هذه بلادنا ومنطقتنا والوضع يخصنا...


أحمد الناصري
2018 / 5 / 12 - 14:52     

منذ قرن على الأقل (لا نريد العودة إلى ما قبله وهو ثقيل ومرعب) لا تزال بلادنا ومنطقتنا تتعرض لمحنة وجودية، حيث تتخبط في متاهة ومأزق التاريخ والخراب والتدمير، لأسباب كثيرة، قديمة وجديدة، داخلية وخارجية...
نحن أبناء المنطقة (الأرض اللغة اللغات والثقافة والواقع). فأنا إنسان من المنطقة، ثم وطني وماركسي وأممي إنساني. هذه هي العلاقة والصلة، وكيف ننظر لها؟...
من أبرز أسباب الانقطاع والتوقف التاريخي، أو السبب الرئيسي وهو مفتاح الحل الضائع والمفقود لحد الآن أيضاً، هو عدم اكتمال مشروع النهضة والتنوير والتقدم. هنا المشكلة والخلل والنقص. الباقي تفاصيل وتطبيق من قبل الأطراف التي تدير هذا المشروع، وعجر وقصور الأطراف الأخرى التي حاولت الخروج من هذا الوضع وتغييره...
المنطقة تتعرض للتدمير بواسطة العامل الداخلي المتخلف والتابع (أحياناً مكلف كأداة)، الذي اعاق وقمع التطور والتقدم عبر قمع المجتمع. والعامل الخارجي (الكوني) الاستعمار القديم والجديد وآثاره المباشرة التي وصلت إلى شكل الاحتلال العسكري المباشر وإدارة الحروب القذرة المتنقلة في منطقتنا ومنع ايقافها وحلها. وعامل النفط والطاقة والموقع والعامل الاسرائيلي بما هو شيء زائد ومفتعل في المنطقة ضد الشعب الفلسطيني.
مشكلة العالم والشعوب مع المشروع الامبريالي الأمريكي، والصراع العالمي من أجل السيطرة على موارد الطاقة والمواصلات والأسواق (هل تبدل هذا الأمر؟)، ومشكلتنا هي الصراع مع المشروع الأمريكي الأوربي الصهيوني التي تموله انظمة عربية رجعية غنية (السعودية ودول الخليج غير المستقلة) في تحالف علني، عملوا على تظهيره واخراجه، عبر خطوات ورسائل وتسريبات واتصالات كثيرة.
المشكلة الفلسطينية، مشكلة رئيسية إنسانية وثقافية وسياسية، خلقتها مباشرة وانتجتها الخطط الكولونيالية ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، لمنع التحرر والاستقلال.
لذلك فاحتلال فلسطين يرتبط بالمشروع الكولونيالي الإمبريالي المستمر المتنوع (في منطقتنا والعالم) بحلقاته الدموية الوحشية، لتحطيم دول الطوق والدول العربية الرئيسية (أهمها مصر) وحتى الدول البعيدة والفقيرة، بما يعني تدمير المنطقة واخضاعها والسيطرة عليها، لفرض الاستسلام عليها، إلى جانب تأمين عامل النفط والطاقة والموقع والممرات والأسواق الكبيرة. كلها عوامل استراتيجية عالمية هامة.
يقول الدكتور كمال ديب في بحثه
اسرائيل تبتلع إيران؟
ثوابت جيوبوليتيك - الحلقة الثانية -) الفقرة 6
(أهم ما جاء في مذكرة التفاهم الاستراتيجي بين اسرائيل وأميركا التي ابتكرها كيسنجر كانت أن واشنطن تضمن وإلى الأبد تفوق إسرائيل العسكري الاستراتيجي والتكنولوجي على كل البلدان العربية مجتمعة، حتى تلك التي تدور في الفلك الأميركي. وبالمقابل تصبح اسرائيل جزءاً أساسياً من استراتيجية أميركا العالمية في الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والثقافية. وهذه المذكرة جرى تطبيها بتفاصيلها في أوائل السبعينيات وأثبتت جدواها مثلاً في حرب 1973 ضد مصر سورية وحضور أميركا الكامل في الحرب إلى جانب إسرائيل ثم في غزو لبنان عام 1982 عندما استحضرت أميركا ليس أساطيلها إلى بيروت فقط بل أساطيل حلفائها في الناتو وخاصة بريطانيا وفرنسا)....

وهناك تداخلات وتشابك عالمي في منطقتنا، يتعلق بالتواجد الروسي و(قبله السوفيتي) والصيني كمنافس قوي وحقيقي لأمريكا والمهدد لمصالحها والمتسابق معها على جدول الاقتصاد العالمي واحتمالاته والصراع حول الموقع الأول، ومحاولات ترامب ذات الصلة بالتصور العالمي الكوني للتدخل الاستفزازي في بحر الصين وكوريا، وخلق مشاكل واسعة لروسيا بتطويقها بحزام صواريخ نووية، وتحريك جورجيا وأوكرانيا وقضية القرم وأزمة الجاسوس البريطاني، وفرض عقوبات اقتصادية والتلاعب بأسعار النفط عبر خدم السعودية.
هذه عوامل متحركة ومتغيرة دائماً وبعضها جديد، لكنها لم تؤثر بقوة على طبيعة وجوهر خطط الهيمنة الرأسمالية وخطها الرئيسي منذ قيام الرأسمالية وتمددها الخارجي المتمثل بالاستعمار القديم والجديد والحروب الكونية والمحلية التي لا زالت مشتعلة ومتنقلة في أطراف العالم، وما يرافقها من مآسي وكوارق وقتل جماعي وجوع وتدمير، خاصة بعد توقف أو تراجع حركات التحرر الوطني بتركيبها وأفقها السابق العميق.
هناك قوى اقليمية محدودة الامكانية والقوة الاقتصادية والعسكرية، منها إيران وتركيا. وهي قوى يمكن ايقافها ومنع تمددها مع وجود دولة وطنية عادية (غير فاشلة)، لكن هذه القوى تتحرك وتتمدد وتتدخل حال وجود فراغ سياسي داخلي، يتمثل ب فشل او انهيار تلك الدولة. لا يوجد تقليل من الدور والاطماع والنفوذ الاقليمي. وهو يحتاج إلى دراسة وتحديد دقيق لحجمه وطبيعته.
هناك جهد ونشاط آخر، مخابراتي وسياسي وإعلامي، محموم لخلط الأوراق وابدال الخطر والعدوان الرئيسي الحقيقي بخطر آخر. وهذا انزلاق تاريخي خطير، لكنه مفتعل وغير حقيقي.
الكيان وجد على أنقاض المنطقة وخرابها وضعفها، واتفاقية سايكس بيكو السرية، وجريمة وعد بلفور البريطانية، والهجرة وتحضيرات كثيرة من بينها دور الأنظمة العربية الرجعية كأداة محلية لتنفيذ المشروع الخارجي. كذلك ما تعرضت له بلداننا من مؤامرات متلاحقة وتدخلات مباشرة شرسة.
الآن مشروع ترامب، او ما يسمى صفقة او صفعة القرن ونقل السفارة إلى القدس وحرب التدمير السورية الداخلية ومنع ايقافها وحرب تدمير وقتل الشعب اليمني والتسلح السعودي وتمويل جميع مشاريع التخريب ضد الشعوب والدول والتنسيق العالي والكامل مع الكيان، وتحريضه على ضرب حزب الله وإيران.
في هذه اللحظة الملتبسة، لا يمكن السماح بخلط الأوراق والتبسيط المقصود والمدفوع الثمن مع دوافع طائفية أو الموقف والسلوك الساذج النتائج عن الخفة والتسرع وعدم إمكانية الفحص والتدقيق، أن نستبدل الكيان كعدو رئيسي بإيران مهما كان حجم خطرها ودورها التخريبي والخلاف معها. كما لا يمكن لي أن أؤيد الخطط الصهيونية في جنوب لبنان بحجة طائفية وتبعية حزب الله لإيران، كذلك الحرب على غزة كون حماس حركة أخوانية ورجعية ودينية. هذه مشاكل وخلافات داخلية، حول قضايا فكرية وسياسية ومستقبلية، لكنها ليست كالخلاف الرئيسي مع مشروع الكيان وعلاقته الكونية بأمريكا وأروبا وإمكانياته واستهدافاته وما حققه من تدمير وتخريب بمنطقتنا...
هناك تدمير واقتحام نوعي ممنهج من ال 48 والحروب اللاحقة المتنقلة إلى اليوم في منطقتنا، التي بدأت بتدمير لبنان الجميل بالحرب الأهلية الشرسة، وعدم السماح له بامتلاك بندقية خفيفة دون شروط صارمة، لتأمين الكيان، واجتياح بيروت، والحرب العراقية الإيرانية، وصولاً إلى حروب تدمير العراق، وما رافقها من تحولات استراتيجية عميقة، ثم حروب تدمير الدول والمجتمعات بواسطة الإرهاب (الغامض)...
الشعوب والمنطقة يمكن لها أن تنهض بالتدريج، بواسطة العقل والنقد والمراجعات. البداية حققها وأنجزها الشعب الفلسطيني الذي يقاوم ويستمر، وقد منع وأوقف تداعي وانهيار المنطقة النهائي والتام، وأبقى على شعلة الأمل، وهو يواصل نضاله الشاق تحت ظروف قاهرة.
هي بلادنا ومنطقتنا والوضع يخصنا ولا يخص أحداً غيرنا كي يتحكم بهما أو يقرر مصيرهما!