درس من صميم تجربة المواجهة الشرسة مع الفاشية!
أحمد الناصري
2014 / 6 / 10 - 16:22
في هذه اللحظة الحرجة والفاصلة من تاريخنا الوطني الملتبس وما يدور حول مصير الشعب والوطن، لابد من كشف كل شيء وقول كل شيء دون تردد أو انتظار والمساهمة في تحديد ما يجري وأسبابه ومن شارك به ودفع بالوطن إلى حافة الهاوية النهائية!
من دروس المواجهة الصعبة مع الفاشية القذرة التي أسست للخراب والدمار الشامل والهزيمة الوطنية الراهنة، ففي عام 78 جرى اعتقالي في مدينة الناصرية من قبل رجال الأمن، وقد حرموني من أداء الامتحان في الدور الثاني ورسبت في الدراسة و(ساقوني) إلى الخدمة العسكرية الإلزامية بتاريخ 1.01.79 أي أنني خرجت من مقر الحزب والاعتقال إلى الملاحقة وساحة الإعدام حسب قانون الجيش والخدمة العسكرية بعد تطبيق خطة (دبر نفسك يا رفيق!) الشهيرة.
راجعت مديرية تجنيد الناصرية (سحبت أو سرقت دفتر الخدمة العسكرية من التجنيد بعد انتهاء إجراءات السوق دون أن أعطيهم عنواني الذي يرسل إلى دائرة الأمن) والتحقت بمعسكر الشعيبة بالبصرة حسب كتاب السوق الذي نقلني بدوره إلى معسكر المحاويل في الحلة، وأرسلونا مع عدد كبير من الجنود مباشرةً في دورات عسكرية إلى مدرسة المشاة لضباط الصف في معسكر الغزلاني في مدينة الموصل وأدخلوني دورة على سلاح المدفعية وتدربت على مدافع الهاون 120 مم 81 مم و60 مم وباقي الأسلحة الخفيفة مثل بندقية الكلاشنكوف ورشاش الآر بي كي الخفيف وأسلحة متوسطة أخرى، ثم تحولت إلى دورة معلم في مدرسة المشاة. وقد استغرقت هذه الرحلة ودورة الإعداد العسكري ستة أشهر، تخرجت منها معلماً للجنود، وأعادوني إلى معسكري الأول في المحاويل (ربما أفادتني هذه التنقلات الكثيرة والسريعة مع قصر مدة البقاء في الجيش في عدم التعرف علي)...
كانت فترة تواجدي في مدينة الموصل عبارة عن فترة اختفاء، لكن هو احتفاء وتواجد على تخوم الموت واللعب اليومي معه، كأنك تجلس في بيت العدو وتحت قبضته المشرعة بانتظار تحركها وسقوطها عليك، وهي مغامرة اضطرارية، بعيداً عن مدينتي الناصرية، وقد بقيت لي صلات حزبية قوية في بغداد، وكنا نلتقي في كل أجازة وكل أسبوع في عطلة الخميس والجمعة المعروفة، رغم خطورة وشراسة الوضع. وما إن انتهت الدورة العسكرية في حزيران من عام 79 وعدت إلى معسكر المحاويل حتى تركت الجيش وهربت منه وعدت إلى الحزب والعمل التنظيمي في بغداد، بعد ترتيبات بسيطة قام بها الأصدقاء لتوفير مكان للاختفاء المؤقت في ظروف قاهرة ومستحيلة تحت طائلة الإعدام المباشر والفوري، واتصلت بالرفيق الشهيد صاحب ناصر وبدءنا العمل بين بغداد والناصرية والبصرة لربط بقايا الخطوط التنظيمية البسيطة، إلى أن جاء يوم 21.07 حيث سلمني خائن يعرفه الحزب والمدينة ودخلت دهاليز الجحيم الحقيقي من جديد.
هذا من أسرار وأسباب قرار عملية انتحاري الشهيرة في الأمن العام، لأنهم سيقتلونني في النهاية تحت التعذيب أو بالإعدام حتماً. وقد نشرت تفاصيل القصة والمواجهة الرهيبة تلك...
لقد كان الانهيار واسعاً بل شاملاً نتيجة الملاحقات البوليسية الشرسة والعنيفة والمنظمة، والخطة المحكمة الذي وضعتها الأجهزة القمعية بتوجيه وأشراف من المجرم صدام حسين شخصياً، التي اعتمدت على معلومات تفصيلية ودقيقة ومتابعة ومراقبة لسنوات طويلة، مع انعدام أو ضعف وركاكة خطط المواجهة أو الانسحاب من قبل قيادة الحزب وطبيعة السياسة السابقة الخاطئة والرخوة تجاه البعث وخططه وأساليبه، وان خيار الاستمرار بالعمل التنظيمي السري ليس سهلاً بل صعباً للغاية، وهو يعني قبول مواجهة الموت بأية لحظة، في تلك الظروف في ظل غياب شروط العمل وإمكانياته ومستلزماته أمام مصير التصفية والموت. لكن هناك من يحاول دائماً ويستمر بالعمل بل ومن دفع حياته ثمناً لذلك الموقف الجريء والبطولي رغم حالة التراجع العامة وخطأ السياسة وعدم وضوحها في محاولة مبدأية لإنقاذ الحزب... فدائماً هناك من يستمر رغم كل شيء وتحت كل الظروف ومهما كانت نتيجة ومحصلة وطبيعة العمل، وهذا له أسباب ونزعات تربوية وشخصية وعامة...
