحساسة، فصيغة أنا القاصة في تناول الحاجات الجسدية والعاطفية تعطي القارئ البسيط صورة عن (فحش المرأة/القاصة) بينما في حقيقة الأمر، طرح هذه المواضع يمثل طرق جدران الخزان، جدران المجتمع الذكوري الذي يضطهدها ويعاملها كشيء جامد ليس فيه روح أو حياة.
جراءة القاصة تبدأ في القصة الأولى "اسمي" التي تحدثت فيها عن نفسها: "ربما يتشكل اسمي من خمسة أحرف، أو أقل.
خمسة أحرف أم أربعة، باعتبار أن التاء في آخره هي تاء التأنيث مربوطة لا تحل" ص11، فالحديث عن نفسها هنا ليس مباشر، لكن المتلقي يستطيع أن يصل إلى أنها تتحدث عن "جميلة" وهذا الشكل من الطرح يحسب لها، فهي لا تقدم (ذاتها) بطريقة سهلة/عادية، بل من خلال الأدب، القصة، هذا الفنية امتزجت مع فكرة القصة التي تحدث عن حالة المرأة: "بالرغم من أنني أسمع طقطقة أحرفه التي تشبه طقطقة أوراق خريفية صفراء تحت أقدام المارة" ص11، هذه الفقرة تمكننا من الاستنتاج/الوصول إلى حالة الاضطهاد/القمع التي تمر بها المرأة.
في قصة "خشية" نجد أيضا حالة التعب/اليأس التي تمر بها القاصة تقول: "أنا امرأة فاشلة، أجل، امرأة خائبة في كل شيء" ص27، وكأنها بهذا (الاعتراف) تتمرد على المجتمع الذي يعتبر صوتها عورة، ويريد أن يكتم صوتها ومعاناتها، فتكررها في موضع آخر: "أنا امرأة خائبة، غبية، ومضللة" ص28، فهي تؤكد نفورها مع واقعها البائس.
في قصة العنوان "امرأة اللوحة" تتناول الكيفية التي يتعامل بها الزوج مع زوجته، الرجل مع امرأته، فهو يهملها متابعا اللوحة على الجدار: "أكملت طلاء أظافر القدمين وفردتهما أمامها في مجرى الهواء ليجفا بسرعة.
أنتظر دون كلام، أن يبادرها بالحديث، عن أي شيء، لكنه لم يفعل، التزم الصمت حاجزا وأمانا" ص35، فهنا طرحت القاصة صورة عن طبيعة الرجل الشرقي الذي يعامل المرأة على أنها مجرد متاع ليس أكثر.
في قصة "زمن طويل" تتجرأ القاصة أكثر وتبدأ ثورتها الحقيقة مبديه فعل المرأة المتمردة: "ثم بدأت تقترب منه أكثر، تمسد شعره المسترسل حينا، وتقبل عنقه بعد أن تقضم شحمة الأذنين حينا آخر" ص41 لكل هذا الرجل لم يكن لها بروحه، بل بجسده فقط: "أغمض عينيه.
كانت روجه تهيم في مكان آخر، وجسده ساكن وبعيد.
أحس بالغثيان.
ترك لها جسده تفعل به ما تشاء، عل نبضا منه يطلع يطفئ عطشها.
بقى ساكنا.
حاول أن يستجيب لحركات أصابعها المتشنجة المتوترة، بلا جدوى" ص41، اللافت في هذه القصة أنها أعطت القارئ صورة عن بلادة الرجل الشرقي، وعن جرأة المرأة التي تحدثت عن حاجتها للرجل.
هذا التمرد تكرر في قصة "رواية أخرى" من خلال الحديث عن لقاء بين امرأة ورجل في فندق على البحر، فيحدث بينهما ما هو موجود في (الروايات) من لقاء حميم: "ضربها التيار الساخن من جديد. لم يقل شيئا آخر. نهض يهمس كأنه يسحبها كالمنومة خلفه: ألحقي بي. سأنتظرك.
وأحست مجددا بأنفاسه الحارة تلفح عنقها، وتجعل جسدها كله يرتعش.
... وتعرف أنه سيجذبها إليه بيديه الدافئتين، لا سواهما، تماما كما في الرواية التي تركتها فوق سريرا في الغرفة" ص 48و49، جمالية هذه القصة في الطريقة التي قدمت بها، فالأحداث فيها مرتبطة بما يجري في (الرواية) مما أعطا القصة لمسة ناعمة تمثل حلم كل فتاة تريد أن تقيم (مغامرة) مع رجل.
التمرد الأكبر جاء في قصة "غواية" التي قدمت بصيغة أنا القاصة، وهذا أول قصة في المجموعة تتناول موضوع (حساس) بهذا الطرح: "أول ما سأفعله هو أن أرتدي الجيز الأزرق مع "تيشرت" قصير يبرز منطقة السرة وما حولها، أو ألجأ إلى خيار آخر لا يقل خطورة عن الأول، تلك البلوزة التي تبرز ملتقي الثديين" ص53، ولم يقتصر الأمر على اللبس فحسب، بل طال أيضا هذا الفعل: "وبدون أية مقدمات سأدعه يضاجعني" ص54، وهذا ما يجعل تمرد القاصة في تصاعد، ففي كل قصة هناك ما هو جديد وغير مألوف للمتلقي.
في قصى "اللعبة" تتحدث عن شقيقتين، تطلق أحدهما، تعود إلى بيت أهلها لتتقاسم غرفة شقيقتها، تبدأ المطلقة بمراقة هاتف شقيقتها العزباء التي تتواصل مع (حبيبها) فتجد عبارة "أريد أن" فتتدخل المطلقة مباشرة وتكمل الفقرة وتكتب على الهاتف: "أريدك أن تضاجعني" ص66 ليأتي الرد منه: "وأنا أيضا أريد أن أضاجعك" ص66، لكن المطلقة لا تكتفي بهذا بل تتوغل أكثر في حديثها عما تريد أن يفعله بها: "أريدك أن تبدأ في "..." وأن "..." ص66، اللافت في هذه القصة انه قدمت حاجة المرأة بطريقة تمزج بين التصريح والإيحاء، مشيرة إلى أن المرأة المطلقة كحال الرجل المطلق، يحتاج كل منهما إلى ما يلبي حاجته الجسدية.
المجموعة من منشورات أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة لأولى 2012.