أفريقيا في حاجة إلى مقاعد دائمة في مجلس الأمن الدولي بدل مقاعد للديكور
رابح لونيسي
2023 / 6 / 9 - 22:17
لا يجب ان ينسينا الإنتخاب على الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن لهيئة الأمم المتحدة عن التذكير بما نعتقده يجب أن يكون هدفا إستراتيجيا أعلى تخدم له كل الدولة بكل مكوناتها شعبا وسلطة، وهو الوصول إلى العضوية الدائمة في هذا المجلس بكل ما يتطلب ذلك من إنعكاسات سياسية وعسكرية وإقتصادية وثقافية وغيرها عليها بحكم ضرورة العمل من أجل توفير شروط تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي الأعلى.
يجب أن يكف الإعلام وصناع الرأي العام في الجزائر عن التطبيل والضحك على الذقون وإيهام الشعب وتخدير قواه بتحويل مكاسب بسيطة إلى إنتصارات كبرى خدمة لأهداف ضيقة جدا لا تتجاوز السلطوية دون أي تفكير في مصالحها الإستراتيجية العليا، فهذه الممارسات القديمة الجديدة عادة ما ضيعت على الجزائر كل فرصها بسبب التفكير المصلحي الضيق، وتنعكس سلبا فيما بعد عندما يكتشف الشعب الحقيقة. فلنتذكر كلنا شعارات العقود الماضية عن الجزائر الأولى والرائدة في كل شيء في القارة الإفريقية وبأننا كنا نروج لأوهام بهدف خدمة مصالح ضيقة لا غير، فلنتذكر كلنا شعارات العقود الماضية عن الجزائر الأولى والرائدة في كل شيء في القارة الإفريقية، لكن بعد إكتشاف الحقيقة المرة بعد،1988 وبأننا كنا نروج لأوهام بهدف خدمة مصالح ضيقة لا غير، فتحطمت معنويات الشعبن وفقد ثقته في السلطة وكل شيء، فأندفع إلى التكسير والتحطيم مثل الطفل الذي يغضب بعد ما يكتشف أكاذيب والديه عليه.
صحيح أن الإنتخاب على الجزائر لمدة سنتين تم ب184 صوت وسيراليون ب188 صوت كأعضاء غير دائمين في مجلس الأمن الدولي، وكممثلين عن القارة الإفريقية فقط إلى جانب الموزمبيق التي انتخبت من قبل، فلإفريقيا ثلاث أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن، وتم الإنتخاب على الجزائر لرابع مرة في تاريخها. يجب علينا أيضا أن نكذب ما يتم تناقله عبر مواقع التواصل الإجتماعي بأن دول معينة أنتخبت ضد الجزائر، فلنشر أن الإنتخاب يتم سريا، ويستحيل ان تعرف من أنتخب ضدك إلا إذا أعلن هو بذلك. فلنوضح أن إدراج أوكرانيا ضمن هذه الدول التي انتخبت ضد الجزائر مشكوك فيه، وهو يدخل في إطار محاولات مغربية لإظهار الجزائر بأنها غير ملتزمة بمبدأ الحياد الإيجابي، وانها إلى جانب روسيا، والدليل هو موقف أوكرانيا منها. فلنسأل أنفسنا ما فائدة أوكرانيا من ذلك؟، فهل من مصلحتها أن تعادي الجزائر بالتصويت ضدها في وقت تسعى فيه إلى كسب اكبر دعم دولي لها، خاصة أن الجزائر ستصبع عضوا غير دائم في مجلس الأمن، وهي تحتاج على الأقل إلى حيادها عند الإنتخاب على أي قرارات تخص الحرب الروسية- الأوكرانية كما فعلت من قبل في الجمعية العامة لهيئة الألمم المتحدة.
من المؤكد أن العضوية غير الدائمة للجزائر في مجلس الأمن سيجعلها تساهم بشكل أو آخر في صنع بعض القرارات الدولية التي عادة ما يتحكم فيها الأقوياء الخمس الذين في بعض الأحيان سيحتاجون تصويتها في حالة عدم إستخدام الفيتو من أحد هؤلاء الأقوياء. فحديثنا عن الفيتو يجرنا إلى لب الحديث، وهو إستغلال هذه العضوية لمواصلة عملها من أجل تحقيق دعوتها الماضية إلى إعطاء القارة الإفريقية حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، أي عضوية دائمة مؤثرة في القرارات وصانعة لها.
