![]() |
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
![]() |
خيارات وادوات |
|
لمحة عن فكر ابن خلدون
نورد هنا بعض الملاحظات على فكر ومنهج ابن خلدون, ونبدأ أولاً بالكيفية التي تتحدد فيها الرؤية والمنطلقات الفكرية عند هذا الفيلسوف. يقول في المقدمة مصنفا النفوس البشرية (إنَّ النفوس البشرية على ثلاثة أصناف: صنف عاجز بالطبع عن الوصول فينقطع بالحركة إلى الجهة السفلى نحو المدارك الحسية والخيالية وتركيب المعاني من الحافظة والواهمة "أي الذاكرة والقدرة على استنباط المعاني الكلية م.ي." على قوانين محصورة وترتيب خاص يستفيدون به العلوم التصويرية والتصديقية التي للفكر في البدن وكلها خيالي منحصر نطاقه إذ هو من جهة مبدأه ينتهي إلى الأوليات ولا يتجاوزها وإن فسد فسد ما بعدها وهذا هو في الأغلب نطاق الإدراك البشري في الجسماني وإليه تنتهي مدارك العلماء وفيه ترسخ أقدامهم. وصنف متوجه بتلك الحركة الفكرية نحو العقل النوراني والإدراك الذي لا يفتقر إلى الآلات البدنية بما جعل فيه من الاستعداد لذلك فيتسع نطاق إدراكه عن الأوليات التي هي نطاق الإدراك الأوّل للبشر ويسرح في فضاء المشاهدات الباطنية وهي وجدان كلها نطاق من مبدأها ولا من منتهاها وهذه مدارك العلماء الأولياء أهل العلوم الدينية والمعارف الربانية.... وصنف مفطور على الانسلاخ عن البشرية جملة جسمانيتها وروحانيتها إلى الملائكة من الأفق الأعلى ليصير في لمحة من اللمحات ملكا بالفعل ويحصل له شهود الملأ الأعلى في أفقهم وسماع الكلام النفساني والخطاب الإلهي في تلك اللمحة هؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم...) ثم يستفيض بعد ذلك في تبويب وتمييز أصناف الكهانة والوحي والعرافة. من الاقتباس السابق يتضح جليا أنَّ مصادر المعرفة وعلى ترتيب الأولوية هي الوحي ثم العرفان الباطني ثم البرهان العقلي, فما جاء في الأولى والثانية لا تقوى الثالثة على مناقضته, وهذا واضح في الأمثلة التي يضربها لنا في سياق المقدمة, فنجده مثلا عقلانيا برهانيا حين يفند قصصا من مثل مدينة النحاس والمدينة ذات آلاف الأبواب, في حين أنّه لا يعترض على وجود الشياطين في قصة الإسكندر بل يقتصر اعتراضه (العقلي) على عدم تمظهر الشياطين في مظهر واحد وهو ما يخالف طبعهم, وكذلك تصديقه لرواية الرؤية لعمر بن الخطاب في بعثة سارية وقولته المشهورة يا سارية الجبل, فهذه أمور واردة في الأولى والثانية والعقل يقف منها موقف المبرر لا غير. وهكذا نفهم قوله (داخلا من باب الأسباب على العموم على الأخبار الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا... وأعطى الحوادث علة أسبابا) , ومنها تبريره العقلي لقصر السور والآيات المكية بالمقارنة بالمدنية نتيجة لحاجة الرسول أنّ يعتاد المشقة في نزول الوحي, نعم علية وسببية ولكن في نطاق منطلقات ورؤية عرفانية وبتوظيف تبريري. كما أنّه يوظف البيان أيضًا في أحيان مثل تفسيره قوله تعالى: ( الم ترى كيف فعل ربك بعاد, ارم ذات العماد) الفجر: 6 و7 وسبب سوء الفهم لما عنته الآيتان بناء على قراءة ابن الزبير. إذن مرة أخرى نرى كيف أنّ الموضوع يحدد نمط التوظيف للعقل الأداة, فهو و باستعارة مصطلحات الجابري تارة برهاني وتارة بياني وأخرى عرفاني في شخص واحد.
|
|