ساعة الحقيقة .
فريد العليبي
2022 / 7 / 9 - 14:01
يجد التونسيون الآن أنفسهم أمام مشروع دستور للاستفتاء عليه يوم 25 جويلية القادم ، يقطع مع الدستور الذي سبقه ، فلا سياحة حزبية و لا دولة دينها الإسلام ، وهو يعطي الكلمة للجهات في تحديد مصير البلاد ورسم سياساتها ، مؤكدا العدل في توزيع الثروة ، ولكنه يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية وهوما يتركز عليه النقد .
وبدا أن هناك معركة حامية في علاقة به بين جبهتين ، احداهما تقول لا والأخرى تقول نعم ، ولكن ذلك ليس الا ظاهر التناقض، أما جوهره فهو المعركة المحتدمة بين 24 جويلية و 25 جويلية ، وهي التي لم تحسم نهائيا بعد . وتلك المعركة ليست بدورها الا تعبيرا عن تناقض أشد عمقا بين خط الانتفاضة التي حملت رياحها في طريقها زين العابدين بن على وخط المنقلبين عليها .
ومن هنا ضرورة القيام بتحليل و تقييم دقيقين لتلك المعركة ، و على قاعدة ذلك يكون الاختيار بين نعم او لا، بل حتى الإمساك عن التصويت ، علما أن الآراء يمكن أن تتنوع داخل الشعب نفسه ، وهذا ليس سببا للفرقة والانقسام، وانما يجب أن يكون ذلك مناسبة للمزيد من النقاش ، مع مراعاة الآداب التي يقتضيها وادراك أن تونس برمتها تتعلم في لهيب معاركها وتستنتج الدروس، وهذه حالة ايجابية . وفي الأخير هناك قرار ينبغي اتخاذه وتحمل المسؤولية عنه فإما القطع مع منظومة الإسلام السياسي بدستورها ومؤسساتها أو العودة اليها واعتبار مرحلة قيس سعيد مجرد قوس حان غلقه فالأمر يتعلق بساعة الحقيقة.
وقد بدا واضحا أيضا أن قيس سعيد وفي لمشروعه وهو لا يراعى في الدفاع عنه لومة لائم ، وعندما اتجه الى الصادق بلعيد وصحبه كان يعرف أن هواهم مختلف عن هواه ، لذلك كان دورهم استشاري ، ويبدو أن بلعيد أساء التقدير فقد اعتقد أن الدستور سيكون من صياغة المجمع الحقوقي دون غيره ، حتى أنه لم ير مشكلا في غياب اتحاد الشغل ، بل زاد على ذلك بأن حاول دق اسفين بين سعيد ومناصريه ، فضلا عن تجريد الدستور من مشروع سعيد نفسه فأقسم أن البناء القاعدي لن يكون له أثر فيه .
وزاد أمين محفوظ الطين بلة ، فقد كشف عن مشروع آخر نقيض لمشروع الرئيس وهو مشروع يتغذى من البورقيبية في سنواتها الستينية ، حيث الأمة التونسية والوحدة القومية، يعاضده بلعيد نفسه الذي كان صريحا في قوله أنه يريد العودة الى السنوات العشر الأولى لحكم بورقيبة. دون ادراك للمياه التي جرت في نهر تونس وهي في الألفية الثالثة .
و لا شك أن ذلك قد أثار حفيظة قيس سعيد ومناصريه ، و كان كافيا للكشف عن تناقض بين شقين ضمن لجنة بلعيد ، شق الوطنية التونسية الضيقة الانعزالية ، وشق الوطنية التونسية العربية ، وقد كشف أمين محفوظ عن عمق ذلك التناقض عندما وصف القوميين بالفاشيين ، قائلا أن قيس سعيد أصغى اليهم في النهاية وترك شق الأمة التونسية يسبح في بركة لا ماء فيها . ورد الشق الثاني بأن هناك جماعة سرية كانت تعد لانقلاب بالدستور الجديد ، معتقدة أن الفرصة جاءتها على طبق من ذهب وأن عليها استثمارها دون تردد.
ولكن اللوبي الحقوقي سقط على نحو مدو ، و نعني به هؤلاء الحقوقيين الذين شاركوا في الانقلاب على انتفاضة 17 ديسمبر ، وكان لهم دور في تزوير إرادة الشعب من خلال هيئة بن عاشور. وذلك اللوبي من بين مكوناته الصادق بلعيد وأمين محفوظ و آخرين ، وقيس سعيد على طرفي نقيض مع ذلك اللوبي منذ وقت طويل ، وعندما ذهب رموزه إلى الكراسي الوثيرة ذهب هو إلى الفيافي البعيدة ، شارحا وجهة نظره ، دارسا الحدث التونسي على عين المكان . واليوم يبلغ التناقض بينه وبين وقيس سعيد مداه ، وهذا مفيد للشعب والوطن وخطوة أخرى في اتجاه فرز جديد .
وذلك اللوبي جزء من ليبرالية تونسية هجينة ، فهي لم تكن نتاجا لتطور الداخل التونسي بقدر ما كانت مسقطة خارجيا، لذلك هي صورة مشوهة لليبرالية الفرنسية ، ومن ثمة غربتها عن الشعب ، حيث لم تنفعها صدمة انتفاضة 17 ديسمبر ولا هبة 25 جويلية لكي تستفيق .
رد فعل هذه الليبرالية على الدستور الجديد يكشف جانبا من هشاشتها فهي تزعم أنها ضد الدولة الدينية وقيس سعيد الإخواني الداعشي الشيعي ، ولكنها لا ترى ما فعله الرجل بالإسلام السياسي الذي كانت هي حليفته في أغلب محطات التاريخ .
تشمل الليبرالية التونسية الهجينة طيفا واسعا من الأحزاب والمنظمات ، وهي التي تسدي خدماتها للظلامية الدينية بوعي حينا ودون وعى أحيانا ، بما في ذلك جناحها اليساري ذائع الشهرة في تحالفه مع حركة النهضة الإسلامية ، أما جناحها اليميني فكان أن استدرجته الى صفقة باريس وانتهت بقطف رؤساء حكوماته حتى مات الباجي قائد السبسي كمدا أو اغتيالا .