الدين والتراث في كتاب -حوارت- كريم مروة


رائد الحواري
2015 / 6 / 25 - 15:03     

ويتحدث عن "الدين والتراث والثورة" بمنطق يتجاوز فيه الرؤية (الجاهزة) التي اتخذها الشيوعيين العرب عن الدين، فنجده يتقدم منه بصورة واقعية موضوعية تنسجم مع واقع الدين في مجتمعاتنا، فيقول عن دور الدين: "... كظاهرة تاريخية، وكواقع اجتماعي، وكتراث، من الحرص على فهم حقيقي، عميق ودقيق، لدوره في تكوين الوعي السائد في مجتمعاتنا، بمستوياته المختلفة، فيمثل هذا الفهم، وعلى هذا أساسه، تتوفر شروط أفضل لتحليل الواقع القائم في هذه المجتمعات لصياغة نظريات وبرامج وخطط سياسية تسهم في تحريرها وفي إحداث التغيير فيها.
.... بالنسبة لي، أنا الماركسي العربي، الدين الإسلامي، تحديدا، والين، بوجه عام، يشكل مصدرا من مصادر معرفتي بتاريخ بلادي، ومعرفتي بواقعها، ومصدر من مصادر وعي المجتمع الذي أعيش فيه، وشكلا من أشكال الوعي السائد في هذا المجتمع، فهو، أي الدين، يكتسب، بذلك، خصوصيته، ويكتسب موقعه، وهو، بذلك أيضا، يشكل أداة من أدوات البناء، وتشكل تعبيراته المختلفة موضوعا للنقد." ص31و32، بهذا الكيفية يرى كريم مروة الدين، فهو يتجاوز مقولة "الدين أفيون الشعوب"، التي استخدمها النظام الرسمي العربي لضرب/تهميش/تهيج المجتمع على أفكار الاشتراكية والتي تدعو لتحقيق العدالة الاجتماعية وتجاوز النظام الرسمي المرتبط بالمصالح الغربية، فالكاتب يتقرب من منطق الجماهير، وفي ذات الوقت يتفهم واقعه هو وواقع المجتمع الذي ينشد تغيره وتطويره نحو المستقبل الأفضل، مما يعني الانطلاق من الخصوصية/الموضوعية التي يجب أن ينطلق منها أي مصلح اجتماعي.
ويتناول الكاتب الأحزاب الدينية، فيوضح طبيعة عملها في السياسية، ويفصل بينها وبين الإسلام، فهي أحزاب سياسية رغم أخذها الشكل الديني من هنا هي سياسية قبل أي شيء، "فمن الخطأ بنظري، أن يرتبط الحكم على هذه الأحزاب، سلبيا أو إيجابا، بشكل إطلاق، من خلال علاقتها بالدين وحده، فهذه الأحزاب، وان ربطت اسمهما بالدين، واستلهمت أفكارها منه، واحتمت بتشريعاته في مواجهة الواقع العنيد للحياة المعاصرة ـ هو أمر طبيعي لا غرابة فيه ـ لا تستطيع أن تتحرر من انتمائها إلى تناقضات الواقع القائم، الطبقية والسياسية، والى الانقسامات السائدة فيه، على المستوى الفكر، وعلى مستوى المصالح، في آن." ص32و33، اعتقد بان هذا الكلام واقعي، أولا يعترف الكاتب بواقع وبوجود وتأثير الأحزاب الدينية، أي يجب العمل معها، بالحوار أو بالتحالف السياسي، فهي موجودة ولا يمكن إهمالها مطلقا، فهي ضمن الواقع الموضوعي الذي يجب أن يؤخذ بالحسبان عند بحث/وضع برنامج عمل لحركة التغيير في المنطقة العربية.
ويضيف قائلا عن الأحزاب: "إنها أحزاب سياسية تطمح لأن تظفر بالسلطة مثل سواها من الأحزاب، وتناضل من جل ذلك بكل الأشكال، ولكنها تعتمد في نضالها هذا على الدين كأيديولوجية، وعلى الوعي الديني، وهو عميق جدا في وجدان شعوبها، ... وتحاول جميعها، بنسب مختلفة، وبقدرات متباينة، أن تقمع، باسم هذه الايدلولوجية، وباسم الدين وشريعته وأحكامه، القوى السياسية الأخرى المختلفة معها." ص35، بهذا الشكل يمكننا الفصل بين الدين كظاهرة اجتماعية وبين الأحزاب السياسية التي تستخدم الدين لمصالحها، فهي تسعى إلى إقصاء الآخرين المختلفين معها فكريا، وأيضا هي كأحزاب ممارسة للسياسية ستستخدم بالتأكيد أساليب سياسية/المصلحة لتحقيق غاياتها وأهدافها، من هنا يجب التعامل معها ضمن المنظور السياسي فقط وليس ضمن مفهوم الدين.
والكاتب من خلال معرفته بالواقع الاجتماعي للمنطقة العربية يؤكد على الواقعية، الموضوعية، لظاهرة الدين، وتأثيره القوي والمستديم على الجماهير، والذي لا يمكن لأي حركة تغير أن تتجاهله، من هنا نجده يقول عن المسألة الدينية: "...هم التغيير الثوري في بلداننا، واقتران التغيير بالثورة، عندي، أنما ينطلق من قناعتي بان التغيير بلداننا، الذي ينبغي أن يطال كل شيء فيها، البنى التحتية والبنى الفوقية، على حد سواء، لا يمكن أن يحصل إلا بالثورة، فكيف نصنع هذا التغيير، وكيف نحدث هذه الثورة، إذا لم تكن أدوات هذا التغيير وهذه الثورة متوفرة، في الناس، أولا، أصحاب المصلحة في أحداثه، وفي صياغة تنظيمها، في الوعي لدى القيادات ولدى الجماهير، وفي تأهيل هذا الوعي والارتقاء به؟" ص33، التقدم من الجماهير لا بد أن يقودنا إلى فهم هذه الجماهير والطريقة التي تفكر بها، وبما أن المسألة الدينية راسخة لديها، ومؤثرة فيها، فلا بد من التعاطي مع هذه الظاهرة وفهما، أي دراستها من أصلها، لنعرف كيف نخترق/نصل/نفهم هذه الجماهير.