ان الجزائر ليست فقط دولة أفريقية وعضو مؤسس لمنظمة الوحدة الأفريقية في1963 التي تحولت اليوم إلى الإتحاد الإفريقي، بل هي أيضا تعد مدخلا إلى القارة الأفريقية، وهو الذي يعد أحد العوامل التي جعلت فرنسا تحتلها في1830 في إطار الصراع بين القوى الإستعمارية آنذاك. كما تعد الجزائر أيضا معبرا بين القارتين الأفريقية والأوروبية، وهو ما يتطلب أن تكون معبرا لأنابيب الغاز والنفط من افريقيا على أوروبا مثل انبوب الغاز من نيجيريا إلى أوروبا، وهو الموقع الذي جعل الرئيس بومدين يهتم بإنشاء طريق الوحدة الأفريقية الذي يجب إعادة الإهتمام به من جديد اليوم ليس فقط لتسويق منتجات جزائرية إلى السوق الأفريقية كما فكر بومدين، بل أيضا ليكون طريقا للتبادل التجاري بين أوروبا وافريقيا، ما سيعطي للجزائر وموقعها الإستراتيجي مكانة عالمية هامة.
ان علاقة الجزائر بأفريقيا هي علاقة إستراتيجية هامة لإقتصادها وأمنها، وقد ثبت تاريخيا أنه كلما أهملت الجزائر بعدها الأفريقي، خاصة في الساحل وجنوب الصحراء كلما تم تهديد أمنها الإستراتيجي كما وقع بعد إندلاع ما يسمى بّ"الربيع العربي" في2011 وما أنجرعن ذلك من فوضى في ليبيا، وخاصة في شمال المالي.
كما أنه لاداعي للتذكير بالدعم الذي لقيته الثورة الجزائرية من الشعوب الإفريقية التي أدركت أن للجزائر دورا فعالا في تحررها من الإستعمار بعد ما فرضت ثورتها على دوغول التسليم بإستقلال مستعمرات فرنسا في القارة كثمن يدفعه للحفاظ على مدخلها المتمثل في الجزائر. ولم تدخر الجزائر جهدا في دعم حركات التحرر في أفريقيا بعد1962 إنطلاقا من مباديء سياستها الخارجية المتمثلة في دعم حركات التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها والحياد الإيجابي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والحفاظ على السلم في العالم.
فكما ساهمت الجزائر في تحرير القارة من الإستعمار، فإنها مكلفة اليوم بمهمة أخرى، وهي النضال من أجل إعطاء القارة مكانة دولية أكبر بعد ما دعا وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة في الندوة التاسعة الرفيعة المستوى حول السلم والأمن في أفريقيا المنعقدة بوهران في 7-8 ديسمبر2022 إلى ضرورة إعطاء مقاعد دائمة لأفريقيا في مجلس الأمن الدولي بسبب الظلم الذي تعرضت له منذ80سنة، فهي القارة الوحيدة التي لا تمتلك أي عضوية دائمة في هذا المجلس. فقد عرف العالم منذ سنوات نقاشات حول ضرورة توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن إلى دول أخرى، وطرحت في تسعنييات القرن الماضي أسماء اليابان، وكذلك ألمانيا بحكم انهما قوتين إقتصاديتين. لكن يجب التنبيه بأن القارة ألأفريقية غير ممثلة إطلاقا في هذا المجلس بإستثناء عضوية غير دائمة يتم التداول حولها، لكن دون أي حق للفيتو. فقد تلقت الجزائر دعما تاما من الدول الأفريقية لهذه العضوية الغير دائمة بحكم مكانتها ودورها الإقليمي، لكن يبدو ان وراء هذا الدعم هو الطرح الجزائري من أجل عضوية دائمة لأفريقيا بمقعدين. وهي محاولة لإعادة الإعتبار للقارة التي يحق لها ذلك ليس فقط بحكم موقعها وثرواتها وعدد سكانها الذي سيبلغ ملياري نسمة في 2050 مع إمكانية هجرة حوالي150 مليون في السنوات المقبلة بسبب الوضع الأمني والإقتصادي