ذكريات استاذ عراقي في جامعة عدن – الحلقة الثانية
سناء عبد القادر مصطفى
2021 / 11 / 11 - 07:27
البحث عن صديق قديم
في عصر اليوم الأول من وصولي الى عدن من موسكو في 13/12/1983 تعرفت على أبوستار وهو من مدينة السماوة الذي جاء لزيارة د. حسين عبد المجيد أحمد في السكن الجامعي لجامعة عدن الكائن في كنيسة التواهي كما ذكرت ذلك في الحلقة الأولى من الذكريات . وبعد مرور فترة قصيرة من الزمن وانتهاء بروتوكول التعارف الذي جرى بيننا بسرعة بادرته بالسؤال التالي : هل تعرف سلام عبود؟(سلام عبود صديق قديم من أيام الدراسة في جامعة بغداد في نهاية ستينيات القرن الماضي) . امتعض وجه أبو ستار وفكر طويلا قبل أن يجاوبني بحذر وباقتضاب شديد واختصار : نعم أعرفه او سمعت عنه بالأحرى، ولكن أنصحك كن حذراً لأن عليه علامة استفهام من المنظمة (يقصد بذلك منظمة الحزب الشيوعي العراقي"حشع" في اليمن) . سألته مرة ثانية وما هي علامة الاستفهام هذه التي تقصدها؟؟ جاوبني لا أعرف ولكن كن حذرا، قد يكون جاسوسا كما تقول المنظمة!!!!! ضحكت في دواخلي بالبداية ولكن لم أتمالك نفسي حتى شهقت من الضحك وقلت إذا كان سلام عبود جاسوسا فاقرأ السلام على الاسلام كما يقول المثل العربي متهكما. رجوت أبو ستار أن يمدني ويقول لي معلومات أكثر عن سلام ولكنه أبى وقال لا أعرف أكثر من ذلك. وبعد برهة قليلة من الزمن استأذن وخرج مودعا ومبررا خروجه السريع بزيارة أصدقاء آخرين جيراننا في السكن مثل الدكتور هادي أبو حسنين الذي لم يزوره منذ فترة طويلة.
التاريخ يعيد نفسه من دانيتسك الى عدن
في أول اجتماع حزبي في ربيع العام 1983 وكما أتذكر كان في غرفة الزميل نهاد الزهاوي، تكلم الرفيق المنظم او مسؤول الهيئة الحزبية بأنه توجد مجموعة من الرفاق ينتقدون سياسة الحزب ويوزعون أدبيات ومنشورات تهجم على الحزب ومنظمة عدن، وأن الرفاق في قيادة المنظمة يحققون في هذه القضية. تذكرت بهذا الصدد حينما انعقد أول اجتماع حزبي لنا في مدينة دانيتسك بأوكرانيا في خريف العام 1974 بعد وصولنا الى الاتحاد السوفيتي والتحاقنا بالكلية التحضيرية التابعة لجامعة دانيتسك الحكومية. كان يقود الاجتماع المرحوم متي شوشاني الذي كان وقتذاك طالبا في السنة الرابعة بمعهد البوليتكنيك الحكومي في نفس المدينة. والغريب في الأمر حدث نفس الشيء قبل حوالي عشرة من الاجتماع الحزبي في عدن. تحدث الرفيق متي حول وجود مجموعة تطلق على نفسها "فرسان العمل" في موسكو قامت بكتابة منشورات فيها تهجم على منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفيتي وعلى سكرتير المنظمة شخصياً والذي هو خليل الجزائري. وكان في البريد الحزبي نسخ من هذاه المنشورات قرأها علينا المرحوم متي شوشاني . وأن الرفاق في المنظمة يعملون من أجل كشف ومعرفة الأشخاص اللذين يقفون خلف هذا العمل. بعد مرور حوالي سنة ونصف كنت في زيارة الى موسكو والتقيت بأحد الأصدقاء اللذين كانوا معي في الكلية التحضيرية في مدينة دانيتسك بأوكرانيا وسألته عن مصير منظمة "فرسان العمل" ومن هم أعضائها، جاوبني بشكل تهكمي بأن كل هذه الزوبعة في فنجان هي من تدبير سكرتير منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفيتي خليل الجزائري وكان الهدف منها هو اقصاء بعض الرفاق من الحزب ومنظمة الاتحاد السوفيتي الذي
كانوايعارضون وينتقدون سياسته وتصرفاته مع الرفاق في موسكو من حيث عدم حل المشاكل الدراسية المتعلقة بتغييرالاختصاص وتغيير مكان ومدينة الدراسة التي تقتضي مراجعة وزارة التعليم العالي السوفيتية وكذلك تأثيرالانحدارالمناطقي والعلاقات العائلية التي كان من المفروض أن لا تجد لها مكاناً وسط تنظيما أممياً وعلمانياً.
