تعقيب على رسالة الدعوة بالجمعية الإسلامية (البحرينية) بعنوان -أحكام السلام-
مجيد البلوشي
2014 / 7 / 5 - 03:53
توطئة:
هذا أوّل مقال لنا كتبناه في الصحافة البحرينية، وبالتحديد صحيفة "الأيام". فقد تمت كتابة هذا التعقيب عام 1993 م عندما كانت ظاهرة عدم الاعتراف بالآخر – من الناحية الدينية – لمْ تكُن منتشرة في البحرين كما هي عليه الآن بعد تقوية شوكة الإسلام السياسي، وتعزيز التطرّف الديني والطائفية البغيضة من قِبل نفس الإسلام السياسي، مما يعني أن مبدأ عدم الاعتراف بالآخر من الناحية الدينية – والدينية الإسلامية أساساً - أمرٌ كامن في الفكر الديني ولا يمكن التخلّي عنه البتـّة.
وهاكم المقال:
نشرت جريدة "الأيام" في عددها الصادر يوم الجمعة 23/ 7/ 1993م في الزاوية الدينية رسالة بعنوان: رسائل الدعوة "أحكام السلام"، أعدتها لجنة الدعوة بالجمعية الإسلامية. وقد جاء مما جاء فيها " أن الكفار لهم حكم خاص في التحية، فهناك من يسأل عن حكم السلام على اليهود والنصارى، فأعلم أخي أن السلام دليل المودة والمحبة ولا مودة بين المسلمين وبين هؤلاء لأنهم أهل حرب وقتال، لو كان بيننا وبينهم صلح وذمة فلا نبدأهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام"، فإن هم بدأوا بالسلام فالرد يكون "وعليكم"، وإذا مررت أخي بجماعة فيهم المسلم والكافر فسلم على أن تقصد المسلم دون الكافر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم...".
تلك هي الرسالة التي تريد لجنة الدعوة بالجمعية الإسلامية تعميمها على المسلمين، وهي رسالة لا تدعو إلى تجاهل "الآخرين" – غير المسلمين - فحسب، بل وتدعو إلى البغض والكراهية تجاههم إذ "لا مودة بين المسلمين وهؤلاء". والسؤال هنا هو: ماذا تريد لجنة الدعوة من وراء نشر مثل هذه الدعوات وفي هذا الوقت بالذات؟ وهي تعرف جيدا أن هؤلاء الآخرين، ومنهم الهندوس والبوذيون واللادينيون القادمون من الهند والصين وجنوب شرق آسيا، يعيشون معنا منذ عشرات السنين في مجتمعاتنا – الخليجية بالذات – وفي مودة ومحبة وأخوة إنسانية – نعم أخوة إنسانية لا مثيل لها في كثير من المجتمعات الأخرى، وهم – هؤلاء الآخرون – من مختلف الديانات والمذاهب ويعملون معنا في مختلف الميادين والمجالات في سلام واستقرار. ولم يحدث قط أنهم حاربونا أو قاتلونا في مجتمعنا إن لم أقل أنهم أفادونا وإستفادت منهم مجتماعتنا إقتصاديا وعمرانيا.
أما الحديث النبوي الذي أوردته اللجنة في رسالتها، فيكفي أن نشير إلى ما ذكره عنه الأستاذ فهمي هويدي في إحدى مقالاته الأسبوعية المنشورة في جريدة "الأيام" بتاريخ 19 يونيو 1993 (أي قبل أقل من شهر من نشر رسالة اللجنة المذكورة) بعنوان "شتمك الذي أبلغك" حيث قال "خلاصة الأمر أنه كانت هناك مواجهات حادة وعنيفة في مرحلة مصيرية من تاريخ الدعوة الإسلامية، كان من الطبيعي إزاءها أن يتم "تحجيم" وتقليص علاقة المسلمين بغيرهم، وما إعتزالهم وتجنبهم إلا إحدى وسائل التعبير عن هذا الموقف". ويضيف قائلاً " أي أن هذا كان إجراء مؤقتا لمواجهة سلوك محدد بدت فيه البغضاء من جانب قوى معينة من اليهود والنصارى. أما في غير ذلك، فالأصل قائم والقاعدة مستمرة والبر واجب. وليس أدل على ذلك من أن الرسول ذاته، الذي أصدر هذا التوجيه، قد مات ودرعه مرهونة عند يهودي."
أي أن القاعدة في الإسلام – وهو الذي يفترض أن يمون دين المحبة والسلام - هي التعامل مع الآخرين ، غير المسلمين ، معاملة الإنسان مع الإنسان بغض النظر عن دينه وجنسيته ولونه، أما ما عدا ذلك فهو استثناء حتمته الظروف التاريخية – الإجتماعية التي تتغير عبر الزمان والمكان بإستمرار.
والحق أن مجرد طرح السؤال عن حكم السلام على غير المسلم يعتبر – كما يقول الأستاذ فهمي هويدي في نفس المقالة " مهينا للعقل المسلم الذي يفترض أنه يعرف أكثر من غيره معنى كرامة الإنسان".