حول تصاعد موجة الاستقطاب الطائفي في العراق بعد المظاهرات والاعتصامات


عواد احمد صالح
2013 / 1 / 31 - 21:23     


على اثر مظاهرات واعتصامات الانبار وسامراء والموصل يبدو ان موجه الاستقطاب الطائفي وكما توقعنا في مناسبات سابقة بدأت تتصاعد بوتيرة عالية وتعبر عن نفسها بظواهر وتجليات مختلفة منها المظاهرات المضادة التي دفعت بها الاحزاب الحاكمة في مناطق جنوب العراق والتصريحات المختلفة للمالكي واركان كتلته الحاكمة الذي وصف الشعارات المرفوعة بانها " نتنه "هذا اذا علمنا ان الجو النفسي العام في العراق مشحون طائفيا دائما لكن المؤشر او البارومتر يتصاعد ويهبط حسب حرارة وسخونة الاوضاع السياسية في هذا البلد الذي ابتلي بمرض الطائفية والمحاصصة بعد الاحتلال عام 2003 ...الذي اريد ان اشير اليه هنا ان احد الاصدقاء البعيدين عن موقع الحدث ... نشر صورة من اعتصام سامراء يبدو فيها علم اخضر مخطوطة فيه عبارة الشهادة "لا اله الا الله محمد رسول الله " وقال انه علم السعودية يرفرف في سامراء !!! ومجرد نشر مثل هذه الصورة يوحي بالتصعيد واستفزاز الطائفة المقابلة كانه يقول: انظروا بدأ الاخرون يدسون انفسهم هناك ....ولم يكن هذا الامر صحيحا ولست هنا في موضع الدفاع عن التجليات والتمظهرات الطائفية في مناطقنا فهي رجعية بالمطلق وذات ضرر كبير على النسيج الاجتماعي في البلد كله ..بل هي تكرس طائفية مضادة .. فالعلم المذكور وزع ضمن مئات الرايات البيضاء والخضراء الكبيرة والصغيرة التي وزعتها القوى الاسلامية المشاركة في الحكم ، الوقف السني او الحزب الاسلامي وغيرهما وصرفت عليها ملايين الدنانير بمناسبة " المولد النبوي " الذي صادف بعد ثلاثة ايام على انقضاء احدى ابرز الزيارات "الشيعية " في سامراء بمناسبة وفاة احد الائمة الحسن العسكري او علي الهادي والتي مورست خلالها طقوس خاصة ومعروفة بهذه المناسبة تقيمها الطائفة الشيعية هذا واحد من الاسباب الرئيسية التي تجعل اهالي سامراء وبدفع من القوى الاسلامية المشاركة في الحكم يحتفلون بشكل غير عادي بالمولد النبوي بما يمثل ردة فعل مضادة لطقوس الطائفة الاخرى وليس في الامر كله غرابة او عجب او اعلام مستوردة من السعودية او غيرها فالطائفية تعبر عن نفسها اليوم بهذه الظواهر وفي المناسبات الدينية .. ولا غرابة ايضا فنحن نعيش مرحلة الادلجة الدينية وانبعات الفكر الماضوي فكل طرف يحاول ان يخرج ما في جعبته وينفس عن مشاعره ويعبيء مخزونه الفكري والتاريخي ليظهر انه على حق والاخر على باطل ويرفع راياته المختلفة الالوان والاحجام والشعارات ..ومن يتجول في سامراء اليوم وحتى كتابة هذه السطور سيصادف سيارات كثيرة ترفع اعلام مختلفة بيضاء وخضراء احتفاء بالمولد النبوي ..بشكل مبالغ فيه كرد فعل على ما تفعلة الطائفة المقابلة طبعا وجدها المواطن المشحون طائفيا جاهزة ومجانية فقام برفعها والتجوال بها... في الماضي القريب كان يقام الاحتفال بالمولد بشكل مختلف مهرجان خطابي يشارك فية مسؤولون من الدولة في يوم المناسبة وترفع بعض اللافتات ثم ينقضي الامر ...انما اليوم اختلف الامر كما هو واضح ، الصراع السياسي بين القوى المشاركة فيما يسمى العملية السياسية ينعكس في الشارع بتعبيرات طائفية حادة ومختلفة ،
