الحل السياسي في سوريا على طريقة الروليت الروسي
ثائر الناشف
2015 / 1 / 14 - 15:03
تبدو روسيا اليوم أقرب ما تكون بالكاهن المتصابي الذي يعوظ جماهيره بالحكمة والمحبة والسلام ، ثم يدعوهم لمواصلة تدمير المدن وقتل الأبرياء الآمنين بلا هوادة ، ولا يبخل عليهم في إسداء النصائح الأمنية بالقتل الممنهج وتقديم الاستشارات العسكرية في التدمير الشامل للمدن والقرى والبلدات، من وحي تجاربه التاريخية مع الأقاليم المتمردة في القوقاز .
الديبلوماسية الروسية التي تحاول اليوم بالتعاون مع المطبخ الاستخباري، صاحب العراقة التاريخية والفنون النادرة في لعبة الموت ، جمع حمائم المعارضة السورية وضباع نظام الأسد على طاولة واحدة ، لتبدأ معهم مفاوضات السلام ، على طريقة الروليت الروسي، الذي لا يعرف سوى الموت بالرصاصة الوحيدة في نهاية اللعبة .
ولأن روسيا بارعة في لعبة الموت ( الروليت ) باعتبار أن هذه اللعبة من الابتكارات النادرة للمافيا الروسية التي برعت في تصديرها بكثير من الثقة للكرملين ، ليعتمدها الأخير منهجا وأسلوبا في حبك سياسته الخارجية وبناء ديبلوماسيته العتيدة التي تشق طريقها اليوم لتصبح ندا لديبوماسية البيت الأبيض ، ولكن عبثا .
فروسيا التي أكدت وجودها في سوريا ، كآخر قلاع نفوذها في الشرق الأوسط ، بالانحياز الأعمى لصالح نظام الأسد ، ليس لأن الأخير حليفا تقليديا لها منذ عهد الاتحاد السوفياتي ، بل لأنه يمثل الحصن الحصين ، لآخر قدم لها في الشرق الأوسط ، والضامن الوحيد لبقائها في مياه المتوسط ، وكل ذلك مجرد حجج وذرائع لتغطي فيها على تفضيلاته السياسية لنظام ترى فيه ولا ترى بأي بديل عنه المواصفات المطلوبة .
فالمواصفات التي تتوفر بنظام الأسد ، لا تتوفر بغيره من النظم العربية ، أو حتى داخل تكوينات المعارضة السورية ، فهو بالنسبة لروسيا ، نظام طائفي حليف لإيران التي ترتبط بحلف استراتيجي وثيق الصلة التاريخية والجغرافية بروسيا ، وبنفس الوقت ترى فيه نظاما أقلويا، بقاءه يحافظ على بقاء الأقليات الدينية التي كانت ولازالت مفتاح التدخل الروسي في الشرق الأوسط منذ حرب القرم الأولى عام 1853وحتى اليوم .
كما أن نظام الأسد بحسب المواصفات الروسية ، نظام علماني ، برؤية بعثية أساسها الاشتراكية السوفياتية، بميولها الستالينية الديكتاتورية، وهو لا يزال بالنسبة لروسيا ، خياراً أفضل من أي نظام علماني آخر برؤية ليبرالية أقرب للاتجاه الأميركي ، فما بال موسكو اليوم من وصول الإسلاميين للسلطة بحكم انتشارهم على الخريطتين السياسية والعسكرية في سوريا.
ولا يهم روسيا أن تفقد ماء وجهها ، أمام الرأي العام العربي والأقليمي والدولي ، عندما تعلن جهارا نهارا ، أنها لن تسمح بأي نظام بديل في سوريا لا تتوفر فيه المواصفات السحرية التي تراها بنظام بالأسد ، ولا مشكلة لديها بالتخلي عن بشار الأسد في أي وقت طالما وجدت البديل .
المشكلة تدركها روسيا، لكنها تتغافل عنها عمدا، وهي أن البديل عن نظام شبيه بنظام الأسد ، مهمة شبه مستحيلة على فناني السياسة ومحترفيها ، فمثل هكذا نظام ، ليس له شبيه أو حتى بديل لا في التاريخ القريب ولا حتى في التاريخ السحيق .
كما أن اختلاق الروس لنظام شبيه بنظام الأسد ، من خلال جمع الحمائم بالضباع ، تحت تأثير الروليت الروسي ، مهمة مستحيلة ، فلا أحد يستطيع من اللاعبين الدوليين أن يفصل نفس الثوب الذي تم تفصيله للنظام منذ أمد طويل ، وإن نجح الروس في إعادة تفصيل نفس الثوب المزركش بالمواصفات الروسية ، فلا أحد من السوريين يستطيع أن يرتديه نظرا لاختلاف المقاس بينهم وبين مقاس نظام الأسد .
أما وجدان الشعب السوري ، لم يكن مهما لروسيا، منذ أن أعلنت انحيازها التام لنظام الأسد ، وتنكرت لثورة الشعب السوري ، واليوم لم يعد لديها ما تخسره في سوريا، رغم أنها تتذرع بين الحين والآخر ، بالحفاظ على المؤسسات والدولة وصون السلم الأهلي ، والشيء المثير للاشمئزاز، أنها تقدم نفسها اليوم كراعية سلام وحوار وتسوية بين السوريين وبنفس الوقت ترعى الحرب بينهم .
فماذا يمكن أن نتوقع مع راعي يلوح بالحرب بيده اليمنى وبالسلام بيده اليسرى ، وهو في الأساس لم يحترم وجدان الشعب السوري وخياراته في الحرية والكرامة ؟.