نداء إلى الجمعية الملكية لحماية الطبيعة: - الذئب والغنم-


علي طه النوباني
2020 / 10 / 13 - 20:42     

علمت من صديق يملك مزرعة في أراضي حوض نهر الزرقاء في جرش بظهور الذئاب بين المزارع، وقال بأن عواءها يسمع يوميا وهي تقترب من مزارعهم. قال بأن المزارعين أصبحوا يخافون على أطفالهم ومواشيهم حتى أن أحدهم أطلق النار على واحد من الذئاب وقتله.
والمعروف أن هذه الحيوانات تبقى عادة في موائلها الطبيعية؛ ولا تخرج منها إلا إذا اعتدى الإنسان على موائلها بالزحف العمراني أو الزراعي؛ فتخرج مرغمة تبحث عن غذائها في بيئة غريبة عنها، وتصبح عدوانية؛ مما يؤجج الناس ضدها، فتنقرض بعض الأنواع بسبب هذا الاختلال الذي يحتاج إلى مداخلات نوعية للحفاظ على التوازن الطبيعي وحماية الأنواع المهددة بالانقراض.
قال الناس في مثلهم الشعبي القديم " لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم".
هكذا، ببساطتهم، عبروا عن فكرة التوازن البيئي بعمقها العلمي دون كتب ملونة، ودون مواقع إلكترونية براقة، ودون أساتذة يحملون الرتب العليا في العلم لأنهم كانوا يتعاملون مع الطبيعة يوميًا، فتتراكم خبراتهم، وتصبح جزءًا من وعيهم وسلوكهم اليومي.
وقال لي أكثر من شخص من كبار السن الذين كانوا يرعون الأغنام في ستينيات القرن الماضي إنهم كانوا يَقُصُّون النباتات البرية بحيث يبقى جذرها في الأرض لكي يجدوها في العام المقبل! وقالوا لي إنهم كانوا يتعمدون الزراعة في مراح الأغنام لكي يستفيد الزرع من الروث كسماد طبيعي.
واليوم، تنقطع السلسلة، يقضي الأطفال معظم وقتهم في أحضان العالم الافتراضي، وتنقطع الخبرات التي تشكلت عبر ألوف السنين حيث كان الإنسان يتواصل مع الطبيعة ويحافظ على بقائه بالمحافظة عليها؛ فنحصل على إنسان مغترب عن الطبيعة يخاف خنفسة أم علي بعد أن كان أبوه يقضي الدقائق وهو يسيرها على يده ثم يطلقها، ويقرف من دودة الربيع الملونة بعد أن كانت صديقة الأطفال، ولا يعرف شيئا عن الحشرة المضيئة " قنديل الحصادين" التي كانت تساهر أباه في ليالي الصيف الجميلة.
ماذا يستطيع سكان حوض الزرقاء مثلا أن يفعلوا للذئاب التي فقدت موائلها الطبيعية؛ وهجمت على مزارعهم؟
هل يستطيع الناس اليوم معالجة هذه الاختلالات الحادة والخطيرة وحدهم دون تخطيط شامل تقوم به الدولة؛ شريطة ألا يقع ضحية التبدل اليومي للسياسات الذي يحدث مع تغير الوزراء والمسؤولين الحكوميين. وكيف سنغطي النقص الحاد في الوعي البيئي الذي نشأ عبر عقود طويله خسرنا فيها الكثير من عناصر التوازن البيئي والأنواع الحيوية التي كانت تعيش في أرضنا لآلاف السنين.
إنك عندما تنجب طفلا؛ إنما تعلن مسؤوليتك عن المحافظة على حقه في العيش في بيئة متوازنة وسليمة، فإذا ما ساهمت بشكل أو بآخر في تدمير التوازن البيئي أو التلوث أو تهديد التنوع الحيوي؛ فأنت تقتل ابنك! وتنكر حقه في الحياة! وإذا لم يكن بمقدورك أن توقف الأخطاء التي تراها؛ فإن واجبك يقتضي الضغط على أصحاب القرار لحماية حق ابنك في الحياة.
وحيث إني لا أستطيع فعل شيء للذئاب التي فقدت موائلها في حوض نهر الزرقاء، فإنني أدعو الجهات المعنية وعلى رأسها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة لأن تقوم بدورها في إيجاد مداخلات نوعية من قبيل مداخلات أجدادنا عندما قالوا: "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم".