في حضرة الضوء: الصين تعيد كتابة قوانين الحوسبة والقوة


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 17:12
المحور: الادارة و الاقتصاد     

الصين ، تظهر اليوم ، كقوة هائلة تسعى نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، مستلهمة من تراثها العريق في الصمود والإبداع. إن تطوير الشريحة البصرية LightGen، التي أعلنت عنها فرق بحثية من جامعة شانغهاي جياو تونغ وجامعة تسينغهوا، ونشرت تفاصيلها في مجلة Science المرموقة في ديسمبر 2025، يمثل نقلة نوعية في مجال الحوسبة الضوئية، ودليلاً ساطعاً على تفوق الصين في استغلال الضوء كوسيلة لمعالجة البيانات بسرعة تفوق الإلكترونات بمرات عديدة. هذه الشريحة، التي تحتوي على أكثر من مليوني خلية عصبية فوتونية مدمجة في مساحة لا تتجاوز 136.5 ملليمتر مربع، لا تعتمد على الكهرباء التقليدية بل على الفوتونات، مما يقلل من توليد الحرارة ويرفع الكفاءة الطاقية إلى مستويات غير مسبوقة، تصل إلى 664 تيرا عملية في الثانية لكل واط، وأداء يبلغ 35,700 تيرا عملية في الثانية.

يأتي هذا الإنجاز كتتويج لسلسلة من التقدمات الصينية في الحوسبة البصرية، بدءاً بشريحة Taichi التي طورها باحثو جامعة تسينغهوا في 2024، والتي حققت كفاءة طاقية تصل إلى 160 تيرا عملية في الثانية لكل واط، وتمكنت من تصنيف آلاف الفئات بدقة عالية وإنشاء محتوى ذكاء اصطناعي توليدي بكفاءة تفوق الشرائح الإلكترونية بأضعاف. ثم جاءت LightGen لتتجاوز ذلك، محققة تفوقاً يصل إلى مئة مرة في السرعة والكفاءة الطاقية مقارنة بشرائح نفيديا المتقادمة نسبياً مثل A100، في مهام توليدية معقدة مثل إنشاء صور عالية الدقة بدقة 512x512 بكسل، وتوليد فيديوهات قصيرة، وتحويل الأساليب الفنية، ومعالجة الصور ثلاثية الأبعاد دون تقسيمها إلى أجزاء. هذا التفوق ليس صدفة، بل نتيجة لتصميم ثلاثي الأبعاد يسمح بتراص الخلايا العصبية الفوتونية في طبقات، مما يتيح معالجة الصور المعقدة ككل واحد، مستفيداً من تداخل الفوتونات في فضاء كامن بصري يضغط البيانات ويعيد بناءها بكفاءة فائقة.

إن جوهر هذا التقدم يكمن في قدرة الصين على تحويل التحديات إلى فرص، خاصة في ظل سياسات الحواجز التكنولوجية الأمريكية التي فرضت قيوداً صارمة على تصدير الشرائح المتقدمة والمعدات اللازمة لإنتاجها. هذه الحواجز، التي بدأت تتشدد منذ 2018 وازدادت حدة مع حظر آلات الطباعة الحجرية المتقدمة EUV من شركة ASML الهولندية، لم تثنِ الصين بل دفعتها نحو الاكتفاء الذاتي الشامل. فبينما تعتمد شرائح نفيديا وآلات ASML على سلسلة توريد عالمية معقدة تمتد من اليابان إلى الولايات المتحدة وتايوان وهولندا وغيرها، مما يجعلها عرضة للاضطرابات الجيوسياسية، استثمرت الصين في بدائل وطنية تجعلها مستقلة تماماً. في مجال الليثوغرافيا، أحرزت الصين تقدماً ملحوظاً نحو تطوير آلات EUV محلية، بما في ذلك نماذج أولية تعتمد على تقنيات مثل الليزر المنتج للبلازما أو مسرعات الجسيمات، مما يمهد لإنتاج شرائح دون 7 نانومتر بحلول 2028، مستقلة عن الاعتماد الخارجي.

