النسق السّردي في (أبواق صاخبة) للقاص حسين الرفاعي
داود السلمان
2024 / 3 / 15 - 18:51
لكلِّ عمل أدبي ناجح، كالرواية والقصة على وجه الخصوص، لابد من نسق سردي، ويجب أن يكون متماسكا؛ ومتوائم والبنية للعمل، بل ويخضع لشروط ذات العمل، وحيث بها تتحقق اهداف العمل، وبها يتم الغرض، من الناحية الفنية والنسقية.
وهناك بعض من الأعمال الأدبية، لاسيما القصص القصيرة منها، غير ملتزمة بتلك الأنساق كأنها غير معنية، أما كاتبها يجهل تلك الشروط، أو أنّه يتقصّد ذلك، لسبب أو لآخر؛ وهذا الكاتب الذي ذكرناه، لا يعنينا بالمرة، إنما أشرنا إليه إشارة من باب المقارنة والتوضيح وبيان الفرق، ليس إلّا.
نقول هذا، وتحت أيدينا قصة قصيرة جدًا، بعنوان "أبواق صاخبة" للقاص حسين الرفاعي، والرفاعي هذا، كما يبدو، متمكن من حرفته في أنساق البنية القصصية ومدياتها، ويجيد العمل عليها، وقد تفوته بعض الأشياء؛ لكن لا تنقصه الخبرة والحرفية العالية، ويمتلك الادوات التي تساعده في بناء الهيكلية العامة للعمل الابداعي، بحسب وجهة نظري البسيطة.
والقصة هذه لا تخلو من رمزية، وإن كانت بسيطة وتحتاج الى أكثر حبكة، و وغول باللغة والبيان، كي تشدّ القارئ وتجعله يذهب الى أكثر من تفسير وآخر، وهذا شرط مهم في العمل الابداعي في النصوص القصصية.
ولكي لا نغمط الكاتب حقه، فثمة ضربات لعب فيها، ليناغم القارئ للتفاعل والمشاركة في أيجاد حلول لازمة في الدوامة الداخلية لأجواء القصة، في تحريك اللاعب الهام والاساسي، وتوجيهه التوجيه الصحيح، لأنه القصة بل وكل عمل إبداعي، هو بمثابة عقد مُبرم بين الكاتب والقارئ.
وتتمثل الضربات، والتي جاء بنسق شعري، في:
(1) تلهب أفكاره سياط الخوف والرهبة.
(2) يحدث وريقات الماضي السحيق.
(3) تيارات قوية، تقوده الى الماضي البعيد.
(4) يحصد واحات الغضب والانتقام بالعزلة.
(5) تدفعه نزعات الجموح.
نص القصة:
أبواق صاخبة
راح في مسارب الغيوب، تلهب افكاره سياط الخوف والرهبة، تنتابه طعنات ابيه الغادرة، بنار الغضب والجنون.
يجلس على مقربة من جسدها، قيد خطوة باكيا صارخا، أماه اماه، بجسد خائف مرتجف، وعيونه الناطقة بالخذلان وعزلة الطفولة، انا بريئة، انا بريئة، فهرب من ليلته الظلماء، يطرق ابواب الخوف ووحشية ابيه، والالم الدفين يعتصر روحه، صدى صوتها المتكرر، طعنات ابيه المتكرر، بسكينة الغضب والجنون، كمن يسابق الريح بيوم عاصف، ضرباته الموجعة المتتالية، يحدث وريقات الماضي السحيق، دموعه الحارقة، واعتصار قلبه، يتجرع كؤوسه بشراهة، ليطفئ غضب ناره، تتضارب على صدره، ومن اعماقه، تيارات قوية، تقوده الى الماضي البعيد، طفولته الاولى، صورتها، وجه ابيه، سيل الدماء الحمراء، ارضية الغرفة، ووجهها البريء الساطع، تطلب النجدة والتخلص من قبضته الكافرة، ينظر اليها من زاويته المعتمة، بقيود الحزن والخوف، تتبارى أمامه صراخاتها وتوسلها.
ينتابه الخوف من الماضي، يحصد واحات الغضب والانتقام بالعزلة، ورنين الكؤوس، تدفعه نزعات الجموح، الى دروب الضلالة والانتقام، رغم ارادته التواقة للتحرر، من العزلة ومسح صورة الطفولة السوداء، حيث تحول الى لوحة صمت، يلوذ بظل الشقاء، بلطمة اعياء تقوده الى طريق الحانة، التي تعودت علي وانا تعودت عليها.