ويدافع الكاتب عن هذا المفهوم للدين، بقوله: "إن للدين، للدين الإسلامي تحديدا، دورا كبيرا، هو دور يحدده له موقعه من حيث هو تاريخ وتراث، أولا، ومن حيث هو مصدر ظاهرة اجتماعية/ ومن حيث هو، في تعبيراته الراهنة، شكل من الأشكال التي يتحدد بها مستوى التطور في مجتمعاتنا العربية، ثم من حيث هو أيديولوجيا، فهو، بكل هذا المواقع التي يحتلها، يعلب دوره المحدد في تكوين القاعدة الأساسية للوعي العام السائد في بلداننا وفي مجتمعاتنا.
إن الأكثرية الساحقة لجماهير شعوبنا العربية، في مستوى التطور الراهن لبلداننا، مثلما هي الحال في بلدان العالم الثالث عموما، تتأثر بالدين، الإسلامي والمسيحي، وتنهل من شرائعه، وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها، وتستلهم قيمه، وتتأثر بالأفكار التي تصاغ، باسمه وبالاستناد إلى مبادئه، وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها، وقد اخطأ كل الذين تجاهلوها، ودفعوا الثمن غاليا، بسبب هذا التجاهل، وسوف يكون هذا الخطأ، إذا ما تكرر في المستقبل، أكثر فداحة وأكثر تدميرا" ص33و34، ما يلفت النظر في هذا القول، أن الكاتب كان يدرك بوعيه وقدرته على التحليل خطورة بقاء تلك الأحزاب هي الوحيدة المستأثر بالتأثر الديني على الجماهير، فبقاءها الوحيدة في الميدان سيترتب عليه كوارث اجتماعية اقتصادية تدمر الشعوب والأوطان معا، وهذا ما حصل عمليا، فبعد تراجع اليسار العربي بعد حرب الخليج الأولى واستفراد أميركيا بالعالم، من ثم قيامها باحتلال العراق وتقهقر القوى القومية والثورية، تقدمت الأحزاب الدينية وتوغلت في الجماهير وأوصلتنا إلى ما نحن فيه من دمار وخراب وقتل وتشرد.
فقد طرح فكرته بكل وضوح عندما قال: "وعلى الماركسيين تحديدا، وعلى الحركة الاشتراكية، عليهم أن يتعاملوا مع هذه التيارات والحركات كأحزاب، وأن يفصلوا، بقدر معين، بينها وبين الدين، وهم، إذ يقومون بهذا الفصل، أو هذا التمايز، إنما يحرروا الدين من تبعات ما تبثه بعض هذه التيارات من فكر، ومن تبعات بعض ممارسات بعض ممارساتها، ويقومون، في الوقت ذاته، بتحرير أنفسهم من احتمال الوقوع في الخطأ، في سياق عملية إعادة تقييمهم للدين ولدوره، ويصبحون أكثر حرية في التوجه إلى الجماهير المؤمنة ببرنامج للنضال السياسي والاجتماعي يستجيب لحاجات هذه الجماهير وقضاياها، الراهنة وبعيدة المدى، ويحترمون قناعاتها الدينية، ومشاعرها وأحلامها، وما له علاقة بعالم الحياة، ... إذ يدخلون عندئذ، إلى هذه الجماهير من وسطها، وسطها الحقيقي، لا من فوق، ولا من خارج، فيسهمون في تعميق الوعي الثوري عندها، وهو الأمر الأكثر أهمية على الإطلاق، وهنا تبرز إمكانيات حقيقية للأترتقاء بين روافد الحركة الثورية كلها" ص35، لا أدري، لماذا، دائما العرب يستيقظون متأخرين، ولا يعرفون الواقع إلا بعد فوات الأوان؟، منذ ثورتهم على الأتراك الغاية الآن، لا يفكرن بالواقع، ويفضلون وضع الرأس في الرمال، على المواجهة، يدعون الثورية وهم متخاذلين، ليس مع عدوهم وحسب، بل مع أنفسهم، هل كانت حقيقة تمسك الجماهير العربية بالدين غائبة كل هذا الوقت عن الحركة (الثورية)؟ وهل ترك أداة الثورة ـ الجماهير ـ لقمة صائغة للقوى الرجعية الدينية وللأنظمة الفاسدة يمر بهذه السهولة لو عملت تلك القوى (الثورية) بمبدأ خدمة الجماهير، والعمل لأجلها؟.
هناك مشكلة في حركة التغيير العربية أنها كالأنظمة الرسمية، تهتم بذاتها، بمصلحتها الشخصية فقط، وما ألفاظ، الجماهير، الثورة، الطبقة، إلا كلمات معسولة تكذب بها على نفسها، وبأنها صاحبة فكرة، قضية نبيلة، فلو كانت فعلا ذات مبدأ ثوري حقيقي، وصادقة مع نفسها، لتوجهت للجماهير، لكنها تركتها وحيدة أمام الغيلان من التنظيمات التكفيرية والأنظمة الرجعية، من هنا نجد واقعنا في غاية السوء، ولا يمكن للمواطن العادي أن يستوعب ما جرى ويجرين فعسى أن يستيقظ النائم (الثوري) ولو متأخرا لكي ينقذ ما يمكن إنقاذه.
رائد الحواري