حوار حول مسائل شخصية .
فريد العليبي
2022 / 4 / 7 - 18:06
أجرى الحوار عيسى جابلي .
لمحة عن نشأتك وتكوينك من الابتدائي إلى الثانوي إلى العالي؟
انا ابن فلاح فقير ، أبوه كان يملك ألف راس من الأغنام ، ولكن قسوة الطبيعة وطلب الشهوات بحسب ما يروى عنه دمرا أملاكه ، وعندما توفي جدي كان أبي لا يزال طفلا صغيرا فرباه أخاه الأكبر ولما بلغ السابعة عشرة كانت تونس تشهد أولى معارك الفلاقة ضد المستعمرين الفرنسيين فالتحق بالجبال ، ولكنه ما لبث أن ألقي عليه القبض فأودع السجن الذي سمى بعد ذلك 9 أفريل بالعاصمة وشارف على الإعدام، قبل أن يأتي اتفاق الاستقلال الداخلي لينقذه ، هناك في ذلك السجن سيء السمعة قضى عاما ونصفا ، وعندما صار طليقا تزوج و سمى ولده الأول فريد حبا للمغني المصري ذائع الشهرة ، ولكن الطفل توفي بعد عامين نتيجة ظروف صحية ومعيشية صعبة ، وقبل أن أرى النور من بعده طلب منه قريبه تسميتي عبد الهوان لحلم رآه ، ظهر فيه ولي صالح بثوب أخضر قادم من الغرب ، قال له إن له ولد ا في الطريق اليه ، وأسدى له الأمر وطالبه بإبلاغه أبي ، ولكن والدي لم يمتثل اليه ، فقد كان علمانيا دون أن يدري ، ربما نتيجة فترة السجن التي تعلم فيها القراءة والكتابة، وكانت له حوارات مع مناضلين سياسيين ومحامين، منهم دستوريين وشيوعيين ، فقد كان يتندر مثلا بأن الشيوعيين في السجن لا يقولون سيدي بوزيد وانما سيدك بوزيد ، فضلا عن تأثيرات انخراطه في الطلائع الأولى للجيش التونسي أواسط الخمسينات من القرن الماضي ، حيث قضى مدة في ثكنات سوسة قبل مغادرة العسكرية فقد سببت له فترة السجن مرض ذات الرئة وربما كان ذلك سببا في وفاته المبكرة وهو لم يبلغ الأربعين . وقد خصصت له الدولة معاشا مقداره خمسة دنانير شهريا وظل على تلك الحال قبل التحيل عليه من طرف سلطة بورقيبة التي جردته من ذلك الحق ، مدمجة إياه ضمن المقاومين ليتلقى منحة زهيدة أخرى ويخسر المنحة الأولى ، التي هي استحقاق له على وظيفته العسكرية السابقة ، لذلك قضى حياته وهو يراسل الرئيس بورقيبة ووزرائه وولاته ومعتمديه طالبا حقوقه دون جدوى، وكنت كاتب رسائله فحفظت مسيرة حياته ، وولد ذلك نقمة مبكرة لدى على السلطة السياسية البورقيبة والمستعمرين الفرنسيين سواء بسواء .