هذا التحول نحو الاكتفاء الذاتي لم يقتصر على الحوسبة البصرية، بل امتد إلى كل المجالات التكنولوجية الحيوية، مما يعكس تفوق الصين الشامل. في الحوسبة الكمومية، أطلقت الصين حواسيب مثل Zuchongzhi 3.0 التي تفوق الحواسيب الكلاسيكية بتريليونات المرات في مهام محددة، وأنشأت خطوط إنتاج لشرائح فوتونية كمومية تسرع الحسابات بأكثر من ألف مرة، مدعومة باستثمارات حكومية هائلة تصل إلى تريليون يوان لتطوير الذكاء الاصطناعي والكم. أما في الجيل السادس للاتصالات 6G، فتتقدم الصين بخطط وطنية لتكون رائدة عالمياً، مستفيدة من بنيتها التحتية المتقدمة في 5G. وفي الصواريخ فوق الصوتية، تحقق الصين إنجازات تجعل أسلحتها تفوق نظيراتها الأمريكية في السرعة والدقة. وفي السيارات الكهربائية، أصبحت الصين المنتج الأكبر عالمياً، مع بطاريات متقدمة وبنية تحتية شحن تفوق الجميع، مدعومة بسياسات "صنع في الصين 2025" التي حققت أهدافها في معظم القطاعات.

إن سياسة الحواجز الأمريكية، التي هدفت إلى إبطاء تقدم الصين، أدت عكسياً إلى تسريع ابتكاراتها، محولة الضغوط الخارجية إلى دافع داخلي للاستقلال التام. فالصين اليوم لا تعتمد على سلاسل توريد هشة، بل تبني نظاماً تكنولوجياً متكاملاً يعتمد على مواردها الوطنية، من المواد الخام إلى التصميم والإنتاج. هذا النهج يذكر بفلسفة التاوشي القديمة، حيث يتحول الين واليانغ إلى توازن يولد قوة لا تقهر. ومع استمرار هذا الزخم، تبرز الصين كقائدة لعصر جديد من الابتكار، حيث يصبح الضوء ليس مجرد وسيلة للرؤية، بل أداة لصياغة المستقبل بأكمله.

في تفاصيل LightGen، نجد عمقاً هندسياً يعكس براعة صينية خالصة: استخدام تداخل متعدد الأوضاع لتحقيق تحولات أبعاد كاملة بصرياً، وخوارزميات تدريب بايزية لا تعتمد على بيانات أرضية حقيقية، مما يحل ثلاث تحديات أساسية في الحوسبة الفوتونية: التكامل الكبير، والتحولات الزمنية، والتدريب المعتمد على الحقيقة. هذه الشريحة ليست مجرد بديل عن نفيديا، بل نقلة نحو حوسبة مستدامة، تقلل استهلاك الطاقة في مراكز البيانات التي تبتلع كميات هائلة من الكهرباء لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

وإذا نظرنا إلى السياق الأوسع، فإن الصين تتفوق في الروبوتات الصناعية، حيث أصبحت أكبر منتج ومستخدم، وفي الطائرات بدون طيار التي تسيطر على 85% من السوق العالمي، وفي الطاقة المتجددة والتصنيع المتقدم. هذه التفوقات ليست منفصلة، بل مترابطة في استراتيجية وطنية تحول التحديات إلى انتصارات، مما يجعل الصين نموذجاً لكيفية بناء قوة تكنولوجية مستقلة في عالم متعدد الأقطاب.

بهذا، يمكن القول إن LightGen وما يمثله ليس مجرد إنجاز علمي، بل رمز لصعود أمة تعيد رسم خريطة التقدم البشري، مستقلة ومبتكرة، جاهزة لقيادة العصر الرقمي بأكمله.

………


المادة الساخرة :

نور ساخر من الشرق: LightGen تضحك على سلاسل التوريد الهشة


نبض التقدم العلمي يتسارع في يومنا إلى درجة أن الهواتف الذكية تشعر بالغيرة، و تصعد الصين كقوة هائلة تسعى نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، مستلهمة من تراثها العريق في الصمود والإبداع، وكأنها تقول للعالم: "شكراً على النصيحة، لكننا سنأخذ الطريق الطويل... لوحدنا". إن تطوير الشريحة البصرية LightGen، التي أعلنت عنها فرق بحثية من جامعة شانغهاي جياو تونغ وجامعة تسينغهوا، ونشرت تفاصيلها في مجلة Science المرموقة في ديسمبر 2025، يمثل نقلة نوعية في مجال الحوسبة الضوئية، دليلاً ساطعاً – حرفياً ساطعاً، لأنها تعمل بالضوء – على تفوق الصين في استغلال الفوتونات لمعالجة البيانات بسرعة تجعل شرائح نفيديا تبدو وكأنها تعمل على عجلة حمار قديمة. هذه الشريحة، التي تحتوي على أكثر من مليوني خلية عصبية فوتونية مدمجة في مساحة لا تتجاوز حجم علبة علكة فاخرة، لا تعتمد على الكهرباء التقليدية بل على الضوء، مما يقلل من توليد الحرارة إلى درجة أنها قد تكون الحل الأمثل لتغير المناخ، بينما مراكز بيانات نفيديا تستمر في شواء الكوكب كما لو كانت فرن شواء عملاق.

يأتي هذا الإنجاز كتتويج لسلسلة من التقدمات الصينية في الحوسبة البصرية، بدءاً بشريحة Taichi التي طورها باحثو تسينغهوا في 2024، والتي حققت كفاءة طاقية تجعل شريحة Nvidia H100 تبدو كسيارة قديمة تستهلك بنزيناً أكثر من طائرة، ثم جاءت LightGen لتضحك على الجميع بتفوق يصل إلى مئة مرة في السرعة والكفاءة مقارنة بشرائح نفيديا القديمة، في مهام توليدية مثل إنشاء صور عالية الدقة أو فيديوهات قصيرة، وكأنها تقول: "نفيديا؟ آسف، لم أسمع بها من قبل، هل هي تطبيق جديد لتعديل الصور؟". هذا التفوق ليس صدفة، بل نتيجة تصميم ثلاثي الأبعاد يسمح بتراص الخلايا الفوتونية في طبقات، مما يتيح معالجة الصور المعقدة ككل واحد، مستفيداً من تداخل الفوتونات في فضاء كامن بصري يضغط البيانات ويعيد بناءها بكفاءة تجعل المهندسين الغربيين يمسكون رؤوسهم ويتساءلون: "كيف فعلوا ذلك دون دليل استخدام أمريكي؟".

إن جوهر هذا التقدم يكمن في قدرة الصين على تحويل التحديات إلى فرص كوميدية، خاصة في ظل سياسات الحواجز التكنولوجية الأمريكية التي فرضت قيوداً صارمة على تصدير الشرائح المتقدمة، وكأنها تقول: "لا تشتروا منا، سنرى كيف ستعيشون بدوننا"، لكن الصين ردت بابتسامة عريضة: "حسناً، سنصنعها أفضل، أرخص، وأسرع، وسنضيف لمسة صينية تجعلها تتفوق بمئة مرة". هذه الحواجز، التي بدأت تتشدد منذ 2018 وازدادت حدة مع حظر آلات الطباعة الحجرية EUV من ASML، لم تثنِ الصين بل دفعتها نحو الاكتفاء الذاتي الشامل، فبينما تعتمد شرائح نفيديا وآلات ASML على سلسلة توريد عالمية معقدة تمتد من اليابان إلى الولايات المتحدة وتايوان وهولندا، وكأنها لعبة دومينو جيوسياسية تنتظر سقوط قطعة واحدة لتنهار كلها، استثمرت الصين في بدائل وطنية تجعلها مستقلة تماماً، وتضحك على الجميع قائلة: "شكراً على الدرس، الآن سنصنع EUV خاصة بنا، وربما نبيعها لكم لاحقاً بسعر مخفض".

هذا التحول نحو الاكتفاء الذاتي لم يقتصر على الحوسبة البصرية، بل امتد إلى كل المجالات التكنولوجية الحيوية، مما يعكس تفوق الصين الشامل الذي يجعل المنافسين يبدون كأنهم يلعبون لعبة فيديو قديمة بينما الصين تلعب الإصدار الجديد بدقة 8K. في الحوسبة الكمومية، أطلقت الصين حواسيب مثل Zuchongzhi 3.0 التي تفوق الحواسيب الكلاسيكية بتريليونات المرات، وكأنها تقول لغوغل: "تفوق كمومي؟ نعم، لدينا ذلك منذ الإفطار". أما في الجيل السادس للاتصالات 6G، فتتقدم الصين بخطط وطنية تجعل الـ5G تبدو كرسائل حمام زاجل. وفي الصواريخ فوق الصوتية، تحقق الصين إنجازات تجعل أسلحتها تسبق الجميع بسرعة تجعل الخصوم يصرخون: "انتظروا، هذا غير عادل!". وفي السيارات الكهربائية، أصبحت الصين المنتج الأكبر عالمياً، مع بطاريات تجعل تسلا تبدو كسيارة لعبة، مدعومة بسياسات "صنع في الصين 2025" التي حققت أهدافها في معظم القطاعات، بينما الآخرون لا يزالون يناقشون الخطط.

إن سياسة الحواجز الأمريكية، التي هدفت إلى إبطاء تقدم الصين، أدت عكسياً إلى تسريع ابتكاراتها، محولة الضغوط الخارجية إلى دافع داخلي للاستقلال التام، وكأنها قصة كوميدية حيث يحاول الشرير إيقاف البطل فيزداد قوة. فالصين اليوم لا تعتمد على سلاسل توريد هشة، بل تبني نظاماً تكنولوجياً متكاملاً يعتمد على مواردها الوطنية، من المواد الخام إلى التصميم والإنتاج، وتضحك على الجميع قائلة: "شكراً على الحظر، لقد وفرتم علينا الكثير من المال". هذا النهج يذكر بفلسفة التاوشي القديمة، حيث يتحول الين واليانغ إلى توازن يولد قوة لا تقهر، أو ببساطة: "إذا أغلقت الباب، سنبني نافذة أكبر، وأسرع، وأرخص".

في تفاصيل LightGen، نجد عمقاً هندسياً يعكس براعة صينية خالصة تجعل المنافسين يبدون كأنهم يحاولون بناء صاروخ بألعاب ليغو: استخدام تداخل متعدد الأوضاع لتحقيق تحولات أبعاد كاملة بصرياً، وخوارزميات تدريب بايزية لا تعتمد على بيانات أرضية حقيقية، مما يحل ثلاث تحديات أساسية في الحوسبة الفوتونية بطريقة تجعل الخبراء الغربيين يقولون: "حسناً، ربما نعود إلى الرسم على الجدران". هذه الشريحة ليست مجرد بديل عن نفيديا، بل نقلة نحو حوسبة مستدامة تقلل استهلاك الطاقة في مراكز البيانات التي تبتلع كميات هائلة من الكهرباء، بينما الآخرون يستمرون في إضاءة المدن بأكملها فقط لتشغيل نموذج ذكاء اصطناعي واحد.

وإذا نظرنا إلى السياق الأوسع، فإن الصين تتفوق في الروبوتات الصناعية كأكبر منتج ومستخدم، وفي الطائرات بدون طيار التي تسيطر على 85% من السوق، وفي الطاقة المتجددة حيث تبني مزارع شمسية بحجم دول صغيرة، كل ذلك مترابط في استراتيجية وطنية تحول التحديات إلى انتصارات كوميدية تجعل العالم يضحك... أو يبكي، حسب الجانب الذي تقف فيه. بهذا، يمكن القول إن LightGen وما يمثله ليس مجرد إنجاز علمي، بل رمز لصعود أمة تعيد رسم خريطة التقدم البشري بطريقة تجعل المنافسين يتساءلون: "هل يمكننا استعارة بعض الأفكار؟ لا؟ حسناً، سنستمر في الحظر إذن"، جاهزة لقيادة العصر الرقمي بأكمله، مستقلة ومبتكرة، وبابتسامة ساخرة عريضة.

…………
قسم دراسات سمير امين في بيت الثقافة البلجيكي العربي ـ لييج ـ بلجيكا