المتردي الذي يزيده التغيرات المناخية ضراوة أكبر إن لم يتم الإهتمام بالإستقرار في القارة، وهو ما يتطلب عضوية دائمة لدول منها في مجلس الأمن كي لا تبقى القارة على هامش الإهتمامات العالمية كما وقع بعد نهاية الحرب الباردة، وتتخذ القرارت الدولية على حسابها. كما يجب أن ينظر أيضا إلى دعم هذه العضوية الدائمة كإعتذار عالمي لها لما لحق بها من إستعمار بشع وإستغلال لثرواتها وتحويلها إلى بؤرة صراع دولي حولها، دون أن ننسى أيضا كنوع من إعتذار غربي مما تعرضت لها القارة من تجارة الرقيق، فقد كان نهب ثروات القارة، ومنها المعادن النفيسة وتجارة الرقيق عاملين أساسيين في رفاهية الغرب الرأسمالي. فقد عدد جون هنريك كلارك عدد الرقيق الذين نقلوا من القارة الأفريقية إلى أمريكا بحوالي 100مليون مات عدد كبير منه في الطريق. ويقول لوفران بأن الذين وصلوا إلى العالم الجديد هم 20مليون أستخدموا كعبيد للبحث والتنقيب على المعادن النفيسة، فقد درت هذه التجارة على التجار الأوروبيين ما مقداره 300% م من الأرباح، مما سمح بتوفر رؤوس أموال ضخمة لأوروبا استثمرتهم في ثورتها الصناعية في الوقت الذي ازدات فيه أفريقيا فقرا وبؤسا. وهو ما خلق اليوم هذا الإختلال الإقتصادي بين الغرب وأفريقيا الذي يجب ان يصحح بنظام إقتصادي عالمي جديد يقضي على ذلك النظام الإقتصادي العالمي المجحف الذي وضع في غياب القارة أين تم تقسيم دولي للعمل جعل القارة وبلدان مستعمرة أخرى متخصصة في تصدير المواد الأولية فقط، والتي تعاد إلى القارة كسلع مصنعة بأثمان مرتفعة جدا، وهو ما سماه الإقتصادي المصري سمير أمين ب"التبادل اللامتكافيء" الذي جعله احد العوامل المفسرة لتخلف أفريقيا ودول الجنوب.
ان فتح الباب لترشيح دول أفريقية كبرى إلى العضوية الدائمة لمجلس الأمن سيدفع الكثير من الدول إلى العمل من أجل تقوية نفسها سياسيا وإقتصاديا وعسكريا كي تتوفر لها شروط هذه العضوية، وهو ما سيشكل قاطرة لتنمية القارة الإفريقية في كل المجالات، ويضمن إستقرارها مستقبلا
كما ان عضوية دائمة لأفريقيا في مجلس الأمن كفيل بإيصال صوتها ومساهمتها في صناعة القرار الدولي الذي عادة ما كان على حسابها ولصالح القوى الكبرى التي تسببت في مأساتها، ولازالت تتسبب في ذلك بحكم صراعاتها حول ثروات القارة وطرق مواصلتها، مما أدى إلى حروب بالوكالة أحيانا، وبشكل مباشر أحيانا أخرى، وزادها ـازما أكثر التغيرات المناخية، مما يؤدي إلى هجرات غير مشروعة إلى أوروبا. فعلى أقٌوياء هذا العالم الذي يشتكون من هذه الهجرات التي تهدد أمنهم بأنهم هم المسؤولون الأوائل عن ذلك، فما عليهم إلا تصحيح الأوضاع ومساعدة القارة في تنميتها الإقتصادية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وإثارة النزاعات القبلية والطائفية وغيرها إن أرادت أوروبا حماية نفسها فعلا بدل ما تفكر بشكل ضيق جدا وبمصالحها الآنية فقط بدل التفكير على المدى المتوسط والبعيد، مما يضمن أمن القارة الأفريقية التي من أمنها سيسود الأمن في العالم، فالأمن الجماعي اليوم أصبح عالميا، فإن الفوضى في أي بلد أفريقي سيمس دول أوروبية، وهو ما من شأنه إنتشار الإرهاب الذي بدوره سيهدد حقول النفط والغاز في القارة وطرق المواصلات لمختلف السلع والتبادلات العالمية.
