سطوة المجتمع في رواية -العبور على طائرة من ورق- لزينب السعود
رائد الحواري
2024 / 1 / 31 - 01:10
سطوة المجتمع في رواية
"العبور على طائرة من ورق"
لزينب السعود
عندما تكتب المرأة تنحاز لجنسها، فتكون حاضرة وفاعلة، حتى أنها تتفوق على حضور الرجل، إن كانت من خلال عدد الشخصيات، أو من خلال فاعليها وتميزها عن الرجل، فهناك مجموعة نساء قمن بالتضحية والعطاء بصورة متفانية مثل "أميرة" التي تطوعت لتربية "أمجاد وأنفال" بعد أن تركتهما أمهما "سمية" لتتزوج بآخر بعد وفاة زوجها، تاركة ابنتيها لعمتهما "أميرة" التي نذرت نفسها وجهدها لتربيتهما والعناية بهما.
وبهذا نكون أمام صورة المرأة المعطاءة "أميرة"، والمرأة التي تهتم بذاتها "سمية" اللافت في هذا الطرح أن الرواية منحت المرأة لتعيش حياتها بعد وفاة زوجها، فرغم أن الساردة في الرواية تبنت وجهة نظر المجتمع السلبية تجاه الأم التي تترك أولادها، إلا أن القارئ يمكنه أن يتوقف عند هذا الفعل، ليتأكد أننا في المجتمع الذكري لا نرحم المرأة، وحتى أن النساء تتخذ موقف المجتمع الذكوري من المرأة عندما تتزوج وتترك أبنائها، بينما نجد نقض/لوم أخف إذا ما قام الرجل بهذا الأمر.
الأم السلبية
يتم ذكر "سمية" بصورة سلبية في أكثر من موضع في الرواية، ومن أكثر من شخصية، فتصورها بالأم القاسية: "تاركة خلفها طفلتين لم تعرفا بعد معنى أن تتخلى عنهما أمهما، كما لم يفهما تماما معنى وفاة والدهما" ص35، إذا كان هذا الموقف صادر عن الساردة الرئيسة في الرواية فهاك موقف "أميرة" الواضح والصريح: "ـ تربية ابن زوجك أهم من تربية بناتك يا سمية؟" ص99، وإذا أخذنا موقف "أمجاد وأنفال" عندما حضرت أمهما للقائهما، وكيف صدت منهما ومن "أميرة" نتأكد أن رؤية المجتمع الذكوري هي السائدة والحاضرة في الرواية.
وهنا كان من المفترض أن تعطى الأم "سمية" فرصة لتعبر عن نفسها وحاجتاها كامرأة تحتاج إلى من يلبي رغباتها، خاصة إذا علمنا أنها حضرت بعد أن أكثر من عشرين عاما على تركهما، بمعنى أن البنتين تجاوزتا الحاجة العاطفية من الأم، حيث أمنت "أميرة" هذه المشاعر وقدمت لهما كل ما تحتاجانه ماديا وعاطفيا.
ولم تكتف الساردة بهذا الموقف القاس من "سمية" بل أعطتنا صورة عن الأثر النفسي على "أمجاد وأنفال": "فإنها بمجرد سماعها لاسم أمها تتحول إلى فتاة أخرى تنضح القسوة من عينيها، تكره ذكرها وتكره أن أنسبها إليها. "لا أعرف أما غيرك" ..." وأنت ابنتي التي لم لدها يا أنفال" ص106، بهذا الشكل تكون الرواية تحمل بين ثناياها فكرة المجتمع الذكوري عن المرأة دون أن تمنحها الفرصة لتبين/لتوضح/لتفسر موقفها، فكانت قاسية مع "سمية" كقسوتها مع طفلتيها.
تنقل لنا السارد موقف المجتمع من "سمية" بصورة واضحة وجلية: "يا حرام تيتموا البنتين مرتين، مرة بموت الأب ومرة بهرب الأم" ص150، أعتقد أن هذا الموقف يعد انحياز ومجاراة للمجتمع ولرؤيته السلبية للمرأة التي تتزوج بعد وفاة زوجها، وبما أن الساردة امرأة فكان عليها أن تنحاز قليلا إلى "سمية" وتعطيها فسحة لتتكلم، تتحدث، لا أنها أحضرها في خاتمة الرواية لتكون تحت رحمة "أميرة" التي مارست دورا إنسانيا تجاه الطفلتين، وموقف متصلب/متشنج تجاه الأم.
ثنائية الجنس
تتناول الرواية فكرة ثنائية الجنس من خلال "أمجاد" حيث يتبين أنها تحمل جينات ذكورية، فرغم أن هذا الأمر نادر وقليل حدوثه في المجتمع إلا أن الرواية تناولته بتفاصيله، خاصة بعد أن أجبر "أمجاد" على الذهاب لتكملة الدراسة في تركيا، ليكون بعيدا عن أعين المجتمع وأقواله المريبة تجاه حالة طبيعية خلقها الله، ودون أن يكون له يد فيما جرى.
تبدأ المشكلة عند "أمجاد" عندما لا تأتيها العادية الشهرية كباقي الفتيات، مما يجعل "أميرة" تعرضها على الطبيبة، لتكتشف: "لا يوجد لها رحم" ص151، وهنا يتعرض/تتعرض "أمجاد" لصدمة مزدوجة، تحويها إلى رجل، ونظر المجتمع لها، ففي المشكلة الجسدية يمكن حلها من خلال عملية جراحية، وتجاوز الألم الجسدي، لكن في الحالة الثانية تكمن الخطورة، فالمجتمع لا يرحم وينظر بريبة إلى هذا التحول، رغم أنه طبيعي: "كلام الناس ونظرة الجيران والمعارف والسمعة والإشاعات التي ستطالني من كل جانب" ص158و159، وهنا تكشف لنا الرواية سطوة المجتمع على الأفراد، وكيف أنه يشكل ضغط نفسي لا يمكان تجاوزه أو عدم التأثر به، لهذا كان القرار بالهروب من هذا المجتمع هو الحل: "وضعت خططا كثيرة جعلتني أقدم على أشياء لم أكن أرغب بها يوما، السفر والدراسة في الخارج" ص187، وإذا علمنا أن هذا السفر تسبب بقتل "أمجاد" أثناء الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا، نصل إلى فكرة أن قسوة المجتمع، تقود الأفراد إلى الموت، فهو لا يرحم، ولا يوجد من يستطيع أن يقف في وجه المجتمع، حتى الشخصيات المتعلمة وصاحبة المركز العلمي تكون عاجزة أمام المجتمع، والأقارب والأهل والأصدقاء كلهم يخضعون مستسلمين له: "من الأفضل لأمجاد أن تعيش بعيدا عن كل من يعرفها، أتعرفين ماذا يمكن أن يحدث لها في مجتمعنا لو انكشف سرها؟ لو عرفوا أنها ذكر وليست فتاة، هل تعتقدين أنه سيرحمها أو يتعاطف معها؟" ص236، إذن لا مجال للوقوف أمام مفاهيم المجتمع، ولا يوجد من يستطع مواجهته، فالحل يكمن في الهروب وعدم البقاء فيه.
وهنا يكون واقع "أمجاد، كواقع سمية" فرغم أن الساردة تتعاطف مع "أمجاد" إلا أن النهاية كانت كنهاية أمه/ا "سمية" الرحيل وعدم البقاء، بمعنى أن هذا المجتمع يمارس طرد الأفراد، فكل من لا ينسجم معه، إن كان بإرادته أم مجبرا لا مكان ولا وجود له فيه، وعليه الرحل أو الموت، هذا حال المجتمع العربي.
السرد
اللافت في الرواية أنها تعطي الشخصيات حرية الحديث، فنسمع كل الأصوات، وهذا يحسب للرواية، لكن هناك فجوة طالت "سمية" حينما تم (كتمها) وعدم السماح لها بالحديث، وفجوة في حجم فصول الرواية، فنجد أن فصل "المواجهة أقصر طريق" امتد من صفحة 123 إلى صفحة 148، وهو الأطول في الرواية، وهذا الحجم يعكس تعاطف الساردة/الكاتبة مع "أمجاد".
الرواية من منشورات الآن ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، الطبعة الأولى2023.