في ذكرى انتفاضة 23 مارس
وديع السرغيني
2017 / 3 / 24 - 09:22
في ذكرى انتفاضة 23 مارس
خلال الأيام القليلة القادمة تحل ذكرى انتفاضة جماهيرية مهمة، هزت منذ سنوات أركان النظام القائم، مؤكدة على القطيعة مع اختيارته الطبقية، والغارقة في التبعية والانصياع للمخططات الإمبريالية بقصد تمكين مراكزها المالية والشركات العابرة للقارات، من ثروات وخيرات الشعب المغربي، ضدا على الطموحات الشعبية والوطنية، المؤمنة والمدافعة عن المشروع الاقتصادي التحرري والوطني.
حيث اندلعت الشرارات الأولى من الانتفاضة والاحتجاج الشعبي العارم، بقلب الاعداديات والثانويات في أغلب المدن المغربية الكبيرة، كالرباط وفاس ومراكش والبيضاء.. لتتحول لمعارك عنيفة ودموية صدت قوات القمع بكل حزم وصلابة، خصوصا بالمدينة العمالية البيضاء وبداخل أحيائها الشغبية الفقيرة.
فمنذ صبيحة الثاني والعشرين من مارس إلى الساعات المتأخرة من ليلة الثالث والعشرين، اندفعت الجماهير التلاميذية للشوارع منددة "بقرار بلعباس" المشؤوم، ومطالبة بالتراجع عنه وإلغائه. كان القرار بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، أو القشة التي كسرت ظهر البعير، والتي قضت بمنع التلاميذ من متابعة دراستهم، بدعوى التكرار والتثليت في القسم الواحد، ثم الدفع بكبار السن منهم للالتحاق بمؤسسات التكوين المهني عوض متابعة الدراسة بالاعداديات.
تطورت التظاهرات في أشكالها ومطالبها وطبيعة المشاركين فيها بسرعة، والتحق بصفوفها عموم المواطنين، عمال، وباعة متجولين، وعاطلون وطلبة.. لتتطور مواقفها السياسية والاجتماعية التي لم يعد يحد سقفها مطلب التراجع عن القرارات الحكومية التصفوية هذه، لتتعداه ولتصبح المعركة، معركة من أجل التغيير، وتحسين الأوضاع المعيشية، ورفع الاستبداد عن رقاب المغاربة.
لقد كانت هذه الانتفاضة الشعبية المجيدة، انتفاضة 23 مارس، بمثابة الإعلان عن مرحلة جديدة في التاريخ النضالي والسياسي المغربي المطبوع بالراديكالية في المواقف والشعارات الثورية.. متحدية القمع وآليات بطشه، التي واجهت المتظاهرين العزل بالحديد والنار والرصاص والدبابات والمروحيات..الخ
فعكس الاحتجاجات السابقة، اتخذت انتفاضة 23 مارس المدن العمالية الكبيرة مجالا لنشاطها ولمعاركها، حيث رفعت شعارات جذرية وقوية طالبت بعضها بإسقاط النظام، وطالبت بالانتفاع الجماعي من خيرات البلاد، ومن خدمات الحكومة في مجالات عدة كالتعليم والصحة والشغل والسكن.. منتقدة لسياسات الدولة المعتمدة على القمع والاستبداد ومصادرة الحريات.. في حق المواطنين والجماهير المحتجة وكذا في حق المناضلين الديمقراطيين المعارضين لسياسات النظام ومخططاته، والذين عانوا من الاختطاف والاعتقال والمحاكمة والسجن لسنوات طويلة بلغت المؤبد والإعدام حتى.