وفي الاجتماع الحزبي التالي طرح المسؤول الحزبي مسألة العلاقات الاجتماعية وضرورة التزاور وزيارة الأصدقاء. كانت في الهيئة الحزبية رفيقة خطيبها يعمل صحفياً في صحيفة "الثوري" في عدن اسمه صبيح الجابر، الذي توجد عليه علامة استفهام من قبل المنظمة هو الأخر. وحينما طرحت اسم سلام عبود ومن المحتمل أن يشاهدوني معه في مكان ما ، رجوتهم أن لا يمتعضوا ولا يستغربوا من ذلك كما وأرجوأن يكتب ذلك في محضر اجتماع الهيئة الحزبية من باب التذكير ورفعاً للإلتباس. بعد انتهاء الإجتماع رجوت خطيبة صبيح الجابر بأن يقوم صبيح بإيصال خبر الى سلام عبود الذي يلتقي به بين فترة وأخرى مفاده بأن سناء موجود في عدن فقط ليس أكثر من ذلك.
طرد 34 رفيقاً من الحزب
وفي الاجتماع الحزبي القادم كان الدكتور رحيم عجينة الذي كان يشغل مركز سكرتير منظمة الحزب الشيوعي العراقي في اليمن موجوداً وكما هو معروف في المصطلحات الحزبية بأنه نزل مشرفاً وفي مثل هذه الحالة فبالتأكيد يوجد شيء مهم قد حدث ويريد الرفيق سكرتير المنظمة أن يخبر الرفاق في هيئتنا الحزبية بنفسه. تكلم الرفيق حول وضع الحزب في المرحلة الراهنة بشكل عام ومن ثم عرَج على وضع التنظيم في اليمن والظروف التي يمر بها وبالأخص بأنهم في قيادة المنظمة قد انتهوا للتو من التحقيق في وجود تنظيم منشق داخل المنظمة الحزبية وعددهم 34 رفيقاً وبأنهم عملاء السفارة العراقية في عدن. ولذلك قام الحزب بفصل قسم منهم وتوجيه عقوبات حزبية الى عدد منهم وتحويل قسم آخر الى اتصال فردي كما هو معروف في الرطانة الحزبية. ومن اللذين حققوا معهم د. رحيم عجينة وقسم من أعضاء منظمة حشع في اليمن الديمقراطية وهم أبو زينب ورضا الظاهر وعبد المنعم الأعسم.
كان من أحد أسباب الطرد من الحزب هو قراءة أدبيات منظمة فهد الثورية التي تكونت من بعض الرفاق في دمشق بسوريا في بداية ثمانينيات القرن الماضي وأرسلت الى عدن. ومن الأسماء اللذين طردوا من الحزب كما أتذكر بعض منهم:
أبو مازن (لا أتذكر اسمه الصريح) – مدرس ، عضو منظمة مدينة عدن للحزب الشيوعي العراقي
د. جلال الزبيدي- استاذ في كلية التربية بجامعة عدن، عضو منظمة مدينة عدن للحزب الشيوعي العراقي
منصور أبو أراس- مدرس في احدى مدارس عدن
خليل اسماعيل- مخرج مسرحي عمل في فرقة المسرح الوطني في عدن
ناصر خزعل – مصور ومخرج سينمائي في تلفزيون عدن
خليل الحركاني- مدرس ومخرج مسرحي
صبيح الجابر- صحفي في صحيفة الثوري في عدن
رشيد بندر الخيون – معلم وطالب في كلية التربية بجامعة عدن
داخل عودة – أستاذ جامعي في كلية القانون بجامعة عدن
سعدي يوسف – الشاعر العراقي المعروف – رئيس تحرير مجلة الطفل في دار اكتوبر للطباعة والنشر . وآخرين غيرهم لا أتذكر أسماؤهم بعد مرور هذا الوقت الطويل منذ العام 1983.
رسالة سرية من الجزائر
في شهر نيسان/أبريل سنة 1983 استلم د. حسين عبد المجيد أحمد رسالة من د. نزار جعفر (اقتصادي، خريج معهد بليخانوف في موسكو بالاتحاد السوفيتي 1980، وكان عضوا في قيادة منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي) الذي كان يعمل آنذاك استاذا في جامعة قسطنطينة بالجزائر تحتوي على بيان موقع من قبله ومن د. خليل الجزائري (سكرتير منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي الذي ورد اسمه أعلاه) وهو الآخر كان يعمل في جامعة قسطنطينة بالجزائر في كلية القانون. كان البيان يدعوا جميع الرفاق خريجو الاتحاد السوفيتي اللذين توجد في جوازات سفرهم العراقية أختام مزورة لتمديد فترة صلاحية الجواز مراجعة السفارات العراقية في الخارج من أجل اخراج جواز سفر عراقي جديد لهم (كانت منظمة حشع في موسكو تقوم بتمديد الجواز وختمه بختم مزور وكثيرا ما اكتشفت سلطات حرس الحدود السوفيتية هذا التزوير في ميناء أوديسا في جمهورية اوكرانيا السوفيتية وفي مطار موسكو وغضت النظر عنه بعد الاتصال بالجهات المعنية). بعد الانتهاء من قراءة هذه الرسالة نصحت د. حسين بأن يقوم بحرقها ولا يخبر عنها أي شخص لأن عيون منظمة حشع في اليمن الديمقراطي كثيرة ومنتشرة بين صفوفنا وحتى لا نقع في خطأ لا تحمد عقباه ونتعرض للمحاسبة الحزبية.
بناء فندق عدن
بعد زواج د.حسين وانتقاله للسكن في حي خور مكسر مع زوجته، بقينا أنا والمهندس عماد باحور الذي كان يعمل في وزارة الصناعة في عدن نسكن في الغرفة التي صارت باسمي كوني أعمل في جامعة عدن. توثقت أواصر الصداقة بيننا من خلال تناول الكثير من المسائل العلمية والفلسفية والسياسية والدراسية في الدول الاشتراكية وخصوصا وأن عماد خريج ألمانيا الديمقراطية في العام 1974 كما ذكرت ذلك في الحلقة الأولى وشمله قانون عودة الكفاءات الذي صدر في العام 1974 حينما كان أحمد حسن البكر رئيساً للجمهورية العراقية.
بعد مرور فترة من الزمن حصل عماد على عمل مع شركة فرنسية كانت تبني فندق عدن الدولي بصفة مهندس كهربائي ومسؤول عن نصب المصاعد الكهربائية في الفندق ذو العشرة طوابق الذي يقع في منطقة سياحية وفي تقاطع طرق يسمى الكولة (Algolah) مقابل سينما عدن والكازينو السياحية وكذلك الطريق المؤدي الى جزيرة الشاليهات السياحية.
كان عماد باحور يطمح للسفر والإقامة في سوريا ولكن الذي كان يقف حجرعثرة أمامه هو جوازه سفره العراقي المنتهية صلاحيته وكيفية الدخول الى دمشق؟؟!!
البقية في الحلقة الثالثة.