وحتى لا ياخذ كلامي احد من المغرضين بانني انكل " بالاسلام " او طقوسه ورموزه الدينية فانني ومن وجهة نظر الفكر الانساني الذي امثله احترم جميع الطقوس الدينية في حدودها المعتدلة طالما هي لا تحرض او تؤدي الى العنف اوايذاء النفس او الجسد ، او تقسيم البشر على اساس الطائفة او المذهب او العرق او الدين فتخلق العداء بين الناس ..كما اريد ان انبه الى ان استغلال الطقوس والمناسبات الدينية في العراق اليوم وكما يروج له بهذا المستوى من التصعيد يجري لتحقيق اهداف سياسية للقوى البرجوازية والارستقراطية الدينية من الطرفين الحاكمة والمشاركة في الحكم وعلى هامشه بهدف تحقيق اكبر المنافع والمكاسب المادية والمعنوية على حساب الجموع المسكينة والمخدوعة من الطائفتين .. والتي احرى بعقلائها وشبابها ان يفكروا بشكل عقلاني وانساني وديمقراطي ويعملون على تعديل مسار العملية السياسية العرجاء الراهنة واستبدالها بعملية سياسية نظيفة تقوم على مبدأ المواطنة ومساواة البشر في الحقوق عملية سياسية من شانها ان تفض هذا التوتر والشحن الطائفي الموجود وتطمئن الجميع الى انه بالامكان اقامة حياة سليمة وهانئة قائمة على التعايش والاحترام المتبادل للمشاعر الدينية وعدم زجها في السياسة بهذه الطريقة البائسة .
ولابد ان ندرك ان اقامة "نظام سياسي متوازن" قائم على فصل الدين عن الدولة وعلى اساس هوية المواطنة المتساوية ودون تمييز ، لايمكن ابدا ان تقوم به القوى الحالية البرجوازية الاسلامية والقومية الحاكمة التي وجدت اساسا على تقسيم البشر في العراق : سني ، شيعي ، كردي ، تركماني ، صابئي ، كلدو اشوري على وفق الاديان والمعتقدات والانتماء العرقي والقومي وبالتالي خلقت كل هذا التوتر والاحتقان والعنف والقتل والمفخخات وهيأت الضروف في سياق صراعها على السلطة لتنفيذ اجندات مخربة وتاجيج جذوة العنف والارهاب التي يدفع ثمنها يوميا الناس البسطاء والابرياء في العراق من اجل ان يحقق كل طرف مكاسب سياسية خاصة به على حساب الطرف الاخر.
واذا قيض للجماهير المحتجة والمعتصمة اليوم ان تحقق اهدافها فان عليها ان تدرك انها يجب ان تخرج عن الاطار الطائفي المناطقي الضيق لان مطالبها مهما كانت مشروعة لايمكن تحل في الاطار الطائفي والمحاصصاتي وانها لابد ان تخرج من اجندات القوى البرجوازية المتصارعة على السلطة والنفوذ لان تلك القوى تركب موجة الاحتجاجات لتحقيق مصالحها ومكاسبها الخاصة . وان مسار التغيير يجب يصب باتجاه اخر اشمل واوسع :تغيير ما يسمى العملية السياسية الراهنة ورموزها واستبدالها بعملية سياسية نظيفة تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل الدين عن الدولة اي دولة علمانية غير قومية تلغي تقسيم الانسان في العراق وتعيده الى جوهره الانساني المجرد بدون تلك التسميات الطائفية والقومية .
ان الجماهير العمالية الكادحة والمهمشة وجميع شرائح المجتمع المضطهدة والمحرومة التي تعاني في لقمة عيشها ومصيرها لابد لها ان تدرك انها وفي سبيل ان تتحول الى قوى فاعلة في التغيير المرتجى يجب ان تخرج اولا من اطار الطائفية والقومية وتفصل نضالها عن القوى السياسية البرجوازية الحاكمة والمعارضة .. وان تلتف حول قوى اليسار والعلمانية وكل التحررين الذين يمثلون ويعبرون بشكل حقيقي عن مصالحها وصبواتها نحو اقامة مجتمع قائم على المساواة والحرية يحقق التوازن النفسي والاطمئنان الاقتصادي والسلام الاجتماعي لعموم الجماهير وفق هويتها الانسانية ... الانسانية فقط .