خلال هذه المرحلة بالذات، ونتيجة لتراكم الأخطاء القاتلة في تدبير عمل المعارضة المحكومة بسياساتها المترددة، وغير الحازمة في الذود عن المطالب الديمقراطية والاجتماعية للجماهير، حيث اتجهت قوى المعارضة الرسمية للانتظار والسعي للمفاوضات مع القصر، عوض الانخراط والارتباط. بحركة النضال الجماهيري، والإنصات لنبض الشارع والتعبير عن مطالبه وطموحاته وتطلعاته.. حيث انطلقت الانتفاضة بشكل عفوي بداية، دون قيادة ودون تأطير ودون تخطيط.. لتنتهي بهزيمة سياسة كبرى، كانت علاماتها الأولى هي التراجع عن العديد من المكتسبات الاجتماعية، والتكريس للتدهور المعيشي، والتراجع عن الخدمات التي تؤديها الدولة وتحميها، مما زاد في تعميق الفقر والحرمان المجسد في ميادين التعليم والتطبيب والتشغيل والإسكان..الخ
في هذه الظروف أغلقت المعامل والمصانع والعديد من الشركات، وتم تسريح العمال وعمّت البطالة، وأنهكت القدرات الشرائية للغالبية الساحقة من المواطنين البسطاء من ذوي الدخل المحدود..الخ كانت الانتفاضة بمثابة امتحان للقوى السياسية المعارضة التي شهدت نقاشا حادا في أوساطها، لتتبين الطلائع الشبابية بأنها
استنفدت إمكانياتها، كمشاريع إصلاحية ضيقة الأفق، ومحدودة الإمكانيات، ومتذبذبة المواقف.. لتنتصب من قلبها قوى تصحيحية جديدة، عانقت الاختيار الثوري كسبيل للتغيير، وراهنت على الطبقات الاجتماعية الكادحة لتجسيد مشروعها.
ولم يكن من بد، أن تنطلق هذه الحركة السياسية الجديدة من تقييمها للانتفاضة، بحثا عن مكامن العجز والضعف، الذي أدى بالانتفاضة للتراجع والهزيمة في الميدان.. اعتمدت في ذلك على قوى شبابية طموحة ومتحمسة، وعلى قوى اجتماعية نشيطة - الطلبة والتلاميذ والمثقفين وبعض النقابيين..- وعلى فكر سياسي تقدمي حديث، يعطي الأولوية الحاسمة للفكر الطبقي ولمصالح الطبقات الاجتماعية المطالبة بالنضال من أجل التغيير، منبها ومؤكدا على أهمية الفكر الماركسي والنضال من أجل الاشتراكية، على اعتبار أنه لم يعد هناك من خيار للقضاء على الرأسمالية كأصل لجميع الشرور والحرمانات التي تعيشها الجماهير الشعبية الكادحة وتكتوي من نيرانها.
لقد خلص التقييم لضرورة الإعداد والتهيئ لثورة اجتماعية تقودها الطبقة العاملة المنظمة في حزب سياسي، يضمن استقلالها الفكري والسياسي والتنظيمي، عن باقي الطبقات والفئات الشعبية الأخرى التي من مصلحتها التغيير، وتكون طليعتها في مجرى هذا النضال الذي سيقضي، لا محالة، عن جذر الاستغلال والاستبداد والبطش.. وفي المقابل سيبني مجتمع الحرية والديمقراطية والمساواة والاشتراكية.
على هذا الأساس انبنى تصور هذه القوى السياسية الصاعدة، والتي انبثقت من رحم هذه الانتفاضة الشعبية وتقييما لها، مشيدة للحركة الماركسية اللينينية المغربية، ومعلنة عن معارضتها الراديكالية للنظام القائم، ومسطرة برنامجها النضالي والتنظيمي، سعيا للقضاء عليه، ولإقامة الدولة الديمقراطية الجديدة بدله.. والتي لم تتوانى عن إعلان التأسيس والانتظام في منظمات سياسية لهذا الغرض، ارتبطت أولاها بتاريخ الانتفاضة نفسها، لما تحمله من رمزية تاريخية مهمة، منظمة "23 مارس" في نفس اليوم من سنة 1970، وبعدها منظمة "إلى الأمام" في 30 غشت من نفس السنة، ثم منظمة "لنخدم الشعب" أواخر سنة 1972 المعروفة كذلك "بمجموعة المتكتلين".
كان هذا الإعلان والتأسيس في هذه الظروف، وغداة هذه الانتفاضة الشعبية المجيدة، بمثابة تحول فكري وسياسي مهم، تجندت له العديد من الفعاليات التقدمية في مجال السياسة وفي مجال النضال الجمعوي والثقافي والنقابي. انخرط في صلبه الشباب المناضل والمتعطش للتغيير، حيث لا زالت الطلائع الشبابية بالجامعات ولحد اللحظة، مدينة لهذا التحول، وتستقي من أفكاره ومواقفه وتجربته.. معتبرة نضالها الميداني الحالي، استمرارا لتلك التجربة وتتمة لها، من خلال إحيائها لذكراها وتخليدا لشهدائها واعترافا بتضحياتها.. عبر تشبث عموم الحركة الشبيبية الثورية بالمطالب نفسها الملتزمة بالنضال من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية.