بعد سنوات من الركود يعود التهرب الضريبي إلى الواجهة / الاتحاد الأوروبي يخسر ألف مليار يورو سنويا*
رشيد غويلب
2013 / 5 / 28 - 23:21
اعداد: رشيد غويلب
يتفق المتابعون، للوهلة الأولى، على صعوبة فهم المدى الذي يتخذه الاحتيال والتهرب من دفع الضرائب في الاتحاد الأوروبي. وفي كانون الأول الفائت قال المفوض الأوروبي للشؤون الضريبية اغيرداس سيميتا: يتم فقدان نحو تريليون (ألف مليار) يورو سنويا في الاتحاد الأوروبي بسبب الاحتيال والتهرب من دفع الضرائب".
ويضيف "يجب ان يتغير هذا الوضع"، أي ما يعادل 8 في المئة من الناتج الاقتصادي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي، يسرق من المواطنين سنويا.. ويقدر وزير المالية في مقاطعة "نوردراين ويستفالن" الألمانية خسائر ألمانيا وحدها بـ160 مليار يورو (مجلة دير شبيغل في 18 / 5 / 2013).
ويمكن لهذه الخسائر، مضافا اليها واردات ضرائب اضافية، ان تنهي، خلال 8 سنوات، أزمة الديون في الاتحاد الأوروبي. والأفضل من ذلك، يمكن بواسطة هذا المبلغ الضخم تمويل برنامج إعادة البناء الاجتماعي – البيئي لعموم أوروبا، مما سيساعد على خلق الملايين من فرص العمل، وكسب عشرات المليارات من عائدات ضريبية إضافية، ومن اشتراكات الضمان الاجتماعي للعاملين.
ولكن نداء المفوض الأوروبي يتلاشى أمام الدهشة التي سببها الكشف عن التهرب من دفع الضرائب، الذي قام به "اولي هونيس" رئيس نادي "بايرن ميونخ" الرياضي الشهير، وأمام الغضب المتزايد يقوم وزراء مالية الاتحاد بنشاط محموم، لم ينتج سوى بيانات مليئة بالنوايا والكلمات المنمقة، وحتى القمة الأوروبية الأخيرة التي خصصت لمناقشة ملف التهرب من دفع الضرائب، انتهت ببيانات نوايا غير ملزمة، بشأن تبادل المعلومات، ورفع السرية عن عمل المصارف. وفي الوقت الذي تجبر المفوضية الأوروبية عددا من بلدن جنوب أوروبا، وعشرات الملايين من المواطني? على الرضوخ إلى إملاءات التقشف المدمرة، تعجز عن وضع حد لجرائم عشرات الآلاف من الرأسماليين الذين يقومون بالتهرب من دفع الضرائب.
"هذه هي الرأسمالية"
يمكن لتبادل المعلومات، ورفع السرية عن عمل المصارف، في أحسن الأحوال، تحقيق تحسن طفيف في مطاردة المتهربين من دفع الضرائب الشخصية. وكذلك في ما يتعلق بملفات المصانع الصغيرة. وحسب تقارير الثروة في العالم لسنوات 2012 /2013 ان هناك 53400 يمتلكون 30 مليون دولار على الأقل، يشكل مجموع ثرواتهم 7 تريليونات دولار مخبأة في الغالب بعيدا في الملاذات الضريبية، أو ما يسمى بالواحات الضريبية، يمتلكون جيشا من الخبراء يعمل على استغلال الثغرات القانونية لحماية أموالهم في المستقبل أيضا.
ان الدور الحاسم لا تلعبه الملفات المتعلقة بتهرب الأشخاص من دفع الضرائب، بل التهرب التي تقوم به الشركات متعددة الجنسية، والذي يقدر بالمليارات. ويعتقد وزير المالية في مقاطعة "نوردراين ويستفالن" الألمانية، ان القسم الأكبر من الأموال، يذهب من خلال استغلال شركات اختصاص للثغرات القانونية الموجودة، ويشاركه هذا الفهم المفوض الأوروبي سيميتا: "لسوء الحظ، هناك طرق شرعية كثيرة جدا للتقليل من قيمة الضرائب المطلوبة في الاتحاد الأوروبي. وهذا يسمح لبعض الشركات المتعددة الجنسيات بممارسة ستراتيجية عدوانية للتهرب من دفع الضر?ئب".
ان هذه الإمكانيات المتنوعة في الواقع موجودة دائما. والشركات العالمية تترك حساب أرباحها على الورق في البلدان التي تدفع فيها اقل الضرائب، أو التي توفر إعفاءات ضريبية في مجالات أخرى. وعلى سبيل المثال تعمل فروع الشركات التي تحقق أرباحا كبيرة في البلدان ذات الضرائب المنخفضة على إفقار نفسها، من خلال تنظيم فواتير بمبالغ فلكية لشركاتها الأم في البلدان ذات الضرائب العالية، عن أجور التراخيص وبراءات الاختراع. وهنا لا يدور الحديث عن واحات الضريبة الـ12 المعروفة في العالم، بل يمكن ان يحدث في بلدان أوروبية مثل أيرلندا، ?لجيكا، أو النمسا المعروفة بانخفاض الضرائب المستوفاة فيها مقارنة بجاراتها.
وبطل العالم في الاحتيال بهذه الطريقة، هي شركة أبل في الولايات المتحدة، التي تدفع عن الأرباح التي يحققها فرعها في ايرلندا، والبالغة 38 مليار، خلال ثلاث سنوات 0.06 في المئة فقط. وتدفع بقية الشركات متعددة الجنسية عن أرباحها المتحققة في الخارج نسباً منخفضة، وبهذا الصدد يقول ارك شمت رئيس إدارة شركة غوغل "انا فخور بالهيكلية التي نملكها"، لأنه دفع على أرباحه المتحققة في العام الماضي، والبالغة 10 مليارات دولار 3.2 في المئة فقط. وهذا أمر مشروع كما يعتقد شمت، فالشركات توظف الحوافز التي توفرها الحكومات و"هذه هي الرأ?مالية" على حد قوله.
تنافس ضريبي نحو الأدنى
ان مواجهة فاعلة ضد التهرب من دفع الضرائب، أو تخفيض قيمة المدفوع منها يمكن تحقيقه فقط، من خلال نظام ضريبي موحد للشركات المحلية وفوق القومية في الاتحاد الأوروبي، لأنه سيجعل من الصعب على هذه الشركات تحريض الحكومات ضد بعضها البعض. ولكن توحيد النظام الضريبي في الاتحاد الأوروبي غير مرغوب سياسيا، فالأقوياء وفقا لسياسة الليبرالية الجديدة، التي يعتمدوها، يريدون الحفاظ على التنافس الضريبي لمصلحة رأس المال. وهذا السباق الضريبي المدمر نحو الأسفل، قد أدى إلى خفض معدل الضرائب على الشركات بمقدار نسبة 25 في المئة.
ومقابل هذه الهدايا الضريبية للشركات يجري رفع ضريبة القيمة المضافة على المستهلكين، وخصوصا في سنوات الأزمة، وفي البلدان المتضررة منها. لقد ارتفع متوسط ضريبة القيمة المضافة في الفترة 2008- 2012 بنسبة 1.6 في المئة. ولم تفرض اللجنة الثلاثية املاءات التقشف القاسية على هذه البلدان فقط، وإنما حرمت أكثر السكان حتى من الاستهلاك اليومي لارتفاع ضريبة القيمة المضافة في هذه البلدان بمقدار الضعف، مقارنة بشريكاتها الأخرى في الاتحاد الأوروبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن مقالة لفريد شميد من معهد البحوث الاقتصادية والاجتماعية في مدينة ميونخ الألمانية