فليدرك الغرب أن التغيرات المناخية تشكل عاملا رئيسيا في الحركية السكانية، فهو العامل الرئيسي المؤثر فيها، فقد حدد الباحث بيير جانين في كتابه "الأمن الغذائي والتغيرات المناخية-قراءة جيوبولتيكية في الأزمات الأفريقية وإنعكاساتها-" العلاقة الوطيدة بين التغيرات المناخية والمجاعات في أفريقيا التي أدت إلى هجرات وأزمات أمنية حادة جدا. وتذهب بعض الدراسات المستقبلية إلى التأكيد على فقدان عشرات الملايين من الفلاحين في الساحل وغرب افريقيا لآراضيهم بسبب الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية في أفريقيا، خاصة غربها، فهؤلاء سيتحولون إلى مهاجرين غير شرعيين، ولا ننسى أن هذه التغيرات المناخية، ستنتج حروبا حول المياه في غرب أفريقيا، ولو أن هذه الصراعات القبلية قديمة وموجودة في الماضي، لكنها ستزداد ضراوة، لأن الحروب حول المياه هي من حروب المستقبل في عدة مناطق من العالم، مما سينتج أزمات حادة في المنطقة.
يرى المتتبعون للتغيرات المناخية في غرب أفريقيا والساحل بأن درجات الحرارة في الساحل ستزداد ب03 إلى 05درجات مئوية حتى عام2050، ويمكن أن تصل هذه الزيادة 8 درجات مئوية عام2100، وسينخفض تساقط كميات الأمطار مابين %13 في بوركينا فاسو وإلى 50% في السودان في العقدين القادمين. مما سيؤثر كثيرا على الإنتاج الزراعي، وسيكثف الهجرات أوروبا.
وسيتفاقم الوضع أكثر مستقبلا بسبب عدم تقديم بعض الدول تنازلات حول المناخ، وهو ما ظهر في مؤتمر شرم الشيخ الأخير بمصر. وهو ما سيشكل تأثيرا فعالا على التغيرات المناخية مستقبلا بكل إنعكاساتها الإقتصادية والسكانية والأمنية، خاصة في أفريقيا، فقد حذر تقريرا للبنك الدولي نشر في مارس2018 من تأثيرات التغيرات المناخية على حركية السكان إن لم تؤخذ إجراءات جادة لمواجهة هذه التغيرات، وقال التقرير أن من اليوم إلى 2050 ستعرف أفريقيا جنوب الصحراء 86 مليون مهاجر مقابل 40مليون من جنوب آسيا و14 مليون من أمريكا اللاتينية.
فعلى الغرب أن يكف على النظر لمشكلات أفريقيا ومعالجتها من جانبها الأمني فقط دون الأخذ بعين الإعتبار العوامل والأسباب العميقة لها كالمشاكل الإقتصادية والإجتماعية والتنموية والفوارق بين شمال غني وجنوب فقير يتحمل فيه الشمال مسؤولية كبيرة، إضافة إلى تدخل دول أوروبية وغربية عامة في دول القارة لخدمة أهدافها الإستراتيجية. أن هذه المقاربة الشاملة تفرض على أوروبا خاصة والغرب عموما التعاون والتنسيق مع دول القارة الإفريقية في كل المجالات لإستعادة الأمن والإستقرار في القارة والحفاظ عليه، ولما لا السعي لإقناع أوروبا، بأنه من مصلحتها المساهمة بشكل كبير في مشاريع إستثمارية تنموية كبرى في أفريقيا عامة، وفي الصحراء الكبرى والساحل خاصة، وذلك بإقامة مجمعات صناعية وسكانية وعمرانية كبرى كبناء مدن جديدة مستعينة بالعديد من المشاريع المبنية على أبحاث علمية وضعتها فرنسا نفسها في القرن التاسع عشر لتطوير الصحراء، ثم إضافة مشاريع جديدة حسب المستجدات والتطور العلمي والتكنولوجي السائد اليوم، وبأن ذلك كله من شأنه إيقاف المهاجرين إلى أوروبا، وتتحول الصحراء الكبرى إلى مناطق لجلب العمالة من أفريقيا والبلدان المغاربية بدل هجرتها إلى أوروبا.
ان إعادة الإستقرار والأمن إلى القارة الإفريقية يتطلب إجراءات وقرارات جادة التي لايمكن ان تنفذ بجدية إلا إذا كانت لأفريقيا ممثلين لها في نادي الكبار يدافعون عنها، ومنها العضوية الدائمة في مجلس الأمن كما دعت الجزائر إلى ذلك.