*هامش... تذكرت تجربتي هذه ومغامرتي وجرأتي الزائدة، لكن من موقع الإخلاص والشعور بالمسؤولية الكبيرة إزاء مصير الحزب، بينما يقال إن من أصبح لاحقاً سكرتيراً الحزب الشيوعي كان قد رفض تنفيذ قراراً حزبياً للتفرغ للعمل الحزبي أبان الحملة الشرسة على الحزب عام 71 التي كان يقودها وينفذها المجرم ناظم كزار وطاقم الأمن العام الشرس بأشراف من صدام، والتي سحقت تنظيمات منطقة بغداد والمدن الرئيسية بعد التخلص من مجموعة القيادة المركزية وبداية الحوار حول التحالف والجبهة الوطنية لفرض تنازلات على الحزب بالقوة، وفضل البقاء في وظيفته في وزارة النفط! هل حصل ذلك حسب ما ورد في الصفحة 157 من مذكرات عدنان عباس في كتابه (هذا ما حدث) وهو يحكي عن معلومات مباشرة وغير منقولة ربما يدعمها مسؤول التنظيم المركزي آنئذ؟ فقد ورد ما نصه عن الواقعة (أما حميد البياتي فكانت لديه صلات مع بعض تنظيمات خط الطلاب ولم يدم الاتصال معه طويلاً بسبب عدم استجابته لقرار المكتب السياسي آنذاك القاضي بترك وظيفته الحكومية في وزارة النفط، والتفرغ للعمل الحزبي. مما أدى إلى قطع العلاقة معه في تلك الفترة العصيبة من عمل الحزب)... علماً بأن السكرتير وفي اجتماع حزبي خاص ابلغ رفاقه بأنه وطاقمه قام بإعادة بناء الحزب (على طريقته). وهذا صحيح جداً ولا خلاف عليه، لكن السؤال بأي معنى وبأي اتجاه أعاد البناء؟ ولا أريد أن أساله أو أناقشه على دخوله ومشاركته في مجلس الدمى (كشيوعي أو شيعي لا فرق) كي يخفف ويقلل من ضرر وآثار الاحتلال في تبرير وشرح ساذج أو نضاله من أجل تعميق وتطوير العملية السياسية رغم دستورها وسقفها الطائفيين الثابتين! لا أنتظر ولا أريد جواباً من السكرتير فنتائج عملية إعادة البناء في السياسة الوطنية على الأرض واضحة وجلية وهي تتحدث عن نفسها بسطوع بالغ!
لا أتمنى ولا أريد أن يواجه السكرتير ولا أي إنسان غيره مصيراً قاسياً على يد ناظم كزار أو على يد العميل أبو طالب الذي أراد استدراجه إلى بغداد حيث الفخ الرهيب، وخيار العمل الحزبي خياراً تطوعياً، على أن لا يكون سكرتيراً غير صالح وغير كفوء ومتهرب من الواجب الحزبي يقود إعادة البناء بهذه الطريقة ويوصل الحزب إلى هذا المصير المريع، كما لا يجوز له تكريم مناضلين استمروا وصمدوا في مقاومة الفاشية العاتية. فما معنى وقيمة هذا التكريم؟ ومن يحق له أن يكرم من؟!... هل كان عزيز محمد وفخري كريم لا يعرفان بهذه الواقعة الحزبية عندما رشحاه في (قصة سكرتير معلن) ومعروف قبل انتخابه؟! أم هو آخر بقايا العنقود في سلة الحزب؟ أم أنه بقايا الوشل الكدر المترسب في قعر الأزمة؟!
يقول لينين (يجب خوض نضال فكري داخلي لا هوادة فيه ضد الانتهازية لأنها اخطر أعداء الحزب)...
*هناك رأيان مختلفان ومتعارضان بصدد النقد والمراجعات الفكرية، واحد يقول إن اللحظة والوقت غير مناسبين لنشر غسيلنا أمام العدو (وهو رأي تقليدي شائع يقال عن كل شي ولا يقترح ولا يحدد وقتاً مناسباً لغسل الغسيل ونشره لتنشيفه)، ورأي آخر يقول لقد تأخرنا كثيراً في قول وكشف ونشر كل شيء بطريقة المراجعات النقدية المعمقة مما ساعد في بقاء الأخطاء وتراكمها حتى أصبحت معضلة! الخلاصة لا توجد مراجعات نقدية واسعة وجدية في تاريخنا لجميع تجاربنا وكوارثنا!