إعادة بناء دولة المواطنة ليست بحاجة إلى التظليل والخداع والكذب..
صادق محمد عبدالكريم الدبش
2022 / 10 / 20 - 19:49
لا أدري كم مرة نحتاج لتكرار شروط ووسائل وسبل بناء دولة المواطنة ، لا دولة المكونات والطوائف والمنطقة والحزب والعشيرة .
كررناها مرات ومرات ، ولكن يبدوا أن المتنفذين لا يريدوا أن يسمعوا !...
واستهوتهم السلطة ومغانمها وما تعود عليهم من [ فضائل وهبات ومنافع ، وتمنحهم السلطة والتسلط والهيمنة وكسب المال الحرام ] لا لسلطة الشعب ... السلطة سلطتهم والأموال أموالهم !! .. وليذهب الشعب إلى صقر وبأس المصير ؟..
في كل مرة يتم فيها تشكيل حكومة جديدة ، نسمع من هؤلاء المتنفذين الفاسدين وعلى مبدأ المحاصصة وتقاسم الدولة على أساس طائفي وعرقي وعلى أساس المنطقة والحزب وعلى مبدأ ( ما ننطيه .. وفعلا قد انتزعوا السلطة عنوة من الكتلة الأكبر ,, الكتلة الصدرية وبتحايل مكشوف ) ، دون أي مراعات لمصالح الناس وبناء الدولة وسيادة العدالة والدستور والمساواة وتحقيق الأمن وإشاعة مبدأ التعايش والمحبة والسلام بين مكونات شعبنا المختلفة ، ونبذ فلسفة الكراهية والتمييز والإلغاء وطمس الحقوق والحريات وتغييب لمبدأ الديمقراطية التي قامت عليها العملية السياسية من 2003 ، حتى الأن وحسب ديباجة الدستور .
العراق السلطة فيه للشعب ، والعراق دولة ديمقراطية اتحادية برلمانية مستقلة ولا سلطة غير سلطة الشعب هذه حسب الدستور العراقي النافذ .
لننظر إلى هذه الدولة التي يدعون كذبا وزورا وتظليل ، بأنها دولة ديمقراطية والسلطة فيه لسلطة الشعب ، وليست سلطة مكونات وطوائف وتشكيلات مسلحة وميليشيات ، ويحكمها أمراء ومشايخ وزعامات وعوائل وأحزاب ، ولا وجود لسلطة الشعب كما يزعمون !..
اليوم نرى بأن هناك حكومة ستشكلها أحزاب وميليشيات ومجاميع مسلحة وجميعها من قوى شيعية ، وتمت مباركتها من قبل أطراف محسوبة على الطائفة السنية ، وأطراف أخرى محسوبة على الأكراد ، والجامع بين هؤلاء جميعا تقاسم مغانم الدولة ( وهنا نقصد السلطة .. أو الحكومة التي تم اغتزال الدولة بالحكومة ، وتوزيع تلك المغانم على هذه الأطراف ، كل حسب ثقله ومركزه وما يمتلكه من سلاح ، وليس على أساس النزاهة والكفاءة والوطنية والمهنية .
وهذا نهج سارت عليه جميع الحكومات السابقة بعد 2003 م ، وجميعها هذه الحكومات فشلت فشلا ذريعا ، في ترسيخ مبدأ المواطنة وبناء الدولة العادلة ، وفشلهم الذريع في النهوض لخدة الشعب وتقديم الخدمات وتحريك عجلة الاقتصاد ومحاربة الفقر والفساد ، المستشري في مفاصل الدولة والمجتمع ، والتصدي لعصابات الجريمة المنظمة ولتجار المخدرات والسلاح المنفلت والسلاح ( الشرعي الذي يقتل الناس ويشيع الموت والخراب ويصادر أمن المجتمع وتحت مسميات وتبريرات مختلفة ) ناهيك عن فشل الحكومات جميعها في عملية الإصلاح الشامل ، في التعليم والصحة والطرق والسكن والبيئة ، ومعالجة أزمة البطالة التي وصلت في بعض المحافظات إلى 50% ، والشيء الأكثر أهمية هو غياب الأمن والسلم المجتمعي ، وطمس للحريات وهضم لحرية المرأة وحقوقها ، وفشلهم في معالجة مشكلة الفقر المستشري في الملايين من البؤساء والجياع والأطفال والمشردين والثكالى والأرامل وما يصيب المرأة من تعنيف وظلم وقهر وحرمان ، والسلوك اللاإنساني في التعامل مع المعتقلين والمتهمين في السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف ، يخالفون بذلك ما كفله الدستور لهم من حقوق وحماية .
