جرأة في علي


حيدر محمد الوائلي
2018 / 1 / 12 - 01:59     

جرأة في علي

حيدر محمد الوائلي
[email protected]

مجرد ذكري لإسمك في حديثٍ عابرٍ هو جرأة.
يعلم ذاكرك أنه بذكرك باخسٍ حقك.
جرأة بساطة الحديث في عظيم المواقف.
يُخيل لي بكاء رضيعٍ وأنين إمرأة من وسط بيت الله الحرام.
خرجت فأعلنت ولادة النور في الشهر الحرام.
عش مجد السنين فالخاتمة بمحرابٍ وشهر صيامٍ لم يكتمل.

تتساقط الكلمات قطراتٍ في لج بحرك الكبير.
عشت صابراً ومت صابراً أبا الصبر.
يا صاحب النفس العظيمة إصبر.
إصبر وصابر ورابط.
فما صبرك إلا قوة.
صبرت على ماهو أمرّ من الصبر.

الكلمات جمراتٍ تحرق القلب.
هذا القلب المليء بالجراح والالام.
ما عساها الكلمات من قلبك المجروح إلا أن تخرج صادقة نبيلة.
كلمات القلب المحروق أصدق الكلمات وأنقاها.
من غير القلوب المحترقة بدواهي ومحن السنين تتكلم بالحق.

كانت حقاً من رجلٍ يدور الحق معه حيثما دار.
يتحدث من اخاه يوم المواخاة موصياً من ستقتله الفئة الباغية لاحقاً: (يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فأسلك مع علي ودع الناس فإنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من هدى).

مضى بواديه عادلاً منصفاً فكرهه الكثيرين ناكثين وقاسطين ومارقين.
حاربوه لأنه حق.
ولليوم يحاربون الحق.
كانوا ولا زالوا أكثرهم للحق كارهون.
منهم كثير ممن يتظاهر بحبك وولائك وهم ناكثين جدد وقاسطين جدد ومارقين جدد.

يضرب بالسيف لنصرة الحق، ويصبح كالحمل الوديع لنصرة الحق أيضاً.
الحق واحد، في السِلم والحرب.
ذات مرة كان يمشي في شوارع الكوفة ليلاً مع خادمه قنبر يتفقد الناس بنوبة له إعتيادية.
يسمع صوت اطفال يبكون بصورة غير إعتيادية.
اقترب من الدار وطرق الباب ففتحت أمرأة الباب.
كان السؤال.
مم بكاء الأطفال.
أجابت: الجوع وضيق الحال.
تعجّب فسألها عن أبو العيال.
إن أبوهم قضى نحبه مع عليٍ في القتال.
من داخل الدار صوت نار.
وماءٍ يغلي.
ماذا في القدر أتى السؤال؟
اجابت: محض ماءٍ أسلي به الأطفال.
علهم يتسلوا بصوت الغليان ويملوا فيناموا.
نزل الجواب كالصاعقة على أم رأس علي.
أسرع لداره وحمل جراباً فيه طحين وأخذ معه بعض تمر.
طلب قنبر حمل المواد عنه.
رد عليه: أنا اولى بحمله منك يا قنبر.
حمل الجراب على ظهره متوجهاً لتلك الدار.
طرق الباب ففتحت له الارملة: أمة الله أما أن تطبخي الطعام وأنا اسلي الاطفال أو أن اطبخ أنا الطعام.
فقالت إن كان لابد فأوقد التنور.
أوقد علي التنور وقرب خده إلى النار محدثاً نفسه: ياعلي ذق!
كيف يبيت الايتام جياعاً؟!
ذق يا علي!

جاءت المرأة كي تخبز الخبز فتوجه علي إلى الاطفال يلاعبهم ويحملهم على ظهره وهم يضحكون فرحين.
يقول قنبر وهو يتابع فعل علي، تعجبت فسألت نفسي أهذا قالع باب خيبر وقاتل مرحب؟!

أكملت المرأة الطعام فصار علي من يضع الطعام في فم الايتام.
يحدث نفسه مرة أخرى: كلوا وسألوا الله أن يغفر لعلي.
بصوتٍ حزينٍ حدّث نفسه ليسمع غيره من سيملك بإسم الأسلام مستقبلاً في غضون بضع سنواتٍ وعشراتٍ ومئات وحتى الحين.

من داخل بيت الله، كرم الله وجهه وعليه السلام وعلى ملة رسول الله لم يسجد لصنمٍ قط حتى جاء نصر الله والفتح، ودخل في الأسلام من دخل من مسلمين مؤمنين ومسلمين منافقين ومسلمين مستسلمين.
ذات الأصناف متواجدة اليوم.

تلك الحروب التي جاوزت الثمانين حرباً كان علي فيها رافع لوائها وشجاعها وليثها المغوار.
كان فيها كالقطب من الرحى فيما عدا تبوك حيث جعله النبي محمد حارساً على المدينة قائلاً له: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي.

لم تؤذي علياً تلك الجراحات يوماً وهو لم يكترث لها أصلاً.
لكن آذاه جراحات الخنوع والخيانة ممن حصدوا ما زرع النبي محمد بدمه وعرقه وجراحه وسنين المحنة وأيام الحصار. ومنذ السنة الأولى للهجرة وحتى سنة 1439هـ 2018 م. تاريخ كتابة هذه السطور.

ولأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ويشاهدون ويعلمون ويتألمون، فهو يتألم وصابر على شيء أمرّ من الصبر.

من ألم ومرارة كثرة الأعداء أيام لم يكن للنبي ناصراً ولا معيناً غيره وثلة من الأصدقاء الكرام، كان وقتها علي مستأنساً وفخوراً رغم قلة وخذلان الناصر.
أراك بالأمس البعيد واليوم الحالي حزيناً صابراً لكثرة الأصحاب وقلة الأصدقاء.

أرى ذو الفقار الذي بضربةٍ واحدةٍ قدت عمر بن ود نصفين معادلة عبادة الثقلين حينما بلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا، وتقاعس الأحزاب من الناس وخافوا وزلزلوا زلزالاً شديدا. كان هذا وصفهم في سورة الأحزاب. كتقاعس وخيبة الأحزاب الدينية والسياسية اليوم التي عاثت في الأرض فساداً.
عمر بن ود يتغطرس ويستهزأ بالله وبمحمد. ولا من ناصر.
ساد الهدوء إلا من ضجيج إبن ودٍ فأخرسه علي بضربة صاح لها المسلمين من بعد سكوت طويل: الله أكبر!
تلك الضربة التي لولاها ما صاح الله أكبر أحد بعدها أبداً ولليوم حين دعا النبي الله يومها: يا رب إن شئت أن تعبد أو لا تعبد.

أرى ذو الفقار في غمده بعد أن رأى الكثيرين من المغفلين والفاسدين والمنافقين والجهلة والهمج الرعاع الناعقين مع كل ناعق تحكم وتخطب وتتسيّد ولليوم على تلك المنابر والمحاريب والصروح التي شيدها محمد بآلامه وجراحه ودمه وعرقه وصبره حيث ما أوذي نبي مثل ما أوذي محمد.

ليصلح حال الناس أجمعين ويكرمهم ويخلصهم من ظلام وقسوة الظلم ليعدل فيهم ويحكم بالأنصاف وليركبوا سفينة النجاة التي ربانها محمد وشعارها لقد كرمنا بني ادم و يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا فخانوا الأمانة.
لم يخن الأمين ولكن أكثر الناس ائتمنت الخائن وحتى اليوم.