حافظ أبي على حياة البدواة وعاش دوما ساكنا خيمة عدا شهر أجبرته خلاله سياسة التعاضد على سكن بيت من حجر في وحدة إنتاجية ، حتى لا يخسر عمله حارسا لأرض دولية ، ولكنه سرعان ما غادر عائدا بنا الى الخيمة وقطيع صغير من الغنم والماعز كان يوفر لنا سبب البقاء ، في هذه البيئة نشأت وفي تلك الخيمة ولدت وعشت ، كان ذلك أولا في سفح جبل بوهدمة الذي يحضن المكناسي من الجنوب وثانيا وسط ذلك الصحن الكبير الذي تمثله منطقة المكناسي على الضفة الجنوبية لواد اللبن ، بين ذلك الجيل وذلك الواد كانت قصة حياتي حتى الثالثة من التعليم الثانوي نظام قديم ، كنت أتنقل الى المدرسة على القدمين ولم تكن المسافة التي تزيد عن الخمس كلم تمثل عبئا فأنا من قوم مترحلين دوما. ولما أدركت السنة الرابعة من التعليم الثانوي كان على الانتقال الى سيدي بوزيد لإتمام دراستي، هناك التقيت أصدقاء جددا من مختلف مناطق الولاية الفتية، وكانت البورقيبية مسيطرة حتى أن التلاميذ كان يزج بهم في الشبيبة البورقيبية ويتلقون تكوينا في الغرض عشية كل جمعة ولم يشذ عن ذلك غيري وصديق مفرد ، كان متيما بفلسطين ويحمل شعار العاصفة دوما على صدره. دفعتني تلك التأثيرات الى السياسة مبكرا ، وعندما أنجز بورقيبة مع القذافي الوحدة التونسية الليبية كنت مع صديق دراسة نتجول في حقول سيدي بوزيد ومذياع صغير لا يفارقني يبث وقائع اعلان جربة ، قبلنا بعضنا وفرحنا كثيرا ، ثم كانت الخيبة بعد أيام عندما تراجع بورقيبة تحت تأثير الهادي نويرة وأوامر فرنسية أمريكية ، في تلك الاثناء جاء بورقيبة الى بوزيد زائرا لافتتاح مهرجان الربيع / الخروف ، وقتها اتفقت مع ذلك الصديق على كتابة بيان قصير ونسخه باستعمال الكاربون وتوزيعه سرا في ساحة المعهد ، وهو ما تم بنجاح ولم يتفطن الينا البوليس فنجونا من هلاك محقق .
في تلك الأثناء كانت تونس تموج بحركة الطلاب والعمال وغضب الفلاحين، وكانت الإذاعة الليبية تشحن التونسيين بالتحريض الثوري ، ومنها استمعت الى اشعار مظفر وخطب عبد الناصر ، ومن الإذاعة الجزائرية كان يأتينا صوت فلسطين، في الفترة الزاهية للفدائيين وبصدفة حسنة وقعت في يدى جريدة العامل التونسي المكتوبة بالدارجة ، وعرفت أن مشوارا سياسيا كفاحيا طويلا ينتظرني فصممت على الذهاب الى ليبيا خلسة في تمرد على العائلة والدولة في نفس الوقت ، كنا خمسة بين طفولة وشباب ، أنا في الصف الخامس من التعليم الثانوي والبقية تلامذة منقطعين وواحد فقط لا شغل له ، في ليبيا اشتغلت عامل بناء قبل أن يلقى علي القبض لعدم امتلاك جواز سفر، وبحيلة أفلت من السجن الليبي وعدت الى تونس حيث قضت حوالي نصف شهر في السجن التونسي ولكني نجحت في ادراك موعد الدراسة ، بعد سنوات حصلت على الباكلوريا آداب وترددت بين اختيارين الاكاديمية العسكرية والفلسفة وفي الأخير انتصرت الفلسفة ، هناك في الجامعة كانت أمواج الفكر والسياسة والثقافة عارمة فحملتني معها وتمكنت من السباحة في لجتها قبل ان أحرم من اجتياز الامتحان وأنا في الصف الثالث جامعة ، كان بإمكاني وقتها العمل مدرسا فقد حصلت على انتدابي في مدينة قابس ولكني اخترت الذهاب الى سوريا وتحديدا الى مخيمات الفلسطينيين، فقد كانت أخبار اجتياح لبنان على كل لسان ، عشت هناك مع الفدائيين ودرست في مخيم اليرموك صبيانا وصبايا وأنهيت هناك الدراسة الجامعية متحصلا على الاجازة ، قبل العودة الى تونس والعمل مدرسا بمعاهدها الثانوية لمادة الفلسفة ومواصلة الدراسة في جامعتها مجددا حتى الحصول على الدكتورا والالتحاق بالجامعة معلما للطلاب .
متى بدأ انخراطك في العمل السياسي؟ وما الظروف التي حكمت توجهاتك؟
مثلما ذكرت قبل حين بدأ ذلك الانخراط مبكرا ، وكان لظروف النشأة وعامل التاريخ التأثير على التوجه الذي بدأ قوميا لينتهي ماركسيا، دون تضحية بالأمة لصالح الطبقة فقد عرفت أنهما شقيقتان .
نبذة عن أبرز مؤلفاتك والأطروحات التي اشتغلت عليها.
علاقتي بالكتابة كانت مبكرة في بعض الصحف قبل أن أنجز رسالة الكفاءة في البحث حول العقل والتعقل عند الفيلسوف الاندلسي ابن باجة ، ثم كان اصدار أطروحة الدكتورا حول السياسة عند ابن رشد وثلاثية حول الانتفاضة التونسية تبعها نشر كتاب آخر عن ابن رشد فضلا عن كتاب عن فلسفة النبوة وكان كتابي السابع عن المنور السوداني محمود محمد طه
بمن تأثرت في دراستك وفي فكرك؟
تأثرت بكثيرين وكان لفلاسفة العرب موقع كبير في ذلك فضلا عن ماركس وأنجلس وغيرهما
ما سر اهتمامك بالفلسفة العربية؟
وجدت أن تلك الفلسفة حقل كبير لا يزال في حاجة الى حرث فهو لم يبح بكل مكنوناته .
موقفك من الثورة التونسية؟ هل هي انتفاضة أم ثورة أم انقلاب؟
أجبت عن مثل تلك الأسئلة في الثلاثية التي حدثتك عنها فالكتاب الأول كان عنوانه تونس : الانتفاضة والثورة ( 2011 ) حيث حاولت البرهنة على ان الأمر يتعلق بانتفاضة أما الثاني فعنوانه : الربيع العربي والمخاتلة في الدين والسياسة (1013 ) وكان معنيا بوجه خاص بكشف الغطاء عن الإسلام السياسي ومخاتلاته والثالث هو الموسوم بسياسة الازمة ( 2021) وهاجسه الابانة عن استعمال الأزمة لإدارة المزيد من الأزمات .
لماذا لم تنجح الثورة في رسم البدائل الديمقراطية الحقيقية في الحكم فاكتفينا بالشكلانيات حبرا على ورق؟
الثورة لم تقع ، هي لا تزال مشروعا ، لذلك نجد ارتباكا واضطرابا على أكثر من صعيد ومنه ضبابية المفاهيم .
ما تقييمك لتجربة حكم الإسلام السياسي؟ ولماذا يفشل في كل مكان يتولى فيه الحكم؟
الإسلام السياسي نشأ في علاقة بعامل خارجي منذ ولادته المعاصرة فظل يدور ضمن استراتيجيات خارجية توجهه حيث تريد .
ما موقفك من 25 جويلية؟ هل كان انقلابا؟
كانت هبة شعبية وجدت صداها لدي رئيس متيم بالفعل الانتفاضي ومشروع الشعب يريد
بعد 25 من جويلية تصاعدت أصوات تقول بنهاية الإسلام السياسي، ما رأيك في هذه الأطروحة؟
هو لم ينته ولكنه يعاني حشرجة الموت .
ما تقييمك للخطوات التي اتخذها سعيد بعدها؟ وهل نحن سائرون إلى استبداد ودكتاتورية؟
تلك خطوات جريئة متطابقة مع رغبة شعبية جامحة ، ولا خوف عليها من ولادة ديكتاتورية الرئيس فالديكتاتورية موجودة في مكان آخر .
ماذا عن مؤلفاتك وأعمالك القادمة؟
هناك ما ينضج شيئا فشيئا في عقل يرى الواقع ويعيش بين جنباته ، محاولا فهمه وتغييره أيضا.