أسباب تاريخية للروسوفوبيا
مشعل يسار
2022 / 5 / 12 - 01:51
لئن كان عداء الأنجلو ساكسون للروس متأصلا فيهم تاريخياً، فإن لعداء باقي الأوروبيين وعداء "الإخوة السلاف" أنفسهم أيضا أسبابه.
وقد أدرك هذا كل من الكاتبين الروسيين الكبيرين دوستويفسكي وليونتييف في القرن التاسع عشر. الصرب كانوا دائما إخوة للروس فعلا. أما البلغار فقاتلوا إلى جانب ألمانيا في كلتا الحربين العالميتين. والتشيك لم يكونوا هم أيضًا متعاطفين يوماً مع الروس، فيما البولنديون يحتلون المركز الأول مع البريطانيين في كره روسيا.
وليس هذا فقط لأن البولنديين كاثوليك والروس أرثوذكس، فالشيء الرئيسي هنا هو أن البولنديين خسروا "في المعركة التي وقعت تاريخياً بين السلاف أنفسهم"، وبالضربة القاضية. ففي بداية القرن السابع عشر، طرد الروس البولنديين من موسكو بعد أن كان الأخيرون احتلوها لقرابة سنتين، وفي عام 1667 استعاد الروس من البولنديين الضفة اليسرى من أوكرانيا ومدينة كييف، وفي نهاية القرن الثامن عشر ضم الروس بولندا بكاملها (في منتصف القرن التاسع عشر، أضحت بولندا فقط مجرد "مقاطعات فيسلا" في الإمبراطورية الروسية). ولا يستطيع البولنديون بغطرستهم واستعلائهم أن يغفروا للروس أنهم، على عكسهم، أنشأوا دولة مركزية عظيمة (روسيا القيصرية، ثم الاتحاد السوفيتي) وثقافة أوروبية عظيمة لا تقل شأناً عن الثقافة الأوروبية الحديثة (المودرن)، بل مساوية للثقافة الأوروبية الغربية، بينما بولندا كانت دائمًا وستظل دولة طرفية، وفناءً خلفيًا سياسيًا، والأهم من ذلك، ثقافيًا في أوروبا هذه.
عن الأوروبيين الغربيين. أشار مِلنيك بوتكين، رئيس المخابرات الفرنسية في عهد ديغول، في مقابلة قبل وقت قصير من وفاته،، إلى أنه لا ينبغي للروس أن يقعوا في الضلال. فعلى الرغم من مرور قرنين من الزمان، لن ينسى الفرنسيون ولن يغفروا للروس انتصارهم على نابليون. فماذا يمكن أن نقول بعد ذلك عن هتلر والانتصار السوفياتي على كل من ألمانيا والرايخ الأوروبي؟ إن كراهية كل هؤلاء القادة الأوروبيين الحاليين أمثال شولتز وأورسولا فون دير لاين وغيرهما من سادة الشر المعادين لروسيا والروس ما هي إلا كراهية خلَفِ النازيين (وأحيانًا أحفادهم المباشرين أمثال المستشار الألماني الحالي شولتز الذي كان جده في القوات الخاصة النازية "إس إس"، المنظمة الأمنية النازية الأشد عنفاً)، كراهية بقايا النازيين الذين قرروا أن الوقت قد حان الآن للثأر، للانتقام وأن بإمكانهم - بأوامر من الأنجلو ساكسون - رفع الرأس مجدداً. يجب أن نتذكر أن الاتحاد السوفياتي قاتل ليس فقط ألمانيا النازية، ولكن أيضاً الاتحاد الأوروبي النازي - فأوروبا تلك، باستثناء الصرب، وقعت تحت حكم الرايخ. بالطبع، كانت هناك مقاومة في كل بلد تقريبًا، لكن يجب أن نتذكر أن هناك عددا أكبر من الفرنسيين كان في صفوف الرايخ مقارنة بعددهم في المقاومة، وأن رجال القوات الخاصة (إس إس) الفرنسية والإستونية كانوا آخر المدافعين عن برلين. إن كراهية الأوروبيين، وفوق كل شيء، الألمان (ليس كلهم بالطبع) للروس هي تعطش للانتقام. ولأجل الانتقام، هناك حاجة إلى نازيين جدد، ويفضل أن يكونوا من السلاف، فكان على الغرب المتأخر أن ينشّئ ويموّل هؤلاء النازيين الجدد.
