هذا الفعل الاحتجاجي البطولي يعكس التضامن الذي يشعر به عرب إسرائيل تجاه أقاربهم في غزة
جدعون ليفي
2025 / 12 / 22 - 04:47
بطلتي في عيد الحانوكا هذا العام هي امرأة مجهولة ترتدي السواد. كان ذلك مساء الأربعاء، في الليلة الرابعة من عيد الحانوكا، في مجمع «وايزمان سيتي مول» في تل أبيب. كانت تضع حجابا على رأسها، وتحمل حقيبة على ذراعها، وهاتفا خلويا في يدها الأخرى. اقتربت من الشمعدان (المنارة) ونفخت الشموع الأربع دفعة واحدة، في نفس واحد. صفق مرافقها الرجل.
ثم عادت المرأة مرة أخرى: كانت شمعة الـ«شَمّاش» – الشمعة المستخدمة لإشعال الشموع الثماني – لا تزال مضاءة، فأطفأتها هي أيضا. هذه المرأة هي «روزا باركس» الفلسطينية. وقد نُشر مقطع فيديو لاحتجاجها على وسائل التواصل الاجتماعي خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وجاءت ردود الفعل الغاضبة سريعا: «توثيق يثير الغضب» (موقع ماكو وقناة 14)، «توثيق فاضح» (موقع الأخبار الحريدي «بحادري حريديم»)، و«معادية للسامية ناطقة بالعربية» (يوآف إلياسي – «الظل» – على إنستغرام).
وكتب يائير فولدِس في صحيفة هآرتس أن الشرطة تحقق في الحادثة لكنها لم تحسم بعد التهمة المناسبة. وهي تدرس تطبيق المادة 170 من قانون العقوبات الإسرائيلي، والتي تحظر «تدمير أو إلحاق الضرر أو تدنيس مكان عبادة أو أي شيء يُعد مقدسا لدى جماعة من الناس، بقصد إهانة ديانتهم، أو مع العلم بأنهم قد يعتبرون هذا التدمير أو الضرر أو التدنيس إهانة لدينهم».
العقوبة القصوى: ثلاث سنوات سجن. جميع من أحرقوا المصاحف في مساجد الضفة الغربية أحرار طلقاء، أما هذه المرأة فسيتم اعتقالها.
بينما أكتب هذه السطور، كانت مطاردة الشرطة على أشدها. وبحلول مساء السبت، أو ليل الاثنين على أبعد تقدير، ستعتقل المرأة. المحاكمة الاستعراضية في الطريق، حتى وإن كان مقدم البرامج في القناة 14، ينون مغال، متشائما: «سيقبضون عليها، يصورونها بجانب العلم الإسرائيلي، يحضرونها إلى جلسة تمديد توقيف، ثم يفرج القاضي عنها إلى الحبس المنزلي».
من المعروف أن بيوت إسرائيل مليئة بالعرب الذين أفرجت عنهم المحاكم. اسألوا الشاعرة دارين طاطور، التي وُضعت قيد الإقامة الجبرية لمدة نصف عام (!) قبل محاكمتها بسبب منشور على فيسبوك، وذلك قبل وقت طويل من 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. بالنسبة لليمينيين، فإن «مُطفئة الشموع» هذه إرهابية تستحق حكم الإعدام.
ليس من اللائق إطفاء شموع الحانوكا؛ ولا أعرف ما الذي دفع هذه المرأة الشجاعة إلى فعل ما فعلت، لكن من الصعب تخيل فعل احتجاجي لا عنفي أكثر درامية من هذا.
يجوز تعطيل العيد الذي يحتفل فيه اليهود بذكرى انتصار ثورة الحشمونيين على المحتل اليوناني. وفي عيد يغني فيه اليهود: «جئنا لطرد الظلام، في أيدينا نور ونار»، يجوز الاحتجاج. وفي عيد يغنون فيه: «لنقم حفلة - سنرقص الهورا جميعا - اجتمعوا حول الطاولة - سنقدم لكم الحلوى - نردّات للعب وفطائر للالتهام»، يجوز الإفساد. وفوق كل ذلك، في عيد يُغنى فيه بلا خجل: «حين تُعد مذبحة للعدو الكافر» (الترجمة الحرفية لجزء من البيت الأول من نشيد «ماعوز تسور»/«صخرة الدهور») – يجوز التمرد.
يجوز لفلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية أن ترى أن هذا الاحتفال يجب أن يُطفأ بفعل احتجاجي شخصي: نفخة واحدة تطفئ الشموع في مركز تجاري. بينما يغرق أبناء دينها، وربما أقاربها أيضا – ففي يافا، مثلا، لا توجد عائلة عربية واحدة بلا أقارب في غزة – في الوحل، ويرتجفون من البرد، وتواصل الكلاب الجائعة النبش في جثث أقاربهم المحاصرين، لن يحتفل اليهود هنا وكأن شيئا لم يحدث.
لا بد لأحد أن يذكّرهم بأن الحرب في غزة لم تنتهِ، وأن المعاناة تزداد فقط. لا بد لأحد أن يذكّر الإسرائيليين بأنه بينما يلتهمون فطائر «السوفغانيّوت» الفاخرة، لا يزال في غزة أناس يتضورون جوعا، أو على الأقل سئموا ومرضوا من أكل العدس.
هناك مئات الآلاف من المشردين الذين ينهشهم الشتاء. وهناك مرضى يموتون ببطء، في آلام مبرحة، بسبب انعدام الرعاية الطبية. وهناك مئات الآلاف من الأطفال الذين قُتل أصدقاؤهم، والذين حُرموا من المدارس أو أي إطار تعليمي لأكثر من عامين، والذين حُكم عليهم بحياة من الجهل واليأس حتى لو نجوا من الحرب، وهي حرب بعيدة عن النهاية.
هذا يمس عرب إسرائيل. يؤلمهم، حتى وإن شلهم الخوف من نظام يعتقل كل من يجرؤ على إظهار إنسانيته. ثم جاءت امرأة مجهولة، في الليلة الرابعة من الحانوكا، وأطفأت للحظة واحدة شموع المحتفلين الإسرائيليين، بنفخة واحدة. إنها بطلة.