هذا غيظ من فيض وما يعانيه شعبنا على ايديكم ، وما تعرض له المتظاهرون من قمع وإرهاب وقتل واعتقال وتشريد وتغييب ، إنها صورة مرعبة لتلك الممارسات الإرهابية القمعية ، وما ارتكب بحق الألاف من المتظاهرين السلميين !..
بالرغم من مرور السنة الثالثة ، لم يتم الكشف عن قتلت هؤلاء الأبرياء العزل، ولا من أصدر قرار القتل والقمع الوحشي و اطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز المخالفة للقانون الدولي ، كونها قنابل تستخدم في المواجهات الحربية وليس ضد المتظاهرين السلميين .
البرلمان الحالي .. برلمان فاقد لشرعيته ، ويجب أن يتعامل القضاء مع روح القانون وليس فقط مع نصوص جامدة لا حياة فيها !..
الكتلة التي رشحت السوداني بتكليفه لتشكيل الحكومة القادمة لا تمتلك شرعية التكليف ، فإن فيهم 73 نائبا لم يتمكن من الوصول إلى القاسم الانتخابي الذي يؤهله لعضوية مجلس نواب الشعب ، وأخذوا هذه الكراسي بملأ الفراغات ، بديلا عن الكتلة الصدرية الفائز الأكبر في انتخابات 10/10/2021 م ، وهذه مخالفة صريحة ولا تمثل إرادة الشعب ... كون الشعب مصدر السلطات ، ويعتبر هذا المجلس فاقد لشرعيته الشعبية والأخلاقية .
أوجه رسالتي هذه إلى :
أولا : إلى الأحزاب السياسية التي تمتلك صفة الحزب وفق القانون والدستور ووفق الأعراف السياسية والقانونية ، والجمعيات والنقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني .
ثانيا : إلى القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية .
ثالثا : إلى الوزير المكلف بتشكيل الحكومة القادمة السيد محمد فلاح السوداني .
رابعا : السيدة جينين بلاسخارت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة .
هناك شروط واجبة على كل حكومة تتصدر المشهد السياسي وتقوم بمهمة إدارة شؤون البلاد والعباد ، ووفق الصلاحيات المنوطة بها في الدستور .
عدم توفر تلك الشروط في أي حكومة ، فإنها تعتبر فاقدة لشرعيتها ويجب أن تقدم استقالتها قبل تشكيل طاقمها وقبل أن ترى النور ، كونها قاصر ولا تحمل شروط نجاحها !..
يتوجب على هذه الحكومة التالي :
أ : تطبيق قانون الأحزاب نصا وروحا دون تسويف و تعليل ومراوغة ، ومن هذه الشروط :
1- أن يكون هذه الحزب قد قدم طلبا لممارسته العمل الحزبي ويحصل على الموافقة القانونية من الجهات الرسمية .
2- أن يتضمن الطلب ومرفقا معه برنامج الحزب ونظامه الداخلي ، وأن يكون هذا الحزب ولائه إلى الشعب والوطن ، وأن يدافع عن العراق وشعبه في نهجه وسلوكه ونشاطه وبمسؤولية مطلقة ، وبعكسه تسحب منه رخصة العمل على الساحة العراقية .
3- أن لا يمتلك الحزب أي جناح مسلح ولا يعمل في المنظومة الوطنية العسكرية والأمنية ، كون هذه المؤسسات ، هي مؤسسات مستقلة ووطنية بعيدة عن النشاط السياسي وتجاذباته .
4- يكشف الحزب عن مصادر تمويله بشكل واضح وصريح وحسب القانون والدستور .
5- أن يلتزم بشكل واضح في سياساته وبرامجه وإعلامه ومحطاته الفضائية إن كانت له فضائيات ، عن مصادر تمويلها ، وأن يكون إعلام الحزب لا يمارس سياسة عنصرية أو طائفية تدعو إلى التعصب والفرقة ، وأن يكون نهج هذا الحزب يصب في تعميق التعايش والمحبة والتعاون بين مكونات شعبنا المختلفة ، وينشر الثقافة التقدمية التحررية وأن يكون نصير للمرأة ولحقوقها ولجميع من يعيش على الساحة العراقية .
المسألة الأخرى :
حصر السلاح بيد الدولة ، واعتبار هذه من أهم معوقات إعادة بناء الدولة ، فهذا السلاح يصادر حرية المواطن ويهدد أـمنه وسلامته واستقراره ، وتعتبر هذه المجاميع المسلحة وسلاحها ، يشكل تهديد للحريات العامة والخاصة وتصادر حرية التعبير والتظاهر السلمي كما شاهدناه في مختلف التظاهرات وفي تشرين 2019 م والشهداء والمصابين وهم بالألاف .
يجب على أي حكومة قادمة أن تقوم فورا إن كانت صادقة في وعودها ، بحل الميليشيات جميعها .. أقول جميعها ومصادرة أسلحتها ومعداتها ، حماية للوطن وللمواطن وعدم ابتزاز الشركات العاملة على الساحة العراقية وحماية المستثمرين وتشجيعهم على العمل على الساحة العراقية لتطوير الاقتصاد العراقي والبنية التحتية ولتحقيق العدالة .
كذلك منع الأحزاب من التدخل في نشاط مؤسسات الدولة المختلفة وفي عملها كون ذلك خارج واجباتها ومسؤولياتها ، وحل جميع المكاتب الاقتصادية ، فهذه المكاتب التابعة لأحزاب السلطة ، هي مكاتب للابتزاز والفساد وللكسب غير المشروع تمارسه هذه الأحزاب والمجاميع المسلحة ، ومنع كل هذه الأحزاب والميليشيات والمجاميع من تمويل أنشطتها المختلفة دينية كانت أم غيرها ، من ميزانية الدولة ، ويعتبر هذا فسادا مقنعا ومخالفا للدستور والقانون ، فكل حزب يتكفل بنشاطه من ميزانيته ومن أمواله التي يمتلكها بطرق مشروعة ووفق القانون .
كذلك نؤكد على التالي :
من أين لك هذا :
هذا القانون ما فتأ الشرفاء الوطنيين والحريصين على رفعة العراق وتقدمه وازدهاره وتخليصه من أفة الفساد ، الذي يعتبر أخطر من الإرهاب ، إنه يفرخ الإرهاب ويدعم الإرهاب بل هو الإرهاب بعينه ، يشتري النفوس الضعيفة بأموال السحت الحرام .
الجميع يعلم بأن أغلب ( رموز المشهد السياسي وكبارهم ! ) الذين جاءوا بعد الاحتلال الأمريكي في 2003 م ... كانوا لا يملكون شيء ، فكيف لهم اليوم .. أصبحوا يمتلكون المليارات من الدولارات وليس الدنانير .. من أين لهم كل تلك الأموال ؟..
كيف حصلوا على هذه الثروات ، في الوقت الذي لدينا أكثر من 15 مليون إنسان تحت خط الفقر !.. وهؤلاء ينعمون وعوائلهم وحاشيتهم والسماسرة حياة باذخة ويسكنون في بروج عاجية ويأكلون كل ما لذ وطاب ، والفقراء والبؤساء ليس لديهم ما يسد رمقهم ، أي عدالة وأي ضمير وأي دين هذا الذي يتبعوه ويؤمنون به ؟..
لماذا يمتنعون من تشريع قانون من أين لك هذا ويقدمون كشوفاتهم وما يملكون قبل 2003 م وما تمتلكه هذه الفئة المتنفذة اليوم ؟..
الانتخابات وقانونها المعضلة التي تكرر نفسها ! ..
في كل مهرجان انتخابي تبرز مشكلة المفوضية وقانون الانتخابات ، وفي كل مرة نشرع قانون جديد على مقاس الكتل المتنفذة ، وإن لم تعجبها نتائج تلك الانتخابات فتكيل لهذه العملية شتى الشتائم والنعوت المختلفة ، وتتهمها بالتزوير والتدخل الخارجي وغير ذلك ولا تقر بنتائجها !..
لكنها تكيل لها المديح والثناء إن كانت نتائجها لصالحهم .. في عراقنا نرى العجب العجاب !
على الحكومة القادمة أن تعيد النظر بالمفوضية وأن تكون مستقلة ، وقانون انتخابات يمثل أوسع طيف من قوى شعبنا ومكوناته المختلفة وعدم اقصاء أحد ، وأن تكون انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وبإشراف دولي ووطني ، واشراك ومراقبة القضاء ومنظمات المجتمع المدني .
على الحكومة القادمة التحقيق في من قتل المتظاهرين السلميين ، والتحقيق العادل والشفاف والمهني مع كل من تقع عليه التهمة في هذه القضية الحساسة التي تشغل الرأي العام العراقي ونشطاء وناشطات تشرين ، فهؤلاء لب ينسوا هؤلاء الضحايا الذين كانوا يطالبون بوطن سليب وبحقوق مسلوبة !..
على الحكومة القادمة العمل فورا ، لإحالة هؤلاء المنفذين والمحرضين ومن أصدر أوامر القتل وأمر بإطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع ، ومن كان يحمل الهراوات والأسلحة البيضاء ، والكشف عن القناصين ، وإحالة هؤلاء إلى القضاء لينالوا جزائهم العادل .
كذلك على الحكومة والقوات الأمنية أن تحمي المتظاهرين السلميين من أي اعتداء كون التظاهر السلمي حق مشروع كفله الدستور والقانون .
الفساد ومنذ سنوات أضحى منظومة إرهابية خطيرة تهدد الدولة والمجتمع على حد سواء ، وهي من ينتج الإرهاب وعصابات تجارة المخدرات والسلاح وتجارة البشر والأعضاء البشرية والدعارة ، ويساهم في تدمير الأسرة والقيم والأخلاق والأعراف والتقاليد الحميدة !..
التصدي لأفة الفساد ضرورة وطنية وتحتاج إلى إرادة سياسية نظيفة ونزيهة ووطنية وبأدوات رصينة من خارج هذه المنظومة الفاسدة المولدة للفساد والمحاصصة وللطائفية السياسية والعرقية ، ونحتاج إلى منظمات وهيئات دولية متخصصة في مكافحة الفساد ، لتساعد العراقيين على الكشف عن حيتان الفساد واستعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة وإحالة هؤلاء المجرمين إلى القضاء لينالوا جزائهم العادل .
على الحكومة القادمة إن كانت تدعي النزاهة والوطنية والحرص على قيام دولة مواطنة والتعددية وحريصة على السلم المجتمعي وعلى الديمقراطية ، فعليكم حماية الحريات والحقوق والديمقراطية ، وحق التظاهر السلمي وحرية الرأي والتعبير قولا وفعلا ، ومنع أي ممارسة قمعية تحد من حرية التعبير والنشر ، كون العراق نظامها نظام ديمقراطي ، ويجب الفصل بين الدين والسياسة والدين والدولة ، حماية للدين ولشريعته السمحاء وحماية للدولة كونها راعية للحقوق وللحريات وللتعددية ولحرية الاختيار .
المتنفذين والطائفيين من دعاة المحاصصة وتقاسم المغانم ، يعرفون جيدا ماذا يريد الشعب والقوى الديمقراطية والمتنورين من بنات وأبناء شعبنا ، ولكن جشع هؤلاء وفسادهم وعدائهم للديمقراطية وللحريات وللحقوق ، يجعلهم يقفون ضد أي خطوة إلى الأمام ويمنعون أي شيء يصب في إعادة بناء دولة المواطنة ، ويستمرون في سياسة الاقصاء والإلغاء والتهميش ، وبناء دولة المكونات والطوائف والإمارات ، وتعدد مراكز القوى وتقسيم الدولة إلى دويلات وبرؤيا طائفية عنصرية .
على الحكومة القادمة أن تدرك جيدا بأن إغماض البصر وغلق الأذان وتكميم الأفواه لم يعد مجديا ، ولا يمكن لهذا النهج أن يستمر مطلقا ، وعمليات ترقيع ما تمزق لا يجدي نفعا ، وعليكم أن تكونوا رجال دولة وطنيين بامتياز تحبون شعبكم وتحرصون على مصالحه وتصونون حقوقه وكرامته وتوفرون للعراقيين العيش الكريم ، وتحرصون على استقلال العراق وعلى وحدة أراضيه ، وتحمون ثرواته وحقوقه التي هي حقوق الشعب كل الشعب ، وكل ما عدى ذلك لن تفوزوا ولن تنالوا مرادكم .. سيعاقبكم شعبكم .. طال الزمن أم قصر .