الآن تتضح أشياء كثيرة كانت تفاجئ المرء في السابق، على الأقل ظاهريًا. ففي السنوات الأخيرة، طرحت في الأمم المتحدة مراراً على التصويت مسألة عدم جواز تمجيد النازية. وقد صوت وفدان – وفدا الولايات المتحدة وأوكرانيا – ضد قرار كهذا، بينما امتنعت دول الاتحاد الأوروبي عن التصويت، مما أعطى الضوء الأخضر لتمجيد بطولات النازية. وقبل بضع سنوات، كشفت الشرطة الجنائية الألمانية النقاب عن منظمة للنازيين الجدد في داخل المخابرات العسكرية لهذا البلد، لها علاقات وثيقة بمنظمة مماثلة في المخابرات العسكرية النمساوية. ويُزعم أن قيادة المخابرات العسكرية الألمانية تغاضت عن وجود النازيين الجدد داخل هيكلها. في الواقع، هذا الاعتقاد له ما يبرره، أولاً، أنها كانت إحدى خلايا منظمة بلاك إنترناشونال (الأممية السوداء)؛ ثانيًا، أن وظيفتها الرئيسية في المرحلة الحالية هي تدريب النازيين الجدد القريبين منهم روحياً في أوكرانيا. ومن هنا جاء "عمى" رؤسائهم عما يجري.
في الآونة الأخيرة، خلال زيارة لكييف، صرح جوزيف بوريل بصراحة أن من المرغوب فيه حل النزاع بين أوكرانيا وروسيا بالوسائل العسكرية، وليس بالوسائل الدبلوماسية. وغرد على التويتر قائلا: "هذه الحرب يجب كسبها في ساحة المعركة". لم يسمح أمثال هؤلاء المسؤولين الأوروبيين الرفيعي المستوى بمثل هذا لأنفسهم حتى الآن - منذ هجوم ألمانيا النازية على الاتحاد السوفيتي. إنه انتقامي آخر يخرج إلى العلن. فقد تمت إزالة الأقنعة بالكامل. والعدو عند أبواب روسيا، والمعركة معركة كسر عظم! إما هم ينتصرون وإما الروس.
بوريل نفسه كان قد تحدث قبل هذا عن الحاجة إلى حل القضية من خلال الدبلوماسية. لكن الوضع تغير الآن. فالغرب يعتقد أن مساعدته لأوكرانيا سترجح كفتها، وإنْ هذا إلا وهم. فروسيا ستفوز في النهاية، وإن كان هذا فوزًا صعبًا لأنها لا تحارب أوكرانيا، بل كل قطيع الضباع الأميركي الأوروبي وومعه "الأربعون حرامي" المنضمون إليه طوعاً أو غصباً. علاوة على ذلك، يبدو أن آمال الغرب في ما يسمى بـ"حزب السلام" في موسكو ليس لها ما يبررها.
لقد رسم الموقف بوضوح في عدد مارس من مجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs (التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية، والتي تعبر عن الموقف الرسمي للعولمة المتطرفة) صمويل تشاراب، الباحث في مؤسسة RAND ، وكبير مستشاري نائب وزير الخارجية الأميركي سابقا. فهو يعتقد أن التوصل إلى حل وسط مبكر مع بوتين هو الخيار الأفضل للولايات المتحدة. لماذا؟ الأمر بسيط جدا. لأن من الواضح أن روسيا سوف تسحق نازيي أوكرانيا على أي حال، وسيكون السلام نتيجة لانتصار بوتين، وهذا سيعني تلقائيًا فشلًا استراتيجيًا للولايات المتحدة. ويشير شارب إلى أن صراع الغرب على النفوذ في المنطقة خرج عن السيطرة. وشدد على أن انتصار روسيا لن يغير الوضع على طول محيط حدود الاتحاد الروسي فحسب، بل لن يسمح أيضًا بمحاسبتها على بدء الحرب. علماً أن الحرب بدأها الناتو من خلال القصف الأوكراني المستمر منذ ثماني سنوات لروس شرق أوكرانيا إثر الانقلاب المدبر من قبل الغرب على الرئيس يانوكوفيتش غير المعادي للروس. الى جانب ذلك، كلما طال الصراع، تقارب أكثر الاتحاد الروسي والصين، وتعزز أحدهما بالآخر، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى تجنب ظهور قطبية ثنائية جديدة. انتصار بوتين سيعزز نظامه، وبما أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة، وفقًا لتشاراب، هو تغيير النظام في الاتحاد الروسي، فإنه يجب على الغرب تحقيق معاهدة سلام بين روسيا وأوكرانيا قبل انتصار الاتحاد الروسي.
كل شيء واضح - الأهداف والوسائل. معاهدة سلام مبكرة هي الوسيلة لإضعاف النظام السياسي الروسي، وتغييره، وكنتيجة لذلك، القضاء على القطبية الثنائية التي يمكن أن تحققها الصين والاتحاد الروسي - ثلاثة في واحد. من وجهة النظر هذه، من الواضح للغاية أن كل من يدعو، خاصة في روسيا، إلى وقف فوري للأعمال العدائية في أوكرانيا وإبرام سلام مبكر ضمن "تسوية" ما، يعمل موضوعياً لصالح الولايات المتحدة، لصالح الغرب، وبالتالي، هو معتبر عدواً لروسيا. هكذا سلط المحلل الأمريكي الضوء بوضوح على مصلحة الولايات المتحدة ووسائل تأمينها، وتلقى الروس إشارة تتيح تحديد العدو بوضوح. "حزب السلام" هو إذن حزب القضاء على روسيا سلماً.