العلم كموضوع فلسفي (الجزء الثالث والأخير)
أحمد رباص
2023 / 5 / 16 - 00:51
4- كارل بوبر (1902-1994) وقابلية التكذيب
تقليديا، من مميزات العلم أنه تجريبي. وبعبارة أخرى، فإن القضية التي أكدتها التجارب القايلة للملاحظة تكون علمية. مع هذا المعيار الأول، يمكن للمرء بسهولة معارضة العلم بالميتافيزيقا، لأنها لا تستند إلى ملاحظات ملموسة.
في الحقيقة، هذا المعيار ليس كافيا ، لأن بعض النظريات غير العلمية تستند هي الأخرى إلى الملاحظات، مثلا علم الأجسام الغريبة، أي علم الكائنات الفضائية.
في منطق الاكتشاف العلمي، اقترح الفيلسوف النمساوي كارل بوبر معيارا جديدا. يقدم "القابلية للتكذيب" كمعيار للتمييز بين العلم واللاعلم. تكون فرضية علمية ليس لأنها من الممكن التحقق منها بالتجربة، ولكن إذا كان من الممكن دحضها بالتجربة.
في الواقع، ليس من الممكن أبدا تأكيد نظرية ما بشكل قاطع، حتى لو اتفقت مع عدة تجارب. لا يضمن تكرار نفس النتيجة في نهاية التجربة استمرار تكرار هذه النتيجة.
يمكن تعريف القابلية للتكذيب على النحو التالي: تكون العبارة او القضية قابلة للتكذيب "إذا كان المنطق يصرح بوجود عبارة أو سلسلة من عبارات الملاحظة تتناقض معها، أي تكذبها إذا تبين أنها صحيحة".
من ناحية أخرى، إذا كانت تجربة واحدة تتعارض مع نظرية ما، فإن هذه النظرية خاطئة. لذلك تكون النظرية علمية إذا كان من الممكن تكذيبها من خلال تجربة علمية.
بالنسبة لبوبر، يمكن للمرء أن يصف مجموعة من القضايا المتماسكة على أنها علمية ولا تتعارض مع التجربة، ولكن يمكن أن تتعارض معها. إنه يعتقد أن العالم يجب أن يبحث باستمرار عن عيوب في نظريته. يتمثل موقف العالم في اختبار صحة نظريته. يستطيع العالم التشكيك في نظرياته بطريقة منهجية.
على العكس من ذلك، من يؤكد صحة نظريته دون التشكيك فيها ويريد إثباتها بأي ثمن ليس لديه عقل علمي.
بحثا عن معيار نهائي لتحديد الحدود بين العلم واللاعلم، جعل بوبر من قابلية تكذيب العبارات النظرية حجر الزاوية في إبستيمولوجياه.
في هذا السياق، تلعب التجربة التلقائية، التي يجب عليها مواجهة أي افتراض نظري، دور "محكمة" التأكيدات النظرية، وبالتالي لها وظيفة حاسمة. ولكن للقيام بذلك، يكمن جزء كبير من عمل العالم في تحديد "معايير دحض" نظريته. تشرح هذه المعايير تحت أي ظروف يمكن دحض نظريته، وما هي الحالات التجريبية التي ستثبت أنه مخطئ.
بالفعل، إذا تبين أن سلوكا معاكسا للسلوك الملاحظ يتوافق تماما مع النظرية المقترحة، فإن هذه النظرية لا تفسر شيئا. الهدف المثالي للباحث هو، بالنسبة لبوبر، ان يذهب الشخص نفسه الذي، بعد أن حدد مسبقا معايير قابلية الدحض او التكذيب لفرضيته الخاصة، في البحث عن الحقائق التي من المحتمل أن تثبت زيف حدسه.
ختاما، يظهر من خلال هؤلاء الفلاسفة الأربعة أولا أن تعريف "العلم" لم يحظ بالإجماع. وبالمثل، فإن معرفة كيفية التمييز بين "العلمي" و "غير العلمي" تطرح مشكلة. إذا واجهت موضوعا عن الحقيقة، ففكر في أن تسأل نفسك كيف يتم الوصول إلى هذه الحقيقة: هل هي بطريقة علمية؟ ما الذي يميز هذه الطريقة؟ هل هي خاصة بعصر ما، بطريقة معينة في التفكير؟
من ناحية أخرى، يمكننا استخلاص بعض الخصائص المشتركة من هؤلاء الفلاسفة الأربعة. بشكل خاص، المنهج العلمي يعمل بالملاحظة والتجريب والتعميم. إنه يقوم على جزء من التجريد. يجب على العالم أن يشكك بشكل منهجي في النظريات السابقة، من أجل بناء المعرفة دون التورط في الرأي. يجب عليه أيضا تحدي نظرياته